الملتقى الثقافي الدولي للغة الضّاد في طبعته الأولى جانفي 2024 بمدينة مرسيليا أيام 26/27/28
الملتقى الثقافي الدولي للغة الضّاد في طبعته الأولى جانفي 2024 بمدينة مرسيليا أيام 26/27/28
تقرير : خديجة بن عادل
أشهى الناسِ حبّاً للّغة الضَّاد
إنّ اللّغة العربيّة « نشيد الحياة » لغة البيان والأنوار ، لغة الجمال والجلال؛ تنير الدّروب، تفتح أبواب السّماء،
تجعل المرء يقرأ القرآن فخراً واعتزاز .. تطهر عتمة القلوب، تطرد الشيطان؛ لّغة المعلّقات
لبريق حروفها وميضاً يشع تلاوات الاشراق ، تدعو الناطق بها للتأمل في بديع المصوّر، الخالق المنّان ، ومن أصالتها تصل العبد بربّه.. فتنتشي النفس وتعتلي خصب الخيال، وتهيم الروح كفراشة شفافة محلقة في فسيح الكون عطاءً وزهداً وعشقًا، ليعيش العبد فينا جنّة الأرض سعيًا وشكرًا للرّحمن.
ومن نشيد الحياة اشتقت الروائية الجزائرية حياة قاصدي
حكاية عشق أزليّة جمعت بينها وبين حروف الأبجدية وأبحرت بنا في عوالم أحاديث الضفة الأخرى قائلة:
«لم يكن صباحا عاديا، وكأنها الشمس تسرق من حلكة تلك الليلة كل جميل بوجداني ، أول ليلة أقضيها في بيت سكنته أول مرة في الضفة الأخرى ، منذ عرفت الحياة وبيني وبين بيتنا العائلي مسافة كتب على جدرانها تاريخ وطن وقصص التراث وألوان المساجد ، كنت تائهة بين جدران بيت أحسست ببرودته القاسية ، بغربة أسواره عني ،قلبي اليتيم ضمد جرحه و أسكنه بين أضلع كان عليها أن تعيد ترتيب الأحاسيس المحترقة ، سلمت قلبي لدقات زمن سيحمل لي أوزانا جديدة و مكانا يحاول بعثرة صور ذاكرتي ليمحوها مصرا على عبور لوحات أخرى …
عندها استسلمت للمدينة الجديدة وقد جن الليل ، وضعت رأسي على أول وسادة عانقت روحي لتواسي دموعي الحزينة ، كان فجر تلك الصبيحة صامتا و تسابيحه تقاوم من أجل خلودها، بدأت شمس المدينة تشرق و هواء البحر يحمل لي من الأنس رسائل تربطني بهناك ، هناك يسكن وطنا أبدًا لن يغيب ، يومي الأول في بيتي الغريب بدأ رحلته على قارب الألم ، إنه يوم الأحد ، فتحت النافذة لأستنشق هواء يوم جديد و أرمم غربة قلبي تحت شمسه الباردة ، لأكتشف و أنا أفتح شبابيكها العتيقة أنني سكنت قبالة الكنيسة ، في قلب الحي العتيق الذي تتوسطه كنيسة تعود إلى نهايات العصور الوسطى بدأت أستعيد دروس التاريخ و الحروب الصليبية و أمجاد صلاح الدين ، نسيت أنوار الشمس و تجمدت شراييني عندما بدأت الأجراس تدق بشدة معلنه عن قداس يوم الأحد ، عجزت عيوني على أن تذرف دموعها و أصيبت بالجمود ، سكنت بين الرمش والعين واحتبست في مكانها ، بقيت لمدة لا أتذكر زمنها بقدر ما أحسست بثقلها و أنا أمام النافذة متصلبة الأطراف و شاردة الذهن فقد أدركت أن الغربة الفعلية لا ترتبط بالمكان وحده بل إنها غربة الثقافة و الدين و النظرة إلى القيم و العودة إلى التاريخ و مسيرة أمم ، في بلدي كنت غير بعيدة عن المسجد و في الضفة الأخرى جعلني القدر أجاور الكنيسة …
فجأة قطع مرور سرب الحمام رحلة ذهني في شروده و أعادت إليه نبض الحياة ، السماء امتلأت بأعداد هائلة من الحمام و غطت فضاء الكنيسة ، كانت أصواتها تصدح بشدة و قوتها ملأت عنان السماء ، كان المنظر مذهلا فعلا … بدأ قلبي يستعيد نبضاته العادية و دمعتي المتصلبة تحررت من سجنها ، لم تكن حزينة تلك الدمعة عندما رقصت مبتهجة على مساحة خدي و قد حملت لي رسالة جميلة ، الصوت الذي غرد بداخلي ، إن الحمام يا حياة يسبح لله فاستمتعي بنشيده البهي ، توقفت الأجراس و مضى الحمام في طريق رحلته تاركا رسالة جميلة ، الكل يسبح لله ، وحيثما تولوا فثم وجه الله …
كانت حرية دمعتي حورية مقامي » ما أعظم لغتنا التي عبَّر بها المرء عن انفعالاته الوجدانية ومع آخر نقطة على السطر تتمخض الحروف فتلد نصوصاً زكيّة يشهد لها القلم يوم الملقى.
احتفالاً بلغتنا العربيّة نظّمت دار الأمير للنشر والتوزيع والترجمة بمدينة مرسيليا تحت اشراف ورعاية الأديبة حياة قاصدي ملتقى ثقافي دولي لمناقشة اشكالية اللغة العربيّة في سياق ينفتح على آليات جديدة حيث أبدت الجمعية القائمة على مسجد الرحمة تعاوناً كبيراً طيلة أيام الملتقى من قاعة للمحاضرات وأجهزة، وأجنحة المعارض للكتب والفن التشكيلي وورشات الخط العربي وملصقات الإشهار وحتى تقديم المشروبات والحلويات للضيوف . فكل الشكر للسيد عبد المالك بلحسانية فجزاه الله خيراً.
فعمدت السيدة حياة لتسطير برنامج ثقافي وأدبي متنوع باللغة العربية مع الترجمة للغة الفرنسية لبعض الجمهور الحاضر الذي لا يحسن فهم اللّغة منها مايلي ( المحاضرات، النقاشات، الأمسيات الأدبية، الانشاد الديني، المعرض الخاص بالكتب ولوحات الفن التشكيلي، ورشات الخط العربي الأصيل، التكريمات).
-فعاليات الملتقى لليوم الأول
تم الافتتاح مباشرة بعد صلاة الجمعة بالقاء كلمة السيّدة حياة قاصدي معربة عن فرحها بتنظيم هذا الملتقى بطبعته الأولى الذي يخطط لرسم أهداف جديدة في طرق التلقين والمحافظة على الأصالة والهوية العربيّة وخاصة مع تنوع الثقافات وتعدّدها في أوروبا من بينها كثرة الجاليات العربية في فرنسا.
ومنها مباشرة تلاوة طيبة مع مقرئ مسجد الرحمة.
ثم تطرّق الدكتور جمال الجازولي مدرّس في المقارنات الدولية بمحاضرة تحت عنوان عريض لأهداف اللغة العربيّة مستشهدًا بآيات من الذكر الحكيم قال تعالى: إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ [يوسف:2]. وأردف قُرْآناً عَرَبِيّاً غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ [الزمر:28]. بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ [الشعراء:195]. واسترسل في الشرح والتفسير بأمثلة بسيطة من واقعنا المعاش حيث كان الجمهور متعطش لمحاضرات مماثلة ذات بعد تاريخي وديني في نفس الوقت، ومع اخر كلمة فتح المجال للنقاش لطرح الأسئلة وتبادل المعلومة مع المهتمين من السادة الحضور للاستزادة.
وبعدها اعتلى المنصة الأستاذ عبد الرحمن معمري بإنشاد ديني ومديح أذهل الجمهور بجمال صوته الجهوريّ الذي يطرق القلب والسمع معاً دون استئذان.
وتخلّل في نفس الوقت بيع الكتب مع الإهداء مع كل من الضيوف السادة والسيدات الشعراء والشواعر على سبيل الذكر الأديبة الجزائرية خديجة بن عادل التي جاءت من مدينة ترار التابعة لمحافظة ليون التي تبعد عن المدينة الثانية بَعْدَ العاصمة باريس «مرسيليا بـ 430 كلم» حيث عرّفت بديوانها ويسألونك- عنّي للجمهور وزوار المعرض الّذي صدر عن دار الأمير في شهر أوت 2023 كما قُدّمت لها دعوة لتقديم أمسية أدبيّة رفقة الشاعرة الجزائرية رانية شعرواي.
وكذلك الروائي الأمازيغيّ محنّد اوسعيد لخضر عن روايته..
« Le Journal de ma mère »
والعديد من الأسماء اللامعة في الوطن العربيّ
-اليوم الثاني
محاضرة الدكتور محمد طالب عبر تطبيق زوم تحت عنوان اللّغة والذاكرة في الحضارة العربيّة ودورها الفعّال في النهضة الفكرية والحداثة.
ومنها ورشات الخط العربي الأصيل مع الأطفال رفقة السيدة سمرة عميوش .
ومن الشخصيات والدكاترة الّذين أثروا الملتقى في اليوم الثالث والأخير الذي يعدّ بدوره يوماً مميزاً لأنّه استهل بمحاضرة قيّمة من طرف الدكتور زوبير حفيظي تفيد في تلقين الأطفال أحكام التجويد والقراءة الصحيحة للقرآن الكريم بتعلم الطريقة النورانية بدءًا بحروف الهجاء المفردة ثمّ المركبة والمتحركة مع الحركات ؛ الذي نصح بدوره الآباء والامهات بديار الغربة ببعض التطبيقات المفيدة؛ و بعد صلاة العصر بدأت محاضرة الصحفي والكاتب الجزائري بوعلام رمضاني الذي كتب مؤلفاً عن حياة المستشرق الفرنسي « أندريه ميكيل» حيث استهل محاضرته بدقيقة ترحم على أرواح الشهداء في فلسطين الأبيّة، معبراً عن اسفه الشديد لما يتعرض له الشعب من ويلات الحروب خراب وتجويع وقتل ودمار في ظلّ صمت عربيّ مريب، وانهى محاضرته بحوار شيق مع مجموعة كبيرة مِمن أراد التعرف عن شخص الصحفي وعن سبب اختياره حياة الكاتب الفرنسي وكيف عشق الشرق واللّغة العربيّة حيث أجاب في حواره على لسان أندريه ميكيل « كنت وسأبقى عاشقاً للّغة العربية التي سحرتني بتاريخها وبخصوصيّاتها الكثيرة مقارنة باللغات الأجنبية الأخرى .
ستبقى عشيقتي الأبدية رغم تقدّمي في السنّ، وستبقى حيّة في قلبي ، وستنتهي قصّة حبّي لها مع موتي ؛ وحده الذي يدرس تاريخ اللغة العربية ، والانجازات العلمية والفكرية والفنية التي تمت بها يعرف قيمة هذه اللغة والدور الحضاري العالمي الذي لعبته عالمياً وأوروبياً استناداً لكلّ ما مرّ معنا.
اللّغة العربيّة التي عشقتها ليست هي اللّغة التي يحتقرها بعضهم ويتحدّث عنها بعضهم الآخر بطريقة غير سليمة.
لقد قضيت حياتي أعمل بهذه اللّغة الرائعة مدرّساً وباحثاً وشاعراً ومترجماً وكاتباً ؛ وأشهد أنّني كنت أكتشف غناها المبهر في كلّ مرّة ، ومن يوم لآخر .»
——————
ومن من شخصيات زوار الملتقى:
-الباحث والمختص في علم النفس والتنمية البشرية اللبناني السيد مروان الحريري
-الصحفي الجزائري رفيق زناز يعمل بالعديد من الجرائد والمجلات المحلية والدولية.
-تكريم المشاركين من أدباء وضيوف الشرف و الدكاترة المحاضرين والأساتذة من طرف دار الأمير للنشر والترجمة مع الشكر والترحاب لطبعة ثانية بحول الله وقوته.