كتاب عدن
بماذا يحتفي هؤلاء؟؟
ترددت كثيراً في الخوض في موضوع ما سمي بـ”بيان الإقليم الشرقي” الذي احتفت به العديد من وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي والكثير من القادة السياسيين والناشطين الإعلامييين، حتى أن أحد السياسيين امتدح الموقعين على البيان بأنهم “لم يخرجوا قيد أنملة عن مخرجات الحوار الوطني. ووقفوا من مسار السلام موقف الزعماء من القضايا المصيرية”، وهذا ليس سوى جزءٍ من مهرجان الصخب والضجيج الذي ما يزال يتواصل على مختلف المنابر والوسائط الإعلامية الورقية والرقمية.
والحقيقة إنني كنت قد قررت عدم استكمال هذا المنشور، لولا مواصلة المحتفلين بالبيان احتفالاتهم والمبتهجين به ابتهاجاتهم إلى درجة تثير الاستغراب والتساؤل أكثر مما تقدم من وسائل التبرير والإقناع لمن يتساءل عن أسباب هذا الاحتفاء.
ولأنني أحترم حق الإخوة الموقعين على البيان فليس من حقي أن أعترض أو أشجب ما ورد في هذا البيان خصوصاً وإن لدي من بين قائمة الموقعين على البيان الكثير من الأصدقاء والزملاء الذين أكن لهم فائق الاحترام والاعتزاز بصداقتنا وزمالتنا وعملنا المشترك السابق، مع كل التقدير لكل الأسماء الموقع أصحابها على البيان.
لكن ما وددت التحدث عنه هنا هو بعض ما تضمنه نص البيان وليس أسماء الموقعين عليه وأهمية أو عدم أهمية مواقعهم ومراكزهم القيادية أو تاريخهم السياسي.
يتركز البيان حول ما يراه الموقعون قضية محورية هي ” أهمية السلام الشامل والعادل والمستدام القائم على احترام إرادة اليمنيين وحقهم في إدارة شؤون بلدهم وفقاً ومعايير التشاركية السياسية والمجتمعية الضامنة لنزع فتيل الخلافات مستقبلاً وبناء دولتهم الاتحادية بنظامها الجمهوري التعددي على أسس الشراكة والعدالة والحكم الرشيد”، ويرى الموقعون على البيان أن “وضع حد لمأساة اليمنيين من خلال حوارٍ يمنيٍ لا يستثنى أحداً ويفضي إلى سلام دائم وفق المرجعيات الثلاث (المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، والقرارات الأممية ذات الصلة وفي مقدمتها القرار 2216 )”.
وإذ يطالب الموقعون على البيان بــضرورة حضور متوازن وعادل وندي لأبناء الإقليم الشرقي (حضرموت والمهرة وشبوة وسقطرى)، في الحوار الذي يؤكدون عليه فإنهم يرون أن الإقليم الشرقي “لا يتبع لشمال ولا جنوب في أية تسوية سياسية”.
وقبل محاولة مناقشة تلك النقاط التي تمحور حولها البيان ينبغي أن نشير إلى أن توقيت إصدار البيان لم يأت بمعزل عن التطورات التي تشهدها الحالة السياسية ومحاولات تفكيك الأزمة اليمنية والوصول إلى تسوية سلمية، ولأن منطوق البيان تجنب التعرض ولو على سبيل الذكر للمشروع الانقلابي الذي أدخل اليمن في أزمة الصراع والحرب وما تتجه إليه الأمور من المآلات المفتوحة على كل الافتراضات وأسوأها، وكما إن البيان لم يتحدث لا عن أزمة “وحدة 1990م” وفشلها الذريع ولا عن غزوتي 1994م و2015م للجنوب وما ألحقتاه من دمار باليمن كلها وبالجنوب على وجه الخصوص ولا عن القضية الجنوبية وتعقيداتها وثورة الشعب الجنوبي التي انطلقت من حضرموت قبل غيرها من المناطق الجنوبية، فمن الواضح أن من أصدروا البيان قد حرصوا على عدم إغضاب الغزاة، وأن كل مفردات البيان تتمحور حول أهمية حضور أبناء الإقليم الشرقي في أي تسوية سياسية للأزمة اليمنية “من خلال تمثيل عادل يضمن لهم الشراكة والندية وبما يتناسب مع مكانتها الاقتصادية والاجتماعية والتاريخية ومساحتها الجغرافية، وعدد السكان في الداخل والمهجر وإسهامها في دعم موارد الدولة المختلفة”.
وهنا يمكن التساؤل حول النقاط التالية:
1. يؤكد البيان على حق اليمنيين في ” بناء دولتهم الاتحادية بنظامها الجمهوري”، ومن حق القارئ والمتابع للبيان التساؤل: كيف ينظر الإخوة الموقعين على البيان إلى القضية الجنوبية ومطالب الغالبية من المواطنين والناشطين السياسيين الجنوبيين باستعادة دولتهم؟ هل سيقف الموقعون على البيان ضد كل من يطالب باستعادة الدولتين الشقيقتين في شمال اليمن وفي جنوبه؟ خصوصا وإنهم قد أكدوا أنهم ليسوا منن الشمال وليسوا من الجنوب؟
2. يشدد البيان على أهمية لانطلاق من المرجعيات الثلاث، المعروفة للجميع ومن بينها وربما أهمها مخرجات الحوار الوطني الشامل (المقصود هنا حوار 2012م أو ما يسميه بعض الظرفاء بحوار موفنبيك) فهل يحتاج هذا الحوار الشامل إلى حوار شامل آخر بعد أن أدت مخرجاته إلى الانقلاب والحرب؟ ثم من هي أطراف الحوار، ونحن نعلم أن اليمنيين تحاوروا قبل أن يقتتلوا فهل سيكون الحوار بعد الاقتتال أسهل من الحوار قبله؟ وهل فعلاً سيكون ممكناً قيام دولة اتحادية بنظام جمهورية بعد أن هيمن أحفاد الملكية على أكثر من 90% من مساحة الجمهورية العربية اليمنية التي يتحدثون عنها؟
ولا بد من الاعتراف بأن نفس المتحاورين عام 2012م الذين خرجوا من الحوار إلى الحرب قد توصلوا إلى قناعة أن الحوار كان فاشلاً ولم ينجح في تسويق مخرجاته بعد أن وقفت ضدها أعتى قوتين مسلحتين في اليمن.
3. وعودةً إلى المرجعيات الثلاث التي تحولت إلى ما يشبه بقرة الهندوس، تعبد غريزياً بلا تساؤل عن جدوى وواقعية هذه العبادة، لنا أن نتساءل: كيف ستعيدون المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية إلى الواجهة؟ هل سنعيد علي عبد الله صالح إلى الحياة لينقل السلطة إلى الرئيس المعزول عبد ربه منصور هادي، مقابل منح الحصانة للأول؟ ثم كيف ستطبقون قرارات مجلس الأمن ومن بينها قرار 2216م الذي ينطوي على وضع اليمن تحت البند السبع مع العقوبات المفروضة على الرئيس علي عبد الله صالح وولده وبعض أفراد أسرة الحوثي؟ علما بأن الدول التي أقرت تلك القرارات تتجه نحو إلغائها بعد أن استنفدت ممكنات تطبيقها خصوصاً بعد تطبيع العلاقات بين المملكة الشقيقة والجماعة الحوثية؟
4. إن عنوان البيان نفسه يتضمن ما يثير عشرات الأسئلة، وسنشير إلى أحدها فقط وهو إن البيان يتحدث عن “الإقليم الشرقي” وبين قوسين يضعون أسماء محافظات (حضرموت، شبوة، المهرة وسقطرى) أي مساحة تساوي ضعف مساحة الجمهورية العربية اليمنية، وهو نفس الإقليم الذي تحدثت عنه مخرجات حوار صنعاء الفاشله، بينما يتحدث المشروع الجنوبي عن دولة جنوبية اتحادية بسبعة أقاليم وربما أكثر، بحيث سيكون “الإقليم الشرقي” الذي يتحدثون عنه عبارة عن أربعة أقاليم في دولة الجنوب الاتحادية القادمة، فأي الخيارين أفضل لمواطني المحافظات الأربع: إقليم واحد في دولة مركزها المقدس صنعاء وقبائل طوقها؟ أم أربعة أقاليم في دولة جنوبية ليس فيها أحد يدعي بالمركزية والقداسة؟
لقد تجنبت الأسئلة التقليدية من قبيل السؤال: ما هو التفويض الذي حصل عليه الموقعون على البيان من قبل المواطنين والقوى السياسية والنقابية والفكرية والأكاديمية ومنظمات المجتمع المدنية وسائر الطبقات الاجتماعية في المحافظات الأربع ؟ وكم يمثل هؤلاء الموقعون بعددهم المحدد ومعهم المباركون والمحتفون من نسبة السكان في تلك الحافظات؟