على ماذا يعول الحوثيون في تحديهم للتحالف الغربي؟
وجهت قوات أمريكية وبريطانية ضربة عسكرية إلى قواعد تابعة لجماعة أنصار الله الحوثية اليمنية، وذلك بعدما استهدفها عدة سفن في البحر الأحمر ادعت أنها كانت في طريقها لإسرائيل او تتبع شركات إسرائيلية.
وفيما توعدت الجماعة اليمنية وقالت إن الضربة لن تمر “دون رد ودون عقاب”، ذكر المتحدث العسكري باسم الحركة أن القصف أسفر عن مقتل خمسة مقاتلين وإصابة ستة آخرين، متوعداً بمواصلة منع مرور السفن التابعة لإسرائيل في البحر الأحمر وبحر العرب.
وحذّر زعيم الجماعة عبد الملك الحوثي، من أن الرد على أي هجوم أمريكي “لن يكون فقط بمستوى العملية التي نُفذت أخيراً”، غداة تبنّيهم هجوماً بأكثر من 20 طائرة مسيرة وصاروخًا فوق البحر الأحمر.
فما هي العناصر التي يمكن أن يعتمد عليها الحوثيون في الرد على هجمات من هذا النوع؟
موقع استراتيجي حساس
تتحكم قوات الحوثي في مساحات واسعة من اليمن، منها مواقع استراتيجية على البحر الأحمر. ومن خلال أسلحة متنوعة، تسببت هجمات الحوثي البحرية خلال الأشهر الماضية في قلق دولي على مسارات الملاحة في المنطقة البحرية شديدة الحساسية، كما تأثرت أسعار شحن البضائع وارتفعت قيمة التأمين على البضائع، فيما قررت شركات شحن دولية أخرى تغيير مسار سفنها إلى طريق رأس الرجاء الصالح القديم والأطول، ما رفع أيضاً من تكلفة النقل وسط مخاوف متزايدة من تأثيرات ذلك على أسعار النفط عالمياً.
ومنذ منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر، شنّ الحوثيون 26 هجوماً في البحر الأحمر وفق الجيش الأمريكي، ما أدى إلى تراجع حركة بواخر الشحن في المنطقة بنسبة 70 بالمائة تقريباً، بحسب آمي دانيال، مؤسس ومدير شركة “ويندوارد” للاستشارات في مجال النقل البحري.
أيضاً، يشير خبراء استراتيجيون إلى أن الطبيعة القاسية لليمن من جبال وتضاريس وعرة شكلت – ولا تزال تشكل – عائقاً كبيراً أمام استهداف أي قوات يمنية بضربات عسكرية مؤثرة.
ويشبه خبراء اليمن بفيتنام التي سقطت الولايات المتحدة فيها لسنوات، وهو ما حدث مع الجيش المصري قبل عقود والذي خرج أيضاً من اليمن بخسائر فادحة، والأمر نفسه حدث مع السعودية بكل ترسانتها الضخمة التي لم تنجح – رغم كل الضربات العنيفة التي وجهتها إلى اليمن والحوثيين – في عمل تغيير جذري في المشهد السياسي أو العسكري اليمني.
مصادر أساسية للسلاح
لكن السؤال الذي يطرح نفسه منذ فترة يتعلق بنوعية ومصادر الأسلحة التي مكنت الحوثيين من فرض سيطرتهم على المسار البحري بين خليج عدن وباب المندب والبحر الأحمر، وأيضاً طبيعة التحالفات الدولية والسياسية التي تستغل كذلك موقعاً استراتيجياً شديد الأهمية في المنطقة:
1– الصين
يرى المحلل الأمريكي الدكتور جيمس هولمز، رئيس كرسي “جي سي ويلي” للاستراتيجية البحرية في كلية الحرب البحرية وزميل بارز في مركز بروت كرولاك للابتكار وحرب المستقبل بجامعة مشاة البحرية الأمريكية، أن الحوثيين أطلقوا على سفينة شحن تجارية في مناسبة واحدة على الأقل صاروخاً باليستيا مضاداً للسفن، وهو نوع من الأسلحة يمتلكه فقط – من الناحية الظاهرية – الجيش الصيني .
وقال هولمز، في تقرير نشرته مجلة ناشيونال انتريست الأمريكية، إنه في الثالث من الشهر الجاري، أعلنت القيادة المركزية الأمريكية، التي تشرف على العمليات العسكرية الأمريكية في الشرق الأوسط، أن المسلحين الحوثيين اطلقوا صاروخاً باليستياً مضاداً للسفن باتجاه سفينة الشحن يونيتي اكسبلورر، التي ترفع علم البهاما ومملوكة للمملكة المتحدة.
وأضاف أنه “يصعب للغاية التقليل من شأن المشروع الفني العلمي لجماعة الحوثي، وهو “مشروع ضخم تقوم عليه جماعة أقرب إلى دولة تدعمها إيران وهى عميل غير رسمي للصين”. وتساءل: “هل تنشر بكين تكنولوجيا الصواريخ؟ وأجاب أنه من المؤكد أن الأمر يبدو كذلك. وسواء أكانت تقوم بذلك عن عمد أو عن غير عمد فهذه مسألة أخرى”.
وأوضح المحلل الأمريكي أنه يبدو من غير المحتمل أن يقوم المشرفون على الجيش الشعبي الصيني، من تلقاء أنفسهم، بنقل نظام سلاح بمثل هذه القوة لإيران، حيث أنه ربما يذهب إلى ترسانات الحوثيين وغيرهم بحسب ميول إيران.
2 – إيران وسلاح الجيش اليمني
وفي حوار له مع موقع “انسايدر”، قال بيتر ويزمان، أحد كبار الباحثين في معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام SIPRI المتخصص في مبيعات الأسلحة والشؤون العسكرية، إن الحوثيين ومنذ فترة طويلة تمكنوا من إقناع جزء من القوات المسلحة بالانضمام إليهم، وتمكنوا من السيطرة على جزء كبير من البلاد، بما في ذلك الترسانة العسكرية التي كانت موجودة بالفعل من قبل.
وأضاف أن هناك أيضًا مؤشرات على حصولهم على بعض الأسلحة من الخارج، وخاصة من إيران: “لسنا متأكدين تمامًا من الكميات الموجودة هناك أو من يقف وراء ذلك، ولكن في عدد من الحالات، تم اعتراض أسلحة مصنوعة في إيران أو تحمل علامات إيرانية”.
وفي تحقيق أجرته رويترز في أكتوبر/تشرين الأول 2016، تحدث مسؤولون أمريكيون وغربيون وإيرانيون للوكالة أن إيران كثفت عمليات نقل الأسلحة إلى الحوثيين، وأن الأسلحة شملت صواريخ وأسلحة خفيفة.
وقال المسؤولون إن الكثير من أنشطة التهريب الأخيرة تمت عبر عمان المجاورة لليمن، بما في ذلك عبر الطرق البرية التي تستفيد من الحدود التي يسهل اختراقها بين البلدين، في الوقت الذي نفت فيه مسقط صحة هذه الأنباء. وقال دبلوماسي غربي مطلع على الصراع لرويترز إن “ما يجلبونه عبر عمان هو صواريخ مضادة للسفن ومتفجرات وأموال وأفراد”.
وبحسب تقرير نشره موقع “ذا ناشيونال نيوز” فإن الجزء الأكبر من ترسانة الحوثيين اليوم يتكون من صواريخ بركان-3 القادرة على توجيه ضربات بعيدة المدى تصل إلى 1200 كيلومتر، وصواريخ بدر بي-1 الأقصر مدى، والتي يصل مداها إلى 150 كيلومترًا، وصواريخ فروج-7 التي تعود إلى الحقبة السوفيتية. والتي يسميها الحوثيون زلزال، ويبلغ مداها 65 كيلومترا.
وأضاف الموقع أنه من المعروف أن الحوثيين يمتلكون عددًا من الصواريخ الباليستية متوسطة المدى، وهي أسلحة حددها “المركز الأمريكي للحد من الأسلحة” ورجح أن مداها يتراوح بين ألف كيلومتر و3 آلاف كيلومتر. وقال خبراء ومسؤولون إن هذا لا يمكن أن يحدث إلا بمساعدة خارجية.
ووفق موقع ذا ناشيونال، تُظهر العديد من التقارير، بما في ذلك التحقيق الشامل الذي أجراه فريق الخبراء التابع للأمم المتحدة في عام 2020، روابط قوية بين برنامج الصواريخ الحوثي والأسلحة التي صممتها إيران وزودتها بها.
على جانب آخر، وصلزورق مسيّر مسلح انطلق من اليمن إلى مسافة “بضعة أميال” من البحرية الأمريكية والسفن التجارية في البحر الأحمر قبل أن ينفجر في الأسبوع الأول من يناير/ كانون الثاني الجاري.
وقال نائب الأدميرال براد كوبر، رئيس عمليات البحرية الأمريكية في الشرق الأوسط، إن هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها الحوثيون “سفينة سطحية دون قائد (مسيرة)”، منذ أن بدأت مضايقتهم للسفن التجارية في البحر الأحمر بعد اندلاع الحرب في غزة بحسب ما نقلت وكالة اسوشيتدبرس.
وقال فابيان هينز، خبير الصواريخ وزميل الأبحاث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية، إن الحوثيين استخدموا هذه الزوارق سابقاً بانتظام ضد السعودية في شكل قوارب انتحارية تنفجر عند الاصطدام. وقال هينز إنه من المحتمل أن يتم تجميع معظم المركبات البحرية التابعة للحوثيين ويتم تزويدها بمكونات مصنوعة في إيران، مثل أنظمة التوجيه الآلية.
3- كوريا الشمالية
في فبراير/ شباط 2019 اتهم مراقبو عقوبات الأمم المتحدة كوريا الشمالية بانتهاك حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة ومحاولة بيع أسلحة إلى الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط، بما في ذلك المتمردين الحوثيين في اليمن. وقال الخبراء في تقرير جديد لمجلس الأمن إن برامج كوريا الشمالية النووية والصاروخية “لا تزال سليمة”.
ووجدت اللجنة أن بيونغ يانغ “تستخدم منشآت مدنية، بما في ذلك المطارات، لتجميع الصواريخ الباليستية واختبارها، كما وجدت أدلة على وجود اتجاه ثابت من جانب كوريا الشمالية “لتفريق مواقع التجميع والتخزين والاختبار”.
أما بالنسبة لحظر الأسلحة، فقال الخبراء إن كوريا الشمالية حاولت توريد الأسلحة الصغيرة والأسلحة الخفيفة وغيرها من المعدات العسكرية عبر وسطاء أجانب إلى ليبيا والسودان والمتمردين الحوثيين في اليمن.
ضربة قد تشعل المنطقة
وفي حوار لها مع DW، قالت الدكتورة اليزابيث كيندال من جامعة اوكسفورد، إنها تخشى أن تثير هذه الضربات دائرة من الصراع يمكن أن تتسع في المنطقة، مضيفة أنه “سيكون من الحماقة ألا نعتقد أن هذا احتمال حقيقي”.
وقالت الخبيرة البريطانية إنه إذا استعرضت الولايات المتحدة قوتها العسكرية الكاملة ضد الحوثيين، فسيتبع ذلك حرب إقليمية. وأضافت أنه “ليس من السهل التقليل من شأن الحوثيين.. وإذا أطلقت الولايات المتحدة قوتها العسكرية ضدهم فقد يؤذون الحوثيين بشدة، لكن ذلك سيؤدي إلى حرب إقليمية كاملة وشاملة، خاصة وأن الحوثيين اليوم يتمتعون “بشعبية كبيرة” في العالم العربي بسبب دفاعهم عن الفلسطينيين”.
وقالت إن الحوثيين الذي يخوضون صراعاً داخلياً مع خصومهم ومع السعودية وتدعمهم إيران بقوة “ليسوا من النوع الذي يمكن ردعه بالضربات” وأن سجل التحالف الغربي في مناطق نزاعات أخرى “لا يبدو رائعاً” وأن “هذا الأمر يعلمه الحوثيون الذين يرون الانسحاب من أفغانستان وعدم النجاح في العراق أمثلة على هذا الفشل”.
المصدر : DW