العودة إلى الفطرة السليمة في ( رداء ابليس ) للروائي العراقي : عدنان جمعة . بقلم الروائي و الناقد حسن الموسوي/ العراق .
العودة إلى الفطرة السليمة في ( رداء ابليس ) للروائي العراقي : عدنان جمعة .
بقلم الروائي و الناقد حسن الموسوي/ العراق .
يبتدئ الروائي العراقي عدنان جمعة هذه الرواية بآيات من القرآن الكريم { و الذين هم لفروجهم حافظون * إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين * فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون } الآية 5_7 من سورة المؤمنون.
و تعتبر هذه المقدمة و هي من العتبات النصية المرهم الشافي لكل الممارسات اللااخلاقية التي تم ذكرها في هذه الرواية .
ان الانفلات الأمني و مرارة الفقد و فقدان الأحبة هو البوابة الرئيسية نحو الضياع .
فقدان الأمن جعل الجميع يبحثون عن الاطمئنان في بلد افترسه العنف بلا رحمة ، يقول جان لوك غودار { إن الاحساس الأروع في العالم ليس ان نحب بل ان نطمئن } .
ان الهدف الرئيسي من هذه الرواية هو تسليط الضوء على احداث مأساوية حدثت و مازالت تحدث في كل ارجاء المعمورة و الغاية هي احتوائها و عدم انتشارها ، يقول البير كامو { هدف الكاتب هو منع الحضارة من تدمير نفسها }
و قد نجح الروائي في طرح مشكلات اجتماعية خطيرة و الغاية منها ليس كشفها للعامة و حسب و إنما كي يتم احتوائها و التعامل معها بحذر من أجل اجتثاثها من مجتمعاتنا الشرقية ، حيث أن المثلية هي ممارسة دخيلة على هذه المجتمعات .
العنوان من العتبات النصية أيضا و قد وفق الروائي كثيرا في اختياره لهذا العنوان ، بحيث يخبرنا أن من يختار طريق المثلية الجنسية فكأنه يرتدي رداء ابليس
ويسقط في براثنه .
فالرداء هو ما يرتديه الإنسان ذكرا كان ام أنثى و ابليس هو عدو البشرية و الذي اقسم بعزة الله على غواية بني آدم و ازاحتهم عن الطريق القويم ، كما جاء في الآية { 82 } من سورة ص { قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين } ثم يتم الاستثاء ، اي ان هناك عباد ليس لأبليس عليهم سلطان كما في الآية { 83 } من نفس السورة { إلا عبادك منهم المخلصين } .
و الشرط هنا أن يكون الإنسان مخلصا كي يفلت من شراك ابليس و دسائسه .
بعد التحول الكبير الذي طرأ على النقد العربي حيث أبدت اهتماما كبيرا بالعنونة حتى أصبحت العنونة من العتبات النصية .
يظهر في غلاف الرواية فلم مكون من ثلاثة وجوه لفتيات بحالات تعبيرية مختلفة.
و يمثل الغلاف وجه إمرأة بشكل نصفي و بحالات مختلفة و الغلاف هو أيضا من العتبات النصية.
ان استخدام الرمزية في رسم الوجه و بثلاثة حالات فيه جانب فكري و فلسفي و فيه دلالات و معاني مرتبطة باللوحة ككل .
الرواية ايروتيكية بإمتياز و الرواية الايروتيكية هي نوع من انواع الروايات التي تسمي الأعضاء الجنسية للرجل و المرأة بأسمائها دون حياء كذلك يتم الوصف الدقيق للممارسات الجنسية بكل حرية .
و يجب على الكاتب الذي يتعامل من الأدب الايروتيكي ان يكون خطابه توعويا موجها .
و الأدب الايروتيكي هو محاولة من الغرب لضرب المنظومة الأخلاقية للمجتمعات المحافظة .
ينبهنا الكاتب من خلال هذه الرواية الى ضرورة متابعة المراهقين و عدم تركهم لوحدهم في غرفهم و ان يكونوا تحت أعين الأباء على طول الوقت.
الرواية أيضا من أدب الديستوبيا أو عالم الواقع المرير و المجتمعات غير الفاضلة ، وهي مجتمعات تسودها الفوضى و يحكمها الشر و من أبرز ملامح هذه المجتمعات هي الفقر و الجهل و القتل و غياب سلطة العائلة .
ان الانسان قد خلق على الفطرة السليمة لذلك نراه يشعر بالندم حينما يتبع خطوات الشيطان حيث يقول الكاتب و على لسان آلاء و هي احدى بطلات هذه الرواية{ كم انت جميل ايها المطر ، احبك لأنك تغسل كل شيء في الحياة إلا الرذيلة التي مازلنا نمارسها و ابتلينا بها ، تبا لك يا رنده لأنك من سبب دخولي بهذا النفق المظلم و لا نعرف كيف نخرج منه } .
لكن آلاء لم تستطع رغم شعورها بالندم من إنقاذ نفسها قبل فوات الأوان حيث يقول الكاتب في نهاية الرواية{ و أما آلاء فبعد إلقاء القبض على رفيقاتها في الجمعية هربت خارج العراق و بمساعدة معتصم الذي هرب هو أيضا إلى جهة مجهولة } .
الشخصية المحورية في هذه الرواية هي رنده التي استطاعت أن تبث سمومها في داخل المجتمع و ان تجلب الفتيات إلى طريق الرذيلة ، لكنها دفعت ثمن انحرافها حيث أصيبت بالجنون رغم أنها قد تخرجت من جامعة مرموقة ، حيث يقول الكاتب { أدخلت رنده إلى مستشفى الأمراض النفسية و العقلية و لم تخرج منها لسنوات طويلة } و في هذه الخاتمة لحياتها نجد أن من ترتدي رداء ابليس فإن مصيرها الحتمي هو الضياع .
نجد في هذه الرواية بأن هناك أمل على الخروج من النفق المظلم ، و ان الانسان بإمكانه ان يحدد مصيره حتى و ان تورط في ممارسات لا أخلاقية ، وهذا ما حصل لرهام ، حيث يقول الكاتب { و لا ننسى رهام تلك الانسانة التي صارعت الرغبات و الشهوات و الرذيلة و بعد الابتعاد عن صديقاتها تزوجت احمد و أنجبت منه توأمين و عاشت حياتها سعيدة } ص 246 .
وهنا يبعث الروائي برسالة خطيرة مفادها بأن رفاق السوء وراء كل الانحرافات التي تحصل للانسان .
اختتمت هذه الرواية بعبارة { الرواية غير حقيقية و لكنها تحاكي الواقع } و هنا تكمن مهمة الروائي و اسلوبه الذي يتميز به ، حيث أن معظم الأعمال الأدبية هي عبارة عن مزيج بين الواقع و الخيال .
لقد نجح الكاتب في تسليط الضوء على المؤامرات التي تستهدف النسيج الاجتماعي للبلد من خلال الجمعيات ، و كيف ان هذه الجمعيات تتخذ من عناوين براقة مثل حقوق المرأة و حريتها و المساواة من أجل تنفيذ اجندات لا علاقة لها بتلك العناوين .
الرسالة المهمة و التي تبشر بخير هي وجود سلطة الدولة التي تراقب كل شيء و بالفعل فقد تم إلقاء القبض على هذه الجمعية بمساعدة الملازم اول بلقيس و التي تم زراعتها داخل هذه الجمعية حيث يقول الكاتب { اما الملازم اول بلقيس فقد تمت ترقيتها إلى رتبة نقيب لجهودها المتميزة بإلقاء القبض على اشجان و رفيقاتها } .
جرس الانذار الذي أطلقه الكاتب و بقوة في هذه الرواية موجه لكل العوائل التي عليها مراقبة كل شاردة و واردة في حياة أبنائهم و توجيههم بالطريقة الصحيحة من أجل الوصول بهم إلى بر الأمان .
بقي ان أشير إلى أن هذه الرواية هي من إصدارات مؤسسة أبجد للترجمة والنشر والتوزيع و تتكون من 246 و من القطع المتوسط .