مخاوف أميركية من تبعات الحرب بين حماس وإسرائيل على جهود تطبيع العلاقات الإسرائيلية – السعودية
مناورة ربط التطبيع بالتقدم في حل القضية الفلسطينية .تحوّلت إلى عبء على الرياض
أصبح مسار تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية رهن تطورات الصراع الذي فتحته حركة حماس الفلسطينية مع إسرائيل، فالمملكة التي ربطت بين مضيّها في عملية التطبيع والتقدّم في حل القضية الفلسطينية على سبيل المناورة الهادفة إلى استمالة الرأي العام باتت مقيّدة بذلك الربط، ولم يعد بإمكانها التراجع عنه بشكل يجعلها عرضة لمزايدة المحور الإيراني الذي يقدّم نفسه كنصير للفلسطينيين وقضيّتهم.
واشنطن – عدن اوبزيرفر:عبرت الولايات المتحدة عن شكوكها في أن تكون عرقلة التطبيع المحتمل للعلاقات بين إسرائيل والسعودية من دوافع الهجوم الذي شنته حركة حماس الفلسطينية على إسرائيل.
وقال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن الأحد في مقابلة مع شبكة “سي.إن.إن” إنّه “ليس مفاجئا أن يكون جزءا من دوافع الهجوم تعطيل الجهود المبذولة للتقريب بين السعودية وإسرائيل إلى جانب دول أخرى قد تكون مهتمة بتطبيع العلاقات مع إسرائيل”.
من جانبه قال نائب مستشار الأمن القومي الأميركي جون فاينر لشبكة “فوكس نيوز”، “نعتقد بأنه سيكون من مصلحة البلدين المضي قدما في احتمال التطبيع”.
ويعكس هذا الخطاب الأميركي مخاوف إدارة جو بايدن من أن ترى جهودها للتقريب بين الرياض وتل أبيب تتبخّر بعد أن كانت تتوقّع أن تصل بتلك الجهود إلى هدفها المنشود لتحقّق إنجازا يضاهي إنجاز حكومة دونالد ترامب.
وتستند تلك المخاوف الأميركية إلى أسباب واقعية إذ يتوقع مراقبون أنّه بات من الصعب على السعودية أن تطبّع علاقاتها مع إسرائيل في مثل هذه الأجواء المشحونة والرأي العام المحلي والعربي والإسلامي المستنفر ضد التطبيع بفعل الصدام الدموي بين حماس وإسرائيل.
وأعاد الهجوم المباغت الذي شنّته حركة حماس ضد إسرائيل انطلاقا من قطاع غزة تركيز الأنظار على القضية الفلسطينية، ووّجه ضربة للزخم الذي اكتسبه في الأشهر الماضية المسعى الأميركي لإبرام اتفاق تطبيع بين إسرائيل والسعودية.
ووضع الصدام الدموي الذي بدأته الحركة المدعومة من قبل إيران والمسيطرة على قطاع غزّة عبئا إضافيا على السعودية التي أظهرت في الآونة الأخيرة إشارات كثيرة على استعدادها للمضي في التطبيع، وشرعت في تعويد مواطنيها على حضور الإسرائيليين، مسؤولين وغيرهم، لمناسبات سياسية وثقافية وترفيهية تقام على أراضيها.
وبدا واضحا أنّ السعودية بما لها من مكانة سياسية ودينية في العالمين العربي والإسلامي غير قادرة على إهمال ردّة فعل الرأي العام، وخصوصا الداخلي الذي لم يتخلّص بالكامل من سمته المحافظة رغم جهود الانفتاح التي بدأت في السنوات الأخيرة.
وعلى هذه الخلفية ناورت المملكة باستخدام القضية الفلسطينية، بأن ربطت التقدم في عملية التطبيع بتقدّم مواز لحلّ القضية.
ولئن بدا الأمر شكليا لأغلب الملاحظين الذين اعتبروا أن قرار التطبيع اتّخذ بالفعل في ضوء تحقيق جملة من الأهداف والمصالح السعودية بمعزل عن أيّ عوامل جانبية، إلاّ أنّ المناورة تحوّلت في ظل التطوّر غير المتوقّع في الصراع بين حماس وإسرائيل إلى ورطة ليس من السهل تجاوزها.
وتوقّع مراقبون أنّ الأحداث الأخيرة في إسرائيل وغزّة من شأنها أن تجمّد مسار التطبيع السعودي – الإسرائيلي إلى أمد غير منظور، إذ أن الرياض لا يمكنها التمادي في ربط علاقات طبيعية مع تل أبيب في ظل حالة التوتّر القائمة وما أوجدته من أجواء مشحونة بالكراهية والعداء.
كما لا يمكن للمملكة أن تهمل مزايدة إيران ومحورها في المنطقة بورقة الانحياز للفلسطينيين والانتصار لقضيتهم.
ويلفت هؤلاء إلى أنّ المشكلة لن تكون لدى الجانب السعودي وحده، بل إنّ إسرائيل بحدّ ذاتها لن تخلو من أصوات متشدّدة ترفض التطبيع مع السعودية وتطالب بعدم الاستجابة لأي من مطالبها.
واندلعت السبت حرب جديدة بين إسرائيل وحماس. وقامت الحركة بإطلاق صواريخ وتنفيذ عمليات توغل وأسْر في أراضي إسرائيل. وردّت الأخيرة بشنّ غارات على القطاع المكتظ بالسكان، والذي تحاصره منذ أعوام.
وتلقى اتفاقات التطبيع معارضة شديدة من الفصائل الفلسطينية مثل حماس، إضافة إلى ما يعرف بـ”محور المقاومة” الذي يضم إيران وحلفاءها في المنطقة. وتنظر طهران، العدو الإقليمي اللدود لإسرائيل، إلى اتفاقات التطبيع على أنها “طعنة في ظهر” الفلسطينيين.
الأوضاع مشتعلة
وأعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو السبت أن إسرائيل باتت في حالة حرب بعد هجوم حماس، في تبدّل جذري عن الخطاب الذي ألقاه الشهر الماضي أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، ورأى فيه أن اتفاقات التطبيع مع ثلاث دول عربية في العام 2020 أطلقت “عهدا جديدا من السلام”.
كما أكد في حينه إمكانية إبرام اتفاق سلام تاريخي مع السعودية، سيكون ذا أهمية كبرى لإسرائيل نظرا إلى ثقل المملكة السياسي والاقتصادي ورمزيتها في العالمين العربي والإسلامي.
ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن في اتجاه الاتفاق لما سيشكله من مكسب دبلوماسي يعزز حملته للانتخابات الرئاسية في 2024، رغم أن بعض حلفائه الديمقراطيين الذين غالبا ما ينتقدون السجل الحقوقي للمملكة، ممتعضون من الضمانات الأمنية التي قد توفرها واشنطن للرياض لقاء التطبيع.
وقال نائب رئيس السياسات في معهد الشرق الأوسط في واشنطن براين كاتوليس إن “اتفاقا كهذا كان دائما قمة يصعب تسلّقها، والآن ازداد ذلك صعوبة”.
ورأى أن أعمال العنف الأخيرة تعيد تسليط الضوء على النزاع بين الفلسطينيين وإسرائيل “وتجعل من الصعوبة بمكان إخفاء هذه المسائل المعقّدة”.
وأكد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان في سبتمبر الماضي الاقتراب أكثر فأكثر من التطبيع مع إسرائيل، لكنه كرّر موقف بلاده بضرورة أن يشمل أي اتفاق معالجة قضايا الفلسطينيين.
وقال “نأمل أن تؤدّي مباحثات الاتفاق إلى نتيجة تجعل الحياة أسهل للفلسطينيين وتسمح لإسرائيل بأن تلعب دورا في الشرق الأوسط”.
وبعد التصعيد الذي بدأ السبت، ذكّرت وزارة الخارجية السعودية بـ”تحذيراتها المتكررة من مخاطر انفجار الأوضاع نتيجة استمرار الاحتلال وحرمان الشعب الفلسطيني من حقوقه المشروعة وتكرار الاستفزازات الممنهجة ضد مقدساته”.
ورأى الباحث السعودي عزيز الغشيان أن موقف الرياض يهدف إلى دحض الشكوك بأن المملكة ستولي التطبيع أولوية على حساب دعم حقوق الفلسطينيين.
وأوضح “هذا الوضع دفع السعودية للعودة إلى دورها التقليدي”، مضيفا “وضع نتنياهو عقبة أخرى أمام المباحثات لأنه قال إن هذه حرب الآن. لا أتوقع أن يحصل التطبيع على خلفية حرب”.
من جهته رأى مسؤول أميركي أنه لا يزال من السابق لأوانه الحكم على مدى تأثير الأحداث على مباحثات التطبيع. وتواصل وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن السبت مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان.
وأكدت الخارجية السعودية أن الأمير فيصل بن فرحان شدد على “رفض استهداف المدنيين العزّل بأي شكل وضرورة احترام القانون الدولي الإنساني من جميع الأطراف”.
ورأى مدير الشرق الأوسط في مجموعة الأزمات الدولية يوست هيلترمان أن أحد دوافع حماس لشنّ عملية السبت قد يكون الخشية من “تهميش إضافي مقبل للقضية الفلسطينية في نظر الفلسطينيين” في حال طبّعت السعودية مع إسرائيل.
وأشار إلى أنه في حال مضت إسرائيل في التصعيد ردا على العملية، ستكون الدول العربية ملزمة باتخاذ مواقف أكثر تصلبا تماهيا مع الرأي العام.
وقال “إذا حصل كل ذلك، أتوقع سيناريو مشابها للسلام البارد بين إسرائيل والأردن وإسرائيل ومصر.. وربما، على أقل تقدير، إرجاء لأي صفقة بين إسرائيل والسعودية”.
ولفت الباحث في مجلس العلاقات الخارجية ستيفن كوك إلى أن استطلاعات للرأي في المملكة تؤشر إلى أن اثنين في المئة من السعوديين يؤيدون التطبيع.
وكان نتنياهو الذي يقود أكثر الحكومات يمينية في تاريخ إسرائيل، قد طوى صفحة السلام مع الفلسطينيين، وقدّم التطبيع مع دول الخليج على أنه المستقبل، خصوصا في ظل ما يجمعها بإسرائيل من توجس مشترك حيال إيران.
ورغم أن إيران والسعودية اتفقتا في أبريل الماضي على استئناف العلاقات الدبلوماسية بعد سبعة أعوام من القطيعة، وجّهت طهران انتقادا لاذعا للحديث عن تطبيع محتمل بين الرياض وتل أبيب، كما سبق لها أن انتقدت كل اتفاقات التطبيع السابقة.
ورأى السيناتور الجمهوري ليندسي غراهام أن هجوم حماس المدعومة بدورها من طهران يبدو مصمّما “لوقف مساعي السلام بين السعودية وإسرائيل”. وأضاف “اتفاق سلام بين هذين البلدين سيكون كابوسا بالنسبة إلى إيران وحماس”.العرب