“كوارث المغرب وليبيا” افتقاد الحوكمة لا الحاكمية
جزء منها يتحمله المسؤولون بعدم وضعهم الخطط السريعة وتجهيز المعدات للوصول إلى المنكوبين
رفيق خوري
قوة الطبيعة هائلة ومخيفة وعمياء، لكن الإنسان ليس ضعيفاً. هو عمل بنجاح على تطويع الطبيعة وهندستها في خدمة الحياة والتطور الإنساني، وهي تتمرد وتثور أحياناً وترد عليه بقسوة لا حدود لها. وإذا كانت صدمة الكارثة مثل زلزال المغرب وإعصار ليبيا تجعل الإنسان يشعر في اللحظات الأولى بالعجز المطلق مثل ريشة في مهب الريح، فإن الخروج من الصدمة لا يتأخر في دفعه إلى المسارعة في العمل للإنقاذ.
ومن الخطأ الاكتفاء بتوصيف ما تفعله الطبيعة بأنه كارثة طبيعية، فكل كارثة من صنع الطبيعة تتحمل جزءاً من المسؤولية عنها يدان، يد لم تنفذ المطلوب لصيانة السدود وسواها، ويد لم تستعد لمواجهة الكارثة بالخطط السريعة والمعدات اللازمة والمستشفيات والطرق الضرورية للوصول إلى المنكوبين في مناطق جبلية بعيدة وشبه مهملة مثل منطقة الحوز في المغرب.
ذلك “أن الكوارث ليست كوارث بمجرد وقوعها بل بعد التأثيرات التي تنشأ عنها، وكيفية التعامل معها عندما تضرب المجتمعات وتزعزع نظمها واستقرارها”، كما يقول المؤرخ نيال فيرغوسون.
ولعل ما تتوجه إليه الأنظار بعد التعبير عن الحزن وتقديم التعازي هو “سياسات إدارة الكوارث”. هنا يرى فيرغوسون أنه “نادراً ما تحصل على الكارثة التي نتوقعها”، لكن الواقع أن الامتحان في إدارة الكوارث يتعلق بالمتوقع منها دورياً كما في ثورات البراكين وأعاصير المحيطات، والكوارث غير المتوقعة مثل الزلازل.
كارثة سدي درنة في ليبيا كانت مكتوبة على الجدار منذ التقرير الذي كشف التشقق في سد أبو منصور وسد البلاد في درنة عام 1998. سدان بنتهما شركة يوغوسلافية، وكان المطلوب منها بناء سد ثالث. والمفارقة أن الهدف من بناء السدود كان “حماية درنة من الأعاصير والفيضانات”.
أما الصيانة، فإنها بقيت مهملة حتى عندما جرى تكليف شركة تركية صيانة السدين عام 2007، فإن العمل لم يبدأ إلا عام 2010 بسبب نقص التمويل، ثم جاءت الثورة على القذافي عام 2011 وتوقف كل شيء.
مفهوم نوع الوضع في ليبيا، حكومتان ومجلسان رئاسيان وبرلمان انتهت مدته من زمان وجيشان ومجموعة ميليشيات جهوية وأيديولوجية، لكن غير المفهوم في بلد نفطي غني أن يبدو فقيراً بالخبرة والمعدات والمستشفيات حين تقع كارثة.
وغير المفهوم أيضاً في بلد راسخ في التاريخ تحكمه أسرة ملكية منذ 1666 مثل المغرب، أن تبقى مناطقه الجبلية مهملة بلا طرق ولا مستشفيات وتحتاج إلى ساعات للوصول إليها، حيث كل دقيقة بعد الزلازل مهمة، لكن المشكلة في كل البلدان العربية هي التصرف كأن الدولة هي السلطة والصراع عليها.
فالسياسة التي هي في العلوم السياسية منذ أفلاطون وأرسطو “فن إدارة شؤون الناس” هي عملياً فن إدارة شؤون الحكام. والإدارة التي يجب أن تكون للخدمة العامة وأن يتم تجهيزها بكل ما تحتاج إليه الناس قبل الكوارث وبعدها، تبدو في بعض البلدان مجرد تراكم موظفين.
حتى في الصين، حيث يقبض الحزب الشيوعي على السلطة والدولة، فإن سياسة الإنكار قادت إلى تنامي كورونا وانتشارها في الداخل والخارج. وتروي فانغ فانغ في كتاب “يوميات ووهان” أن السلطات قالت لشعب ووهان في بداية الحجر الصحي، “الفيروس ليس ناقلاً للعدوى بين البشر، ومن الممكن السيطرة عليه بسهولة، فلا تقلقوا”.
لكن الظاهرة اللافتة والمضيئة في ليل الكوارث، بصرف النظر عن التقصير السلطوي، في المغرب وليبيا وقبلهما في تركيا وسوريا، هي التضامن الإنساني بين المواطنين والمسارعة إلى التضحية بكل شيء للمساهمة في الإنقاذ، والكرم الشعبي حتى لدى المنكوبين والفقراء.
تكرار الكوارث معلم، يقول المثل الأميركي لكن تعلم الدروس في الكوارث ومنها يحتاج إلى مدرسة الحوكمة، لا الحاكمية، في الدولة.