كلّنا درنة
يمينة حمدي
إنه لأمر مخز ألا تتضامن جميع دول العالم مع درنة
من هجمات باريس الإرهابية وأحداث صحيفة شارلي إبدو إلى الاحتجاجات في أميركا ضد مقتل جورج فلويد… رفعت شعارات كثيرة تضامنية اتحدت فيها شعوب عربية وغربية، قالت بعبارات موحدة “كلنا كذا…”، و”كلنا مع…” وكلنا ضد كذا…”، وانتكست أعلام دول عديدة، تضامنا مع ضحايا تلك الأحداث والكوارث الدامية التي شهدتها دول العالم.
انبهرت شخصيا بتلك الشعارات، وسعيت لأكون جزءا من هذه الموجة، شعرت حينها كما لو أن ذلك أمر ملزم بموجب “قانون” الإنسانية والمسؤولية الأخلاقية التي تلزمنا بأن نكون نحن أنتم.
نحن في نهاية الأمر بشر، ومن المفترض أن تحرّك الأوقات العصيبة سواكننا ومشاعرنا الإنسانية، وتجعلنا لا نقبل لأبناء جنسنا ما لا نرضاه لأنفسنا، مهما فصلتنا الحدود واختلفنا في اللون والدين والعرق والمذهب.
بطبيعة الحال، قد تسبق مبادرات فعل الخير الفردية العفوية، ردود رؤساء الدول والحكومات، وتتجاوز مظاهر الإيثار والكرم حدود المجتمع الواحد وأهله ويتوسع نطاق شعور الناس بالتعاطف مع من يواجهون الأزمات والكوارث، ليشمل كرمهم وإيثارهم المادي والمعنوي أشخاصا لا يدورون في فلكهم بشكل مباشر، باعتبار أن جميع البشر قد جبلوا على فعل الخير، رغم ما يسود بينهم من خلافات وصراعات.
لكنني أستغرب ألا توجد مبادرات تضامنية اجتماعية ودولية أكبر، في ظل ما تواجهه درنة الليبية من كارثة مدمرة غيرت معالم المدينة، وفي ضوء العدد المهول للأرواح التي زهقت وطمرت بفعل عاصفة دانيال، وما سيترتب عليها من آثار طويلة الأمد، وتبعات وصدمات نفسية قد يصعب توثيقها، رغم أنها لا تقل أهمية بأي حال عن الأضرار المباشرة.
غاب شعار “كلنا درنة” رغم أهميته في أوقات درنة العصيبة، وطمست فحواه ومعناه موجة النزعات الشعبوية والقومية، التي قسمت الدول إلى معسكرين متخاصمين، وأُججت الكراهية والنزعة الطائفية التفريقية بين الشعوب، تحت ثقل الاستقطابات الأيديولوجية ووطأة سياسة “فرّق تسد” السياسية.
إنه لأمر مخز ألا تتضامن جميع دول العالم مع درنة، وتقدم لها الدعم والمساعدات الغذائية والمالية، والأسوأ أن يتحذلق زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر بتغريدة على منصة إكس يقول فيها إن “ذنب ليبيا غير مغفور في عدم الكشف عن مصير المُغيب موسى الصدر”، وكأنه في ذلك يشمت في الليبيين، بدل أن يتعاطف معهم. بينما بقيت قلوب الليبيين متعاطفة مع العراقيين على مدار عقود المحن التي مرت على بلاد الرافدين.
أمام وجع سكان درنة العالقين تحت الأنقاض والقتلى والجوعى والمشردين: أتساءل هل فيضانات درنة مسألة قومية وسياسية انعزالية أم كارثة طبيعية وتحتاج إلى التضامن الاجتماعي والتعاون الدولي؟
لا أحد بالطبع بإمكانه العودة بالزمن إلى الوراء أو وقف ما جرى في درنة، لكننا نستطيع جميعا أن نكون يدا واحدة، لاسيما أمام الكوارث الكبرى التي قد تغير وجه الحضارة الإنسانية وتهدد جميع البشر في كل زمان ومكان.
صدق الكاتب اللبناني جبران خليل جبران حينما قال “أنت أعمى، وأنا أصم أبكم، إذن ضع يدك بيدي فيدرك أحدنا الآخر”.
يمينة حمدي
صحافية تونسية مقيمة في لندن