كتاب عدن

مهلاً أيها اللائمون!!



فتحي منجد

لم يأتِ إختيار الدكتور معين عبدالملك رئيساً لمجلس الوزراء في أكتوبر 2018م من فراغ.. فقد أثبتت الأيام أنه ليس رجل دولة فحسب بل رجل دولة ومرحلة معاً.. وأكبر دليل على ذلك تمكنه من الحفاظ على وحدة الحكومة وتماسكها رغم الظروف العصيبة التي واجهت فترة رئاسته للحكومة ومازالت تواجهها حتى اليوم.

لقد استطاع دولة رئيس الوزراء الدكتور معين عبدالملك بذكاءه وحنكته الإبحار بالمركب الذي كان على وشك الغرق إلى بر الأمان.

ألم يدرك هؤلاء أنه رئيس الوزراء الوحيد الذي صدر قرار تعيينه وهو متواجد داخل اليمن ويمارس مهامه كوزيراً للأشغال العامة والطرق رغم كل التحديات.

ولعل من الأمور التي لايعرفها الكثير أنه عندما كان نائباً لوزير الأشغال عرضت عليه عدة حقائب وزارية منها (وزارة حقوق الإنسان) لكنه رفض من منطلق إداركه بأهمية هذا الملف لاسيما في وقت الحرب مع أنها وزارة تسابق عليها الكثير، فضلاً على الترقية من نائب إلى وزير حينها.

ألم يدرك اللائمون أنه الوزير الوحيد الذي لم يكن له فلة في الرياض، ولم يكن له سكن في معاشيق، بل كان مستأجراً لشقة داخل مدينة عدن.. وربما لو تم مشاورته في تقلد منصب رئيس الحكومة لعزف عنه، لكنه تفاجأ بالقرار، ولو كان مستعداً للتعيين لعمل احتياطاته على الأقل يتواجد في مقر الحكومة، لكن ماحصل أن الموكب الرئاسي تحرك سريعاً لينقله الى قصر المعاشيق ليلة التعيين.

إن هؤلاء الناشطين المعينين بقرارات جمهورية في مناصب عليا لم يدركوا حتى اللحظة حجم الكارثة التي تحيط باليمن، والظروف التي تعيشها البلد كونهم قابعون خارج اليمن وفي عواصم الدول، وكأني بأحدهم يكتب بياناً على حسابه الافتراضي يطالب بإقالة الحكومة ومحاسبتها وهو متكئاً على أريكته في كورنيش عاصمة ما يحتسي القهوة ويحرق التمباك فيحرق بجانبه الوطن.

يمضغ المدقوق ويدق آخر المسامير في نعش الحكومة، ومن ثم تتعاطها وسائل الأعلام والمدفوعين من بعض الجهات والأحزاب وكأنها منجزاً عظيماً، ومطلباً جسيماً، على الرغم إن بعض هؤلاء لم يمكث داخل اليمن منذ 2015م يوماً أو بعض يوم.

لقد واجهت حكومة “معين” مواقف كبيرة، وتحديات جسيمة الموقف الواحد كفيلٌ باجتثاثها لو لا حنكة رئيسها وتماسك اعضاءها.

ألم يسمع هؤلاء أن الحكومة واجهت حروباً شعواء.. الأولى في يناير 2018م، خلال فترة (الدكتور بن دغر).. والثانية في أغسطس 2019م كادتا أن تقضي عليها تماماً.. ولكنها بعثت من جديد وعادت إلى الداخل لتمارس مهام عملها رغم كل المعوقات والعراقيل.

كما واجهت استهدافاً مباشراً بصواريخ الحوثيين في مطار عدن في (ديسمبر2020)، وظهر رئيسها مؤكداً على بقاء الحكومة في العاصمة المؤقتة عدن لممارسة كل مهامها وأعمالها وأن هذا العمل الاجرامي لن يزيدها إلا إصراراً على القيام بواجباتها حتى إنهاء الانقلاب واستعادة الدولة.

أتعلمون ما معنى أن يغامر رئيس حكومة بنفسه في ظروف خطيرة للغاية بالعودة إلى العاصمة أو زيارة بعض المحافظات الملتهبة وما ذلك إلا لأدراكه بأن سقوط الحكومة معناه سقوط الوطن في وحل الصراعات والحروب وإلى الأبد.

الأ يكفي الحكومة أن تواجه اعداءها من الحوثيين وحلفاءهم حتى يتحول أنصارها إلى خصوم من الداخل فيطعنونها بخاصرتها
إن حالهم يشبه حال بروتوس صديق يوليوس قيصر (امبراطور روما) عندما كان يتلقى الطعنات وينظر إلى صديقه المقرب بروتوس لينقذه واذا به يتلقى منه الطعنة التي أردته قتيلاً، ويقول معها عبارته الشهيرة:”حتى أنت يا بروتس.. إذن فليمت قيصر”.

أو كما قال جبران “عندما أصابت الرصاصة قلبي لم أمت.. لكني مت لما رأيت مطلقها”.. أنا لا ألوم المواطن البسيط الذي يكتوي بالنار ويبحث عن أبسط حقوقه من الخدمات، وأنما أقصد بعض القيادات والأحزاب الذين يدركون أن الحكومة هي الكيان المتماسك الوحيد في ظل أحزاب متناقضة وكيانات مفتتة ومجلس قيادة غير منسجم مع ذاته، الّا يُحسب لرئيس الحكومة نجاحاً قدرته على تماسك 25 وزيراً من مختلف المكونات في الوقت الذي لم يتماسك سبعة مع ثامنهم تجاة قضية واحدة(قللوا اللوم لا أباً لأبيكم من اللوم.. أو سدوا المكان الذي سدوا).

هل ذنب رئيس الحكومة أنه لاينتمي لحزب يدعمه في معركته الوجودية في الدفاع عن الحكومة.. ولو كان كذلك لمجدوه واضفوا عليه الألقاب الرنانه ولو كان أكبر فاسداً على ظهر الكوكب.. وهل ذنبه أن لم يجيش الاعلاميين ويشتري الذمم ليزينوه في أعين الناس ومواقع التواصل الإجتماعي.

ثم ما معنى أن يهاجم تاجراً الحكومة لأنها اتخذت اجراءات تحد من نفوذه وتسلطه.. ألا يكفي رئيس الحكومة أن خصومه تجاراً وهوامير غارقين في الفساد إلى أخمص قدميهم.. كما يكفيه أيضاً أنهم أضعف حجةً منه عند المواجهه.

وفي الجانب الإداري ألا يجوز قانوناً في الظروف الاستثنائية أن تختصر بعض الإجراءات الروتينية وللضرورة أحكام، فهل تنتظر الحكومة -مثلاً- في حل مشكلة الكهرباء حتى يجتمع النواب المشتتين في عواصم الدول فيناقشوا ويصدروا القوانين وتبثها القنوات الفضائية.. إنكم تنظرون إلى الشعب مجرد أصوات في صناديق الاقتراع، أو لايكات على موقع التواصل.

هل تنقمون على الحكومة تحرير الأتصالات والنت من قبضة الحوثيين التي تدر لهم المليارات لدعم جبهات القتال، فضلاً عن استهداف كبار القادة عبرها، أو لأن أرقام هواتفكم غير يمنية لايعنيكم هذا الأمر وخطورته.

لم نسمع لكم صوتاً أو استنكاراً عند استهداف الحكومة، أو استخدام القوة ضدها.. أليس من المعيب أن يتحول مسؤولاً رفيعاً إلى ناشطاً وهو مسؤولاً مسؤولية تامة إلى جانب الحكومة فيندد ويرغي ويزبد وباستطاعته حسب اللائحة دعوة زملاءه لاتخاذ قرار يدعم الحكومة أو يصوب مسارها.. لكن وكما يبدوا أن لايكات الأعجاب والبحث عن الشهرة مغرية في هذه المرحلة أكثر من أي وقتٍ مضى.

لسنا ضد الرقابة والمحاسبة والشفافية والوضوح فلا أحداً فوق القانون لكن قبلها عودوا إلى الداخل ومارسوا مهامكم كرجال دولة ومرحلة وراقبوا وحاسبوا من تحت قبة البرلمان.

وما أظنكم تجهلون أننا دولة بلا إمكانيات وبلا موارد وبلا بنية تحتية وهذا شيء طبيعي أن يؤثر على التنمية الاقتصادية وتوفير الخدمات، وإن دولة بلا موارد كأسدٍ بلامخالب، وإن صمود حكومة بلا إمكانيات في حد ذاته إنجازاً ليس له حدود.. إن الحكومة ورئيسها لايملكون مصباح علا الدين أو خاتم سليمان ليعيدوا بناء الدولة التي هُدمت، أو يسقطون الانقلاب في ليلة وضحاها.

إن رئيس الحكومة رجل دولة قدر له أن يتحمل المسؤولية في هذه المرحلة الخطيرة من تاريخ اليمن.. في فهو مسؤول خاض غمار السياسة وخبر أغوارها، فكان الحريص على حمل القضية، وأعرف بالمصلحة العليا منكم.

فإن لم تقفوا معه فلا تقفوا ضده.. وان لم تنتصروه فلا تخذلوه وهو الواقف على الثعابين وليس -فقط- على رؤوسها، وقد يكون رئيس الحكومة الوحيد الذي لاتقوده الأحزاب، ولا تتحكم بتصرفاته المناطقيه، ولا تستهويه تعيينات أولو الأرحام.

هل تريدون منه أن يحافظ وحيداً على الوطن الذي مزقتم، والنظام الذي دمرتم، والجمهورية التي دفنتموها.. لقد حاول جاهداً أن ينأى بحكومته عن الصراع لتتفرغ للخدمات والتنمية وإلا فهو رجل سياسة بامتياز وهذه تصريحاته، ومواقفه واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار.. فمهلاً أيها اللائمون.

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد ايضا
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى