قطع الرواتب واجب
بقلم: جهاد محسن
على الرغم من العوائد الإيجابية والفوائد المرجوة من قرار دفع رواتب الموظفين الحكوميين عبر البنوك الرسمية أو الخاصة، كنظام معمول بهِ في دول العالم، إلا أن إجراء كهذا لا يصلح حاليًا في بلد غير مستتب ومنقسم على ذاته كاليمن، نظرًا للظروف الاقتصادية المضطربة التي تعتريه، ومعدلات الفقر والمجاعة المضطردة التي بلغت إلى نحو خطير.
قرار وزارة المالية في الحكومة الشرعية لم يكن مدروسًا ومناسبًا في الوقت الحالي، بتحويل رواتب الموظفين الحكوميين للبنوك، لأن هذا القرار تم اتخاذه بشكل إرتجالي عشوائي دون سابق إنذار، ودون إعداد خطة علمية مدروسة ترسخ أساس عميق لإنجاح مثل هذه الخطوات الكبيرة في المراحل القادمة، لاسيما في ظل تناقضات الواقع ووجود نظاميين مصرفيين في عدن وصنعاء، وعملة واحدة بقيمة مختلفة.
كان ينبغي التفكير المتريث في تطبيق مثل هكذا قرارات هامة تتعلق بحقوق المواطنين والموظفين على مراحل تمهيدية وفي إطار وجود رؤية اقتصادية تقدم قراءات علمية في تطبيق مثل هذه القرارات، وليس عبر تعميمها في لحظة تفكير عابرة، وفرضها كأمر واقع على الموظف الذي لا يملك غير راتبه الزهيد، وبالتنسيق مع بنوك خاصة لاشك ستكون هي الرابح الأول من الأموال التي ستتدفق عليها، بما في ذلك محلات الصرافة والتحويلات المالية التي زاد عددها بالمئات في المحافظات المحررة والتي باتت تنافس عدد (البقالات)، وجرى السماح لها بمزاولة نشاطها دون ضوابط ولا أسس واضحة، وجميعنا يعلم سبب تأسيسها لمزاولة أنشطة غير مشروعة من (غسيل الأموال) المرتبطة بمراكز نفوذ سياسي وعسكري ممن اكتسبوا الثراء الفاحش في زمن الحرب والفوضى، وغياب الدولة المركزية.
ندرك جيدًا أن الحكومة ماضية إلى تطبيق هذا القرار ترجمة لاشتراطات الوديعة السعودية بضرورة تحويل رواتب الموظفين للبنوك، وهو قرار لا فرار منه حتى لا تضيع هذه الوديعة، لكن كان الأولى تطبيق القرار على خطوات، وليست الهرولة في تنفيذها دفعة واحدة ودون مراعاة لأوضاع الناس المعيشية، وعبر وسائل تهديد مفادها اللجوء إلى البنوك والمصارف، أو توقيف الرواتب !!.
لا أدري لماذا تصر الحكومة على صناعة المزيد من الأزمات، وتنمية الكثير من الكوارث، فإصلاح حالة البلاد يبدأ من إصلاح رأس الهرم وإنهاء صراعات المكونات السياسية التي سمحت بتعميق الوجع الوطني، واستشراء ما وصلنا إليه من فساد وبلاء، خصوصًا وهناك الكثير من الأخطاء والخورقات الفادحة التي أرتكبتها الحكومة في واقع أللا دولة، والتخبط في اتخاذ القرارات في الكثير من القضايا الوطنية المصيرية، وتبرير الصفقات المشبوهة في سياق تنظيري غير قانوني.
اليوم نشهد مرحلة جديدة من صناعة الأزمات التي تقودها الحكومة، خصوصا بعد حالة الرفض والاستهجان العام للموظفين الحكوميين الذين يرفضون قرار وزارة المالية، وينادون بالتصعيد إلى الاضطراب العام عن العمل، معتبرين قرار الحكومة بالقرار الذي لا يرقى إلى معطيات الواقع المنهار، والبلد المنهوب من مليشيات الحوثي، حيث لا يتوفر لدينا نظام مصرفي متطور، ولا بنوك ترقى إلى مصاف البنوك العربية ذات المعايير المطلوبة، علاوة على قاعدة بيانات العملاء التي مازالت مرتبطة بنظام البنك المركزي في صنعاء، والذي مازالت تورد لهُ الإيرادت والضرائب من مؤسسات ومكاتب تنفيذية من المحافظات الجنوبية المحررة.
إن الأمر يتطلب الأن مراجعة شاملة وعادلة من قبل وزارة المالية والجهات الاقتصادية في الحكومة الراهنة، بإعادة الدراسة في هذا القرار، والإعداد لجدولة زمنية تسمح فيها بتنفيذه على مراحل، مع الاعتماد على تفعيل نظام البصمة للحيلولة دون الازداوجية الوظيفية، والأسماء الوهمية، حتى يتم الإنتهاء من إعداد نظام مصرفي قوي، وبنوك تملك من الفروع ما يمكنها استيعاب مئات الآلاف من العملاء المستجدين.