اقتصاد
عجز مالي قياسي يضع اقتصاد اليمن في مأزق أخطر
عدن – عدن اوبزيرفر:ألقت البيانات المتشائمة بشأن موازنة 2023 المزيد من الضوء حول حجم الأزمة المالية والاقتصادية الخانقة التي تعاني منها الحكومة اليمنية بفعل استمرار الحرب، وسط تأكيد الخبراء على أن الوضع الضاغط سيجعل من الصعب التوصل إلى حل جذري للأزمة.
وتحوّل البلد بعد تسع سنوات من الحرب الطاحنة بين قوات الحكومة الشرعية وجماعة الحوثي المسيطرة على العاصمة صنعاء وبعض المحافظات المهمة في الشمال إلى نموذج للدولة المنهارة مع الاعتماد بشكل مفرط على المساعدات الخارجية.
وفي أرقام لم تكن صادمة لبعض المتابعين كشف معين عبدالملك رئيس الحكومة المعترف بها دوليا الاثنين الماضي أن عجز الموازنة العامة للدولة يتراوح حاليا بين 40 و50 في المئة، في قفزة كبيرة من 20 في المئة السنة الماضية.
وتواجه الحكومة تحديات مالية واقتصادية خانقة في تمويل رواتب القطاع العام والبنية التحتية بسبب احتياطيات النقد الأجنبي المستنفدة، فضلا عن تراجع صادرات النفط وشلل قطاعي الأعمال والسياحة وتقهقر الزراعة رغم الدعم المالي الذي تقدمه دول خليجية.
وأشار عبدالملك، أثناء مؤتمر صحفي بمدينة عدن العاصمة المؤقتة، إلى أن إيرادات الدولة تأثرت بشدة جراء استهداف جماعة الحوثي لموانئ نفطية في جنوب وشرق البلاد أواخر العام الماضي.
ولم يذكر رئيس الحكومة أرقام العجز، لكنه قال إن “حجم الإنفاق في النصف الأول بلغ 1.1 تريليون ريال (1.6 مليار دولار)، وتقريبا الآن 1.3 تريليون ريال (1.75 مليار دولار)، والإيرادات كانت في حدود 600 مليار ريال (461 مليون دولار)”.
وأضاف “ومع ذلك تعمل الحكومة بكل جهد للحفاظ على وضع الخدمات والعملة في ظل الحرب الاقتصادية”. وتابع “هذه هي أصعب سنة نواجهها.. نواصل دفع رواتب الموظفين، وتقديم الخدمات العامة في عملية شبه مستحيلة”.
وتستعين الحكومة الشرعية بحليفتها الرئيسية السعودية في تلقي الدعم المالي بين الفينة والأخرى، وتقديم المساعدات العينية سواء كانت مالية أو عبارة عن شحنات غذاء ومشتقات نفطية.
وأوضح عبدالملك أن “منحة الأشقاء في المملكة العربية السعودية كانت طوق نجاة للحكومة. فيها اشتراطات كثيرة، لكنها مهمة لتسريع عملية الإصلاحات الاقتصادية”.
ومضى قائلا “دخلت حتى الآن من المنحة السعودية 250 مليون دولار، تشكل فارقا في ضمان تسليم الرواتب وتمويل عجز الموازنة”.
ومطلع أغسطس الماضي أعلنت السعودية دعم اليمن بنحو 1.2 مليار دولار يتم تسليمها على دفعات بطلب من الحكومة الشرعية لسد عجز الموازنة العامة للدولة.
وتتأثر المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة بالوضع المالي القاسي، في الوقت الذي يقول فيه متعاملون في سوق الصرف بعدن إن سعر الدولار وصل إلى 1450 ريالا، من 1300 ريال في بداية الشهر الماضي.
ولدى الطرفين المتحاربين في اليمن بنكان مركزيان متنافسان. ولجأت الحكومة إلى طباعة النقود لتمويل العجز، لكن في المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون، حيث يُحظر ذلك الإجراء، يبلغ السعر نحو 600 ريال للدولار.
وفقدت العملة المحلية أكثر من ثلاثة أرباع قيمتها مقابل الدولار منذ اندلاع الحرب، وتسبب ذلك في ارتفاع هائل للأسعار وسط عجز الكثير من اليمنيين عن شراء غالبية السلع الأساسية والكمالية.
ويقول محللون إن أسباب تراجع الريال كثيرة، منها شح مصادر النقد الأجنبي وتحول البلد إلى معتمد بشكل كامل على الواردات دون وجود مصادر دخل لتغطية الطلب.
وقال عبدالملك “طوال العام ومنذ الهجمات على موانئ تصدير النفط الخام الذي يشكل 60 في المئة من الإيرادات، لم يحصل أي إصدار نقدي جديد، واعتمدت الحكومة على الإصلاحات لتعزيز الإيرادات ومكافحة التهريب والتهرب الضريبي والجمركي”.
وتراجع الإنتاج إلى 60 ألف برميل يوميا بعد أن كان قبل الحرب ما بين 150 و200 ألف برميل يوميا، في حين كان يزيد على 450 ألف برميل يوميا عام 2007 وفقا للبيانات الرسمية.
وبحسب إدارة معلومات الطاقة الأميركية، تصل احتياطيات اليمن المؤكدة إلى نحو ثلاثة مليارات برميل و17 تريليون قدم مكعبة من الغاز.
ومنذ اندلاع الأزمة اعتمد اليمن على توريد المشتقات النفطية للتجار المحليين، الذين يتعاملون مع البنوك المحلية وشركات الصرافة الخاصة للحصول على الدولار اللازم للاستيراد.
وتقول الحكومة إن الاقتصاد تكبد خسائر تقدر بنحو 1.5 مليار دولار خلال 11 شهرا منذ استهداف جماعة الحوثي لموانئ تصدير النفط.
ويستورد اليمن معظم احتياجاته بعد أن أدت الحرب الناشبة منذ أواخر 2015 إلى انهيار اقتصادي جعل قرابة 80 في المئة من السكان يعتمدون على المساعدات.
ويشكو السكان من انقطاع الكهرباء المتكرر ونقص الوقود وعدم توفر الخدمات الأساسية والارتفاع الجنوني للأسعار، خاصة بعدما شهدت العملة المحلية انهيارا حادا في العامين الأخيرين.
ووفقا للبنك الدولي يحتاج نحو 21.6 مليون شخص في اليمن إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية في عام 2023، مع وجود 19 مليون مواطن إما في أزمة من الأزمات، أو في حالة طوارئ، أو في مستوى كارثي من انعدام الأمن الغذائي.
وأشار البنك في أحد تقاريره إلى أن الفقر يؤثر على قرابة 78 في المئة من اليمنيين، مع ملاحظة أن النساء يمثلن الفئة الأكثر احتياجا مقارنة ببقية الفئات.
كما ذكر أن أكثر من 40 في المئة من الأسر اليمنية، التي تجد صعوبة في شراء حتى الحد الأدنى من غذائها، ربما فقدت أيضا مصدر دخلها الرئيسي.
وكان مستوى الفقر يزداد سوءا حتى قبل الأزمة، إذ يبلغ الفقراء نحو نصف إجمالي سكان البلاد البالغ عددهم حوالي 29 مليون نسمة.
وقدرت بعثة صندوق النقد الدولي إلى اليمن برئاسة برت راينر خلال أكتوبر الماضي معدل التضخم في السوق المحلية بنحو 45 في المئة.
ومنذ نشوب الحرب الروسية – الأوكرانية تصاعدت حدة مخاوف اليمنيين من تأثيراتها القاسية فيما يتعلق بالتضخم، خاصة على الوضع المعيشي نتيجة اضطراب إمدادات الغذاء، ناهيك عن تكاليف الشحن نتيجة ما يحدث في سوق الطاقة العالمية.العرب