ادب وثقافة

وجيب القلق ………


قرصان القلق على شاطئ الحيرة ينفخ بوق الإبحار. السّفينة تآكلت سواريها من العصف والقصف والرّياح العاتية . وحده يظلّ واقفا. ربّان يمسك الدّفة المهترئة. ينفخ فيها من عزمه وقد علّق البوصلة على سارية النّجاة . الخضمّ طام، مضطرب تتسايق أمواحه في لهفة المتشوّق إلى الإمساك بلوح النّحاة لكنّ الفجاة تكسر كلّ الجهود على الصّخور النّاتئة .
الربّان لا ترهبه الأحداث. لقد اعتاد السّفرات المضنية، امتلك زمام الغوص حينا والعوم على وجه الموجة الهادرة أحيانا . لا يخشى أن بخاتله الهبوب ولا أن تضيع منه الوجهة والمصابيح على ظهر السّفينة خبا نورها كما تخبو النّجوم في اللّيالي الدّاكنة . ربّان غالبا ما يشعل مصابيحه الخفية فيدفق الضّوء من عينيه ، يكتسح سواد البحر الطّامي ويمتدّ صعودا إلى القمّة . هو متعوّد على أن يهزّ أعذاق الفأل فيسّاقط الضّوء على الصّفحة الغامرة نجوما متراقصة ، تتشكّل جدائل وحبالا تسند السّواري الموهنة التي تمتد صمودا في وجه الرّبح والعاصفة . تفرد أشرعة من طراز مخصوص لا ترهقها ريح ولا تشقّها عاصفة .
ربّان ، سوارٍ وأشرعة جميعها تتعاضد لتكون جدار صدّ في وجه القرصان المتنمّر ، في وجه الوجيب المتسلّل إلى خفايا الذّات . ذات لها من الملكات حصن حصين يحميها من القلق والتّخمين . ذات تدرك معنى الفوز متى استدعت الإصرار قرينا فشقّت بحور القلق الكئيبة وأشعلت على درب الفجر القناديل . قناديل وفجر وذات تلبس الأمل ، تقصي الخوف والوجيب وتؤمن أن الثّبات وحده طريق الأمن ،منصّة الوصول .
تونس …. 16 /7 / 2023
بقلمي ….. جميلة بلطي عطوي

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى