الجنوب يتجرع مرارة تعامله غير الاستراتيجي مع التحالف
بقلم: جمال مسعود علي
كان الجنوب قد اعلن انتفاضته ضد الاحتلال اليمني منذ مابعد حرب ١٩٩٤ وتوسعة دائرة الانتفاضة لتصل حد الاعتصام السلمي في ساحة العروض والتخييم فيها حتى اندلعت الحرب وانقلبت الفصائل العسكرية والاستخباراتية المقيمة في عدن وباقي محافظات الجنوب جيوشا ورأس حربة للمليشيات الحوثية ،
في بداية الانقلاب الحوثي وتوغله الى العاصمة صنعاء ومحاصرته قصر الرئاسة والحكومة والبرلمان بقى الجنوبيون في حالة ترقب وحذر من اتخاذ اي قرار ، ولم يجد السياسيون الجنوبيون من مختلف فصائل الحراك الجنوبي في الداخل و الخارج أي مبرر لاقحام الجنوب في حرب بين ادوات نظام صنعاء فهم في غنى عن المشاركة في صراعات النخب السياسية اليمنية ، وكان موقف الحراك الجنوبي واضحا وصريحا تجاه الازمة حتى تمادى الحوثي وعفاش وغزو الجنوب ، هنا اختلف الموقف واعتبروا تقدم الحوثي وعفاش نحو عدن عدوان صريح وجب التصدي له ، فاعلن الجنوب موقفا موحدا ارتفعت اصواته من على منابر المساجد تدعو حيا على الجهاد ليلبي كل من سمع داعي الجهاد بنفسه وماله وولده ، فخرج الجنوبيون يذوذن عن بلادهم يفدونها بالروح والدم.
استجدت مواقف تبعا لذلك واعلن عن تشكيل التحالف العربي لدعم شرعية الرئيس هادي بقيادة السعودية ودول اخرى، وقتها لم يكن للجنوبيين في المشاركة مع التحالف بعدا استراتيجيا صريحا ولا موثقا ولا مشروطا فقد شارك الجنوبيون في التحالف بدافع صد العدوان وتحرير الأرض ، وخاضوا المرحلة الاولى من الحرب وبعد شهرين من الغزو تحررت عدن وقبلها كانت قد تحررت الضالع ثم لحج وابين وشبوة .
بدأت المرحلة الثانية بتطهير محافظات الجنوب من فلول تنظيم القاعدة الوجه الآخر للغزو الحوثي في كل من عدن والمكلا ثم شبوة وابين لتنتهي بتمكين القوات الجنوبية من كامل التراب الوطني باستثناء المنطقة العسكرية الاولى المحسوبة زيفا على الشرعية
المرحلة الثالثة من التحالف وهي المشاركة في الحرب خارج حدود الجنوب ظهر فيها الاختلاف وانقسم الجنوبيون بين مؤيد ورافض للمضي مع التحالف العربي نحو انهاء الانقلاب الحوثي واستعادة الشرعية وكان ذلك خارجا عن اهداف الثورة الجنوبية واقحام للجنوبيين في حرب غير واضحة المعالم والابعاد.
الخطا الاستراتيجي الذي ارتكبه الجنوبيون في مشاركتهم في التحالف العربي انهم اقصوا حقهم في اسس ومبادئ التحالفات بين الدول ، اذ لم يعترف لهم التحالف عند تحرير الجنوب بحق استقلاله كما لم يقر للجنوبيين باستعادة دولتهم صراحة ، وظل خلف الكواليس يقدم وعود بطيئة جدا استغرقت اكثر من ثمان سنوات دون ان يجد الجنوبيون مؤشرات من التحالف في اعلان دولتهم ، وكثير ممن يتابع مجريات الاحداث يجد عكس ذلك ، اذ اغرقت دول التحالف الغنية الجنوب في ازمات اليمننة وعلقت مصالح الجنوبيين بوهم انهاء الانقلاب واستعادة شرعية الرئيس هادي واضرت بمصالح الجنوبيين اكثر من ذي قبل.
كشفت يوميات الحرب خارج حدود الجنوب بان النصر وهم لن يتحقق على الاطلاق وتؤكد على قناعة اليمنيين بعدم الاقتتال فيما بينهم لا ضد الحوثي ولا غيره وان السنوات الماضية لم تكن سوا استنزاف عبثي استثمره تجار الحروب والازمات لصالحهم واغرقوا التحالف العربي والشريك الجنوبي في حرب استنزاف لم تحقق هدفا واحدا طيلة السنوات الثمان من الحرب.
يظن البعض ان دخول الجنوبيين في المسارات السياسية اليمنية ووصولهم الى سدة الحكم وتصدرهم للمشهد السياسي اليمني بصفة عامة هو انتصار كبير ، قد يكون كذلك لكن متطلبات تصدر الجنوبيين للمشهد السياسي كثيرة ومعقدة في ظل القناعات اليمنية الرافضة لتسمية الحوثي بالانقلابي والتعامل معه كعدو ، كما ان مشاركة الجنوبيين في نصف الحكم بينهم والشمال عائقا لطريقهم نحو فك الارتباط واحتمال مبني على توقعات التغيير في الموقف اليمني تجاه الازمة وهو مستبعد جدا اذ لم ولن تتغير المواقف اليمنية تجاه الازمة مطلقا ولن يقر اليمنيون في المناطق المحررة ومناطق الحوثي بوجود انقلاب واجب التصدي له .
ان ترك الاوضاع في الجنوب تحت البند السابع اكثر من هكذا يعد استبدادا وتعسفا قد يفقد الرعاة للازمة سيطرتهم عليه بسبب زيادة حدة الاحتقان والغضب الشعبي في الجنوب ازاء سياسة القهر والاذلال وكسر النفوس وممارسة جريمة العقاب الجماعي سواءا بقصد ام بغير قصد.
ان الاستراتيجية الجنوبية للتعامل مع التحالف العربي جسدها المجلس الانتقالي الجنوبي الشريك المباشر باستراتيجية مرنة ومطاطة وقد بدت من خلال التصريحات التي افادها القائد عيدروس رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي والذي اكد اكثر من مرة على ثبات المجلس في علاقته مع التحالف العربي لكن بالمقابل لم يستثمر هذه العلاقات المتينة لصالح دعم البنية التحتية ووضع معالم واضحة في موقف التحالف من التدهور الاقتصادي في الجنوب والتسريع بانجاز التعهدات ، بل كان عليه ممارسة الحدة الى جانب المرونة لتحقيق مكاسب متبادلة تخدم الطرفين وتحقق بعضا من مصالح شعب الجنوب الذي وقع ضحية رفض اليمنيين الاقرار بانقلاب الحوثي ووجوب قتاله.
ان على المفاوض الجنوبي توقع مالم يكن في الحسبان وهو حصول ردة فعل شعبية جراء نفاذ صبر القوى الشعبية المدنية والعسكرية ورفضها الاستمرار باجترار الصمت وضبط النفس امام جرائم التجويع والتجريع والقهر والاذلال والعقاب الجماعي وبالاخص اثناء عجز المفاوض الجنوبي عن تقديم اجابات وتفسيرات منطقية والتزامه الصمت حيال ذلك وعدم مقاومة هذه السياسة او الاحتجاج عليها ولو باستخدام الادوات الشعبية المدنية.
ان الاستراتيجية الجنوبية للتعامل مع التحالف لم تعد مجدية وغير صالحة للاستمرار وتتطلب تحديثا بادخال بيانات جديدة متعلقة بالوضع الاقتصادي والخدمي وتحسين المستوى المعيشي للشعب بعد انجازه النصر العظيم بتحرير الارض ودحر الحوثي والقاعدة.