تقارير

انقلاب النيجر.. توتر إضافي بين الغرب والروس

 

بدأت فرنسا مساء أمس الثلاثاء في إجلاء رعاياها من النيجر، بعد أيام على الانقلاب العسكري ومحاولة آلاف المحتجين اقتحام السفارة الفرنسية في العاصمة نيامي.

 

ولا يمثل الانقلاب حدثاً عادياً بالنسبة لفرنسا، حيث كان الرئيس الذي أزاحه العسكريون، محمد بازوم، حليفاً قوياً لباريس في الحرب ضد المتشددين، وشريكاً اقتصادياً، ويعد من بين آخر القادة الموالين لها في منطقة الساحل الأفريقي.

ومنذ اليوم الأول للانقلاب العسكري في النيجر ، اتجهت الأنظار إلى باريس وتأثير الانقلاب على مصالحها في الدولة الغنية باليورانيوم المهم للمفاعلات النووية في فرنسا، لكن الأنظار اتجهت  أيضاً إلى موسكو التي يرى البعض أن لها دوراً في أزمة النيجر، أو على أقل تقدير تتحين الفرصة لتوجيه ضربة إلى المصالح الغربية على وقع الحرب المستمرة في أوكرانيا.

توترات 

وبحسب تقرير لصحيفة “وول ستريت جورنال“، فإن الانقلاب الذي وقع الأسبوع الماضي في الدولة الواقعة في غرب أفريقيا، أثار توترات بين حلفاء موسكو في المنطقة والدول التي عملت بشكل وثيق مع الولايات المتحدة والقوى الغربية الأخرى.

وتُظهر عمليات الإجلاء، التي قادتها فرنسا، القوة الاستعمارية السابقة للنيجر، أن “الحكومات الأوروبية تعتقد أن هناك خطراً متزايداً على مواطنيها في النيجر، وهو الأمر الذي كان محورياً في جهود الولايات المتحدة لمحاربة المسلحين المتشددين في منطقة الساحل جنوب الصحراء”.

ووفقاً للصحيفة، يشعر المسؤولون الغربيون بالقلق من أن المجلس العسكري الذي احتجز رئيس النيجر المنتخب، محمد بازوم، الأسبوع الماضي قد يطور علاقات أوثق مع روسيا، خاصة إذا قطعت فرنسا والولايات المتحدة المساعدات العسكرية.

وألقى آلاف  المتظاهرين المؤيدين للانقلاب، الأحد الماضي، الحجارة على السفارة الفرنسية في العاصمة نيامي، وحمل بعضهم لافتات تطالب بخروج فرنسا من النيجر، فيما حمل البعض الآخر أعلام روسيا وهم يرددون هتافات تشيد بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.

قلق أمريكي

وبحسب الخارجية الأمريكية، لم ترصد الولايات المتحدة أي دليل على أن قوات “فاغنر” الروسية تورطت في الإطاحة بالرئيس محمد بازوم، لكن القلق الأمريكي يعود إلى استمرار تقلب الوضع في النيجر ما قد يمنح روسيا فرصة في الأيام المقبلة، كما أن سيناريو خروج القوات الفرنسية من مالي المجاورة لا يزال يلوح في الأفق، وهو ما قد يتكرر في النيجر مع كل من فرنسا والولايات المتحدة بعد سنوات من استثماراتهما الاستراتيجية هناك ومحاربتهما الجماعات المتطرفة وتأسيس قواعد تراقب المنطقة من السودان وليبيا إلى مالي ونيجيريا وبوركينا فاسو.

وأسفر الانقلاب عن انتقادات دولية واسعة، وعلى رأسها من الولايات المتحدة، حيث دعت إلى ضرورة عودة المؤسسات الديمقراطية والرئيس المنتخب، وأجرى وزير الخارجية، أنتوني بلينكن، الجمعة الماضية، اتصالاً هاتفياً مع بازوم، أكد خلاله دعم الولايات المتحدة “الثابت” له.

وشدد بلينكن على أن الانقلاب العسكري يُعرض للخطر “مساعدات بمئات ملايين الدولارات” لنيامي، لافتاً إلى أن واشنطن “ستواصل العمل لضمان الاستعادة الكاملة للنظام الدستوري والحكم الديمقراطي في النيجر”.

انقسامات بين الجيران

وكشف الانقلاب، الذي قاده الحرس الرئاسي القوي في النيجر، عن انقسامات عميقة بين جيرانها في غرب أفريقيا، والتي شهد بعضها انقلابات منذ 2020.

وألقى قادة المجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا، التي تهيمن عليها نيجيريا، أكبر اقتصاد في أفريقيا، والتي تشترك في حدود تتجاوز 1000 كيلومتر مع النيجر، بثقلهم وراء بازوم.

وفرضت المجموعة المعروفة باسم “إيكواس“، عقوبات مالية وتجارية صارمة على النيجر وقالت إنه إذا فشل المجلس العسكري في إعادة بازوم إلى منصبه بحلول نهاية الأسبوع، فسوف تفكر في التدخل العسكري.

وأثار هذا التهديد تحذيراً من القادة العسكريين لمالي وبوركينا فاسو، وهما اثنان من جيران النيجر الذين تحالفوا مع موسكو بعد انقلاباتهم الخاصة، بأنهم سيساعدون في الدفاع عن المجلس العسكري النيجري ضد تدخل إيكواس.

وبحسب الصحيفة، قال مساعد المبعوث الأمريكي الخاص السابق للسودان، كاميرون هدسون، أن كلاً من مالي وبوركينا فاسو من المحتمل أن تتحايلا بشأن مواجهة عسكرية، حيث لا يرغب أي من الطرفين بنزاع إقليمي أوسع .

ووفقاً لهدسون، فإن مالي وبوركينا فاسو مرهقتان بالفعل من محاربة المتشددين على حدودهما، في حين أن هناك معارضة داخلية للتدخل المسلح مع الجيش النيجري، والذي سيتعين عليه قيادة مثل هذه المهمة.

وأضاف هدسون أن “تحذير مالي وبوركينا فاسو نجح من خلال زيادة مخاطر وتكاليف أي تدخل من إيكواس”، كما سلط هدسون الضوء على قبضة موسكو على المنطقة.

وفي بيان مشترك، قالت بوركينا فاسو ومالي أنهما “ترفضان تطبيق العقوبات غير القانونية وغير المشروعة واللاإنسانية ضد الشعب والسلطات النيجرية” التي اتخذتها، الأحد، الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا في أبوجا.

وعقدت قمة استثنائية للجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا والنيجر عضو فيها إلى جانب 14 بلدا آخر، الأحد، في أبوغا برعاية رئيس نيجيريا، بولا تينوبو، الذي يتولى رئاسة التكتل منذ مطلع يوليو (تموز) الماضي.


عمليات الإجلاء

واتهم قادة الانقلاب في النيجر، الإثنين الماضي، فرنسا بالسعي إلى “التدخل عسكرياً” في بلدهم الأمر الذي نفته باريس.


ونفت وزيرة الخارجية الفرنسية، كاترين كولونا، أمس الأول الإثنين، مزاعم المجلس العسكري في النيجر بأن باريس ستشارك في تدخل عسكري، وقالت في مقابلة تلفزيونية : “الأولوية الوحيدة لفرنسا هي سلامة مواطنيها”.

وبررت باريس قرار الإجلاء “بأعمال العنف التي تعرضت لها سفارتنا (الأحد) وإغلاق المجال الجوي الذي يحرم رعايانا من أي إمكان لمغادرة البلاد بوسائلهم الخاصة.

وأقلعت طائرة أولى تقل فرنسيين وآخرين مساء أمس من نيامي وحطت في مطار شارل ديغول في باريس.

وأفادت الوزيرة الفرنسية ، أن الطائرة نقلت على متنها 262 شخصا “بينهم 12 رضيعا”، موضحة أن غالبيتهم من الفرنسيين إضافة إلى “بعض المواطنين الأوروبيين”.

ووفق الخارجية الفرنسية، أبدى 600 فرنسي من أصل 1200 مسجلين لدى الدوائر القنصلية في نيامي، رغبتهم في المغادرة والعودة إلى بلادهم، كما أوضحت هيئة الأركان أن إجلاء الجنود الفرنسيين المتمركزين في النيجر “ليس على جدول الأعمال”.

ومن جانبها، أعلنت إيطاليا وصول نحو 100 شخص بينهم إيطاليون من النيجر إلى روما، اليوم الأربعاء، بعدما أجلتهم السلطات الإيطالية لأسباب أمنية.

وبدورها، نصحت ألمانيا رعاياها في العاصمة نيامي  بالمغادرة.

ومن جهته، أعلن البيت الأبيض أن الولايات المتحدة لم تتخذ أي قرار إجلاء في الوقت الحالي، وقال منسق الاتصالات الاستراتيجية في مجلس الأمن القومي الأمريكي جون كيربي للصحافيين، أمس الثلاثاء، إن الإدارة لم تتخذ بعد أي قرار بشأن مستقبل المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة للنيجر.

وأضاف كيربي إن واشنطن “على علم بالتأكيد بجهود تبذلها فرنسا ودول أوروبية أخرى لإجلاء مواطنيها. في الوقت نفسه، لا مؤشرات لدينا تفيد بوجود تهديدات مباشرة للمواطنين الأمريكيين أو لمنشآتنا، لذا نحن لم نغيّر موقفنا في ما يتعلّق بتواجدنا في النيجر في الوقت الراهن”.

ويتمركز في النيجر نحو ألف جندي أمريكي كانوا يؤازرون الرئيس المخلوع محمد بازوم في مكافحة تمرّد إقليمي.

وقال كيربي إن البيت الأبيض لا يزال يعتبر أن هناك “نافذة” مفتوحة للدبلوماسية لحل الأزمة في النيجر، لكنّه أشار إلى أن الولايات المتحدة “تراقب الأمور على مدار الساعة”، مضيفاً “نحض المواطنين الأمريكيين المتواجدين في النيجر على أن يجعلوا من سلامتهم أولى أولوياتهم”.

وكذلك أشار كيربي إلى أن القوات الأمريكية المتواجدة في النيجر لا تشارك في عمليات الإجلاء الجوية التي يجريها الأوروبيون. وقال “لا قرار باستخدامهم بأي شكل للمساعدة في جهود الإجلاء التي تقودها دول أخرى”، كما لفت إلى عدم وجود “أي قرار متّخذ بشأن نشر مزيد من القوات هناك أو في الجوار”.

وتابع “إذا تعيّن علينا إجراء تعديلات فسنجريها”، مشيراً إلى عدم وجود ما يستدعي ذلك في الوقت الراهن.
 

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى