لماذا وُضعت إيران على قائمة الدول المقيدة للإنترنت؟
سيطرة النظام على المجال الإلكتروني تزداد كلما استشعر التوترات الداخلية
هدى رؤوف كاتبة
نشرت أخيراً بيانات عن تصدر إيران قائمة الدول التي فرضت أعلى عدد من القيود على استخدام الإنترنت خلال النصف الأول من العام الحالي.
وعلى رغم كون إيران من الأنظمة التي اهتمت باستخدام الإنترنت خلال التسعينيات في البنية الاقتصادية، إلا أنها بمرور الوقت أصبحت معادية لاستخدامه ولا سيما من قبل المواطنين، وربما كانت الاحتجاجات ضد النظام والتي تستفيد من الفضاء الإلكتروني هي المحرك الرئيس لكثير من سياسات تقييد استخدام الإنترنت.
وتتمحور سياسات تقييد استخدام الإنترنت حول عدد من الإجراءات ومنها فرض السلطات الإيرانية انقطاع الخدمة لتصعب على النشطاء الاجتماع والتخطيط للتظاهرات، لذا تزايدت قيود الإنترنت في أوقات الاضطرابات السياسية مثل الاحتجاجات والانتخابات أو حتى خلال أية مواجهات عسكرية ومسلحة.
وفي محاولة من الحكومة من أجل تطوير البنية التحتية وصل الإنترنت إلى إيران أوائل التسعينيات من أجل إعادة البناء والتأهيل بعد الحرب العراقية – الإيرانية، فقد أدرك النظام أهمية الإنترنت كوسيلة للانتعاش الاقتصادي.
لكن مع بداية الألفية الثالثة تعامل العالم مع الإنترنت باعتباره وسيلة مهمة في إطار العولمة لجعل العالم قرية صغيرة منفتحة، مما جعل الإنترنت إحدى وسائل نقل المعلومات من داخل الدول للعالم، أي أنه كان إحدى وسائل التحرير والانفتاح، ومن ثم يهدد الدول الاستبدادية.
وخلال تلك الفترة لم تكن إيران تتعامل مع الإنترنت باعتباره تهديداً لأمنها، لكن مع الوقت أدركت أنه تحول إلى أهم مصادر التهديد سواء من خلال توظيفه داخلياً من قبل الشباب أو من خلال التهديدات التي جاءت من إسرائيل والولايات المتحدة، لذا لجأت إلى اتباع سياسات لتأمينه لكنها لم تكن على درجة عالية من التقييد، وتعاملت معه باعتباره مصدراً ووسيلة مستخدمة في الاضطرابات السياسية خلال احتجاجات الطلاب عام 1999، واستمرت في توظيفه باعتباره أداة اقتصادية إذ مثل نوعاً ما العصر الذهبي الذي وظفته الحكومة في أعمالها والمواطنون في استخداماتهم.
وحدث التحول في مفاهيم أمن النظام داخل إيران في ما يخص الإنترنت مع أوائل العقد الأول من القرن الـ 21، إذ بدأ في اتباع سياسات أمنية تعتبر الإنترنت مجالاً للأمن القومي داخلياً وخارجياً، واستحدثت إيران تشريعات قانون جرائم الإنترنت وتعزيز أدوات التقييد في استخدامه مع إبطاء سرعة الاتصال بما يكاد يوقفه.
وفي عام 2010 ومع مهاجمة فيروس “ستوكسنت” الذي أدارته واشنطن وإسرائيل لمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية لوقف تخصيب اليورانيوم، بدأت إيران في تطوير قدراتها السيبرانية وشن هجمات مماثلة على معارضيها في الداخل والخارج، إذ شنت هجمات إلكترونية ضد مواقع المؤسسات المالية الدولية التي تعترض على برنامجها النووي، كما تعاملت مع الإنترنت باعتباره أداة للحرب الإلكترونية غير التقليدية.
وأنشأ الحرس الثوري ما عرف بالجيش الإلكتروني الذي هاجم المواقع الإخبارية ومواقع المعارضة الإيرانية في الخارج إلى جانب إنشاء حسابات مواقع التواصل الاجتماعي والويب الوهميتين للتحريض ضد معارضي إيران والمنظمات الحقوقية والمسؤولين الأميركيين، فضلاً عن مهاجمة خوادم الوكالة الدولية للطاقة الذرية.
وتزداد سيطرة النظام على المجال الإلكتروني مع الوقت، وكلما استشعر التوترات الداخلية كلما زادت سياسات تقييد استخدام الإنترنت التي ستزداد مع استشعاره وجود جيل جديد من الشباب أو ما يعرف بالجيل “”Z الذي يتوق إلى الحرية والانفتاح ولديه قدرة على التعامل مع الإنترنت، فضلاً عن تخوف النظام من أية حملات تضامن عالمية مع ما قد ينشب من احتجاجات داخلية، ومن ثم ستستمر إيران في تصدر ترتيب الدول الأولى عالمياً في السيطرة الأمنية على الإنترنت.