تأجيل التوتير ممكنٌ أيضاً!
بشارة شربل
مرة جديدة يفرض التوتر الذي ساد الجبهة الجنوبية في الأيام القليلة الماضية العودة الى ما لا يريد «حزب الله» العودة اليه، مفضّلاً حديث الحق الذي يراد به باطل.
وفي الواقع، لم نشكّ يوماً بعدوانية إسرائيل، لا تجاه بلدنا ولا تجاه الفلسطينيين، لكننا بعد خبرة عقود طويلة، ما عدنا نحتمل طريقة إدارة هذا الصراع، ولا نستسيغ الذرائع التي تجعل منه أولوية مطلقة تتحكّم بحياة اللبنانيين وتنسحب على مستقبل دولتهم ونسيجها الاجتماعي، وتُصرَف للإخلال بالتوازن الداخلي والتحكّم بالنظام العام.
كل ما يحصل على الحدود الجنوبية منذ أشهر، من صواريخ معلومة – مجهولة تنسب الى منظمات فلسطينية، أو مسيَّرات تدخل في إطار «وحدة الساحات»، أو خيم تثبت حقوق لبنان، نوع من العبث الذي قد يفيد الساعي الى هدف إشغال إسرائيل في أكثر من جبهة، لكنه لم يُفدنا في تحرير شبر واحد إضافي من مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، ولا منعَ الدولة العبرية من ضمّ الجزء الذي أعطانا إياه الخط الأزرق من قرية الغجر بعد التحرير قبل 23 عاماً.
وعلى عكس التفسيرات التي تستغلّ الوقائع الحدودية للحديث عن تثبيت معادلة «جيش وشعب ومقاومة»، وتتمدّد بها وصولاً الى وجوب انتخاب رئيس «لا يطعن المقاومة في الظهر»، فإنّ تجنّب مزيد من الخسائر وضياع الفرص والتعطيل يقتضي المطالبة مجدداً بأن تكون الدولة أولاً مسؤولة عن الدفاع عن لبنان وتحرير أرضه بالطريقة التي تراها مناسبة بلا اجتهادات فئوية مكلفة ولا مزايدات.
يثير الصدمة حتماً اكتشاف قديم جديد أنّ أهل الغجر ينظرون بأسى الى خياراتهم المُرّة لو أتيح لهم الخيار بين البقاء تحت الاحتلال الإسرائيلي أو التحرر ليكونوا آخر قرية في دولة تعاني الانهيار ولا تستطيع تأمين الكهرباء والماء وأقل مستلزمات الحياة. لكن ذلك يجب أن يؤكد ضرورة أن تكون لنا دولة فعلية، وأن يعود حق المطالبة بالغجر والمزارع الى الشرعية، ويتوقف عن أن يكون ورقة في بازار توقيت التوتير، أو المناوشات المحسوبة على وقع الساعة الإقليمية، أو بالتوازي مع حرارة التفاوض على الملف النووي.
مرة أخرى، يجب مطالبة سوريا بترسيم للحدود يحسم ملكية المناطق التي اعتبرت سوريةً ولم يشملها القرار 425. فعلى لبنان تحرير أرضه وليس مناطق متنازعاً عليها أو غير محسومة الهوية، ونظرية أنها كلها أراض عربية محتلة دعونا نحررها أولاً «وبعدين منشوف»، لا تنطلي لا على عموم اللبنانيين ولا على المجتمع الدولي.
آخر ما يحتاج اليه لبنان في خضمّ أزمته الخانقة التي زادها همّاً تعطيل الاستحقاق الرئاسي، هو فتح ثغرة توتر في الجنوب في عزّ صيفية ينتظرها المواطنون ليعوِّضوا بعض الركود. وما دامت كل المسائل قابلة للتطويل والتأجيل، من استعادة الدولة مؤسساتها وسيادتها، الى الإصلاحات، وصولاً الى الاستحقاقات الديموقراطية والإدارية المهمة، فيمكن لمهمة التوتير سواء المتعلقة بالتضامن مع المحور الممانع أم بوضع الغجر والمزارع أن تنتظر شهرين يستطيع خلالهما اللبنانيون، المُبتلون بممارسات «المنظومة»، أن «يبلّوا ريقهم» بكرم السيّاح والمغتربين!
نقلا عن “نداء الوطن”