ألف سلامة للموسيقار العطروش
________د. عيدروس نصر
في البدء لا بد من التوجه بالحمد والشكر لله تعالى على سلامة الفنان الموسيقار الكبير الأستاذ محمد محسن عطروش بنجاته من الاستهداف الآثم الذي تعرض له أثناء حفل التكريم الذي نظمته له إدارة الثقافة بمحافظة تعز، . . . ولا أرك الله شرا فناننا الكبير فأنت ملء قلوب محبيك من أقصى الوطن إلى أقصاه.
* * *
لكم سررت لمبادرة مكتب الثقافة بتعز لتكريم الفنان الوطني الكبير الاستاذ، الموسيقار محمد محسن عطروش، فالرجل صاحب مقام عالي ومساهمة تاريخية أصيلة في تكريس الوعي الوطني وتجسيد ثقافة المقاومة منذ نشيده الشهير “برع يا استعمار”، ثم ” شعب الجنوب الحر” وتباعاً ” يا لحج يا ضالع” و “بوس التراب” فـ” ثلاثة زايد ثلاثة” و”يا شباب يا شباب” و” انا قومي بن قومي” و”يا رئيس البلاد” و”يا جيش من أهلي ومن خوتي” إلى “هيب هيبة” فـ”أماه” و” ياجميلة” ثم “صباح الخير يا روابي” “خامس لون”،وغيرها العشرات الأغاني العاطفية المملوءة بالجمال والفنيات والعاطفة والإبداع الشعري والموسيقى.
* * *
ما جرى في مهرجان تكريم الموسيقار الكبير العطروش، أمر مثير للقلق والخوف، ليس فقط لأن المستهدف فيه فنان بحجم ومقام الأستاذ عطروش، وتاريخه الزاخر بالعطاء والإبداع والتميز الفني، ولكن لأن المستهدف به هو الفن والإبداع والثقافة ذاتها من خلال استهداف رمزها الكبير بشعره وموسيقاه وغنائه وتاريخه الكفاحي الملتحم بتاريخ النضال ضد الطغيان والاستبداد وفي سبيل الحرية والكرامة.
* * *
في تعز ينمو تيارٌ تكفيريٌ نافذ تتبناه قيادات سياسية وبرلمانية معروفة تعتبر الفن والغناء والرقص والسينما والتمثيل وكل أشكال الإبداع الفني كفراً بواحا تنبغي تصفية أصحابه باعتبارهم كفار ينشرون الفساد والانحلال ولا يستحقون الحياة.
ولنا أن نتذكر أن حملاتٍ شعواء قد رافقت عدد من المهرجانات الثقافية السنوية التي تشهدها المدينة، لم يكن آخرها التحريض على فيلم “عشرة أيام قبل الزفة” للمخرج العدني عمرو جمال أدت هذه الحملة إلى إلغاء برنامج عرض الفيلم الذي حاز على عدة جوائز عربية وعالمية ووصل عرضه إلى عشرات المدن والعواصم العربية والعالمية ومنها مدينة شيفيلد البريطانية،
وقوبل بإعجاب آلاف المشاهدين والنقاد والفنانين اليمنيين والعرب والعالميين.
وإذا ما عرفنا أن هذا التيار ينتمي إلى أكثر الأحزاب السياسية نفوذاً وهيمنةً على المشهد السياسي والعسكري والامني في المحافظة فإنه يمكن تفهم الدوافع والأسباب التي اوصلت إلى هذا المستوى من نشر الرعب واستزراع الخوف وتنمية الذعر في كل ميادين الحياة في المدينة والمحافظة.
حادثة استهداف الفنان عطروش ومهرجان تكريمه علامة فارقة في الصراع بين الثقافة والفكر والفن والإبداع، وبين الإرهاب والتكفير وكل فكر متشدد متعصب دموي عنصري بكل المعاني الشاملة، وهو جزء من الصراع بين محاولات استحضار بقايا الدولة وبين اللادولة الطاغية على كل المشاهد السياسية والثقافية والمجتمعية بشكل عام.
* * *
وأخيراً
مدينة تعز لا تستحق أن يشمت بأهلها وجمالها وتاريخها أحد فهي بجانب نظيرتها عدن موئلان للثقافة والفكر ومشتلان لزراعة الخلايا الوطنية الأولى لكل الاتجاهات والتيارات السياسية التقدمية بألوانها الوطنية والقومية واليسارية وحتى الإسلامية على مدى عقود من الزمن، لكن لنا أن نتذكر أن هذه الحادثة جرت في تلك المدينة التي قال عنها رئيس وزراء البلد أنها مدينة آمنة وكم تمنينا أن تكون فعلا آمنةً، لكن ما تشهده من فوضى وإرهاب وانتشار عصابات البلطجة وعمليات السلب والنهب والاغتصاب والسطو والعمليات الإرهابية، تؤكد أن رئيس وزراء البلد ليس فقط فاسداً وفاشلاً وجاهلاً وسيء التقدير لكنه بجانب ذلك أحمقاً وعديم الشعور بالمسؤولية وشخصية غير أمينة في التعاطي مع المسؤوليات المسندة إليها، وهذا موضوع آخر، يمكن تناوله في سياق آخر.