السعودية تعبد الطريق أمام مجلس حضرموت الوطني
حضرموت -عدن اوبزيرفر: تستهدف الزيارة التي قام بها رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي إلى حضرموت والتي جرى خلالها الإعلان عن حزمة كبيرة من المشاريع التنموية تعتزم المملكة العربية السعودية تدشينها في المحافظة، تثبيت مجلس حضرموت الوطني وخلق التفاف شعبي حوله.
وتولي المملكة أهمية كبيرة للمجلس الوليد وهي تعمل على منحه كل الصلاحيات والمقومات لنجاح مهمته. وجرى الإعلان عن المجلس قبل أيام في الرياض، بعد مشاورات تمت بين مكونات سياسية وعشائرية حضرمية استمرت لأسابيع برعاية سعودية.
وخلال زيارة العليمي إلى المحافظة، أعلن مسؤول يمني الأحد عن إطلاق السعودية حزمة مشاريع تنموية في محافظة حضرموت (شرق) بـ320 مليون دولار. وقال وكيل وزارة الإعلام اليمنية محمد قيزان إن “البرنامج السعودي لتنمية وإعمار اليمن (حكومي) أطلق حزمة مشاريع وبرامج تنموية وحيوية في حضرموت بقيمة تتجاوز 1.2 مليار ريال سعودي (320 مليون دولار)”. وأضاف قيزان “شكرا للمملكة وللقائمين على البرنامج وفي مقدمتهم السفير (السعودي لدى اليمن) محمد آل جابر”، دون تقديم تفاصيل أخرى.
وكان رئيس مجلس القيادة الرئاسي وصل السبت إلى حضرموت برفقة وفد سعودي وعدد من الشخصيات الحضرمية والمسؤولين الحكوميين، وهذه الزيارة هي الأولى للعليمي منذ أن تولى منصبه في أبريل 2022.
وقال العليمي في كلمة ألقاها الأحد في مدينة المكلا عاصمة المحافظة “إن مجلس القيادة الرئاسي حرص على أن تكون أول زيارة للرئيس إلى المحافظات خارج العاصمة المؤقتة عدن إلى حضرموت لما لها من مكانة تاريخية أرضا وإنسانا وثقافة”. وأضاف “ننظر إلى حضرموت على أنها القدوة وقاطرة الدولة للسلام، ونحن مع المحافظ في أن تدير حضرموت نفسها ماليا وإداريا وأمنيا وإذا نجحت التجربة سنعمّمها على بقية المحافظات”.
وأشار العليمي إلى التحضير لعقد لقاء تشاوري في حضرموت بين الحكومة والقطاع الخاص والسلطات المحلية والدول المانحة لتعزيز إدارة المحافظات ذاتيًا، مستعرضا الصعوبات التي تعترض الدولة بسبب تعنت جماعة الحوثي، والتركيز على المشاريع الكبرى التي تلامس المواطنين، ومنح السلطات المحلية صلاحيات أكبر لتعزيز مؤسسات فيها.
وتشكل محافظة حضرموت أهمية خاصة بالنسبة إلى السعودية، ليس فقط لكونها تزخر بثروة نفطية هامة، بل وأيضا للحدود الطويلة التي تربطها بها، فضلا عن كون العديد من أبناء المحافظة يحملون الجنسية السعودية، وهناك صلات اجتماعية واسعة مع مكوناتها العشائرية.
ويرى مراقبون أن هذه العوامل مجتمعة تجعل من حضرموت مركز اهتمام استثنائيا بالنسبة إلى المملكة التي تحركت بسرعة نحو إعادة احتواء الحضارمة، بعد استشعارها إمكانية نجاح المجلس الانتقالي في ضمها إلى مشروعه الهادف إلى استعادة دولة الجنوب.
وقال يعقوب السفياني مدير مركز ساوث 24 للدراسات في عدن، إن زيارة العليمي إلى حضرموت تندرج ضمن خطة لتعزيز المكون السياسي الحضرمي الجديد “مجلس حضرموت الوطني”، حيث ستدفع المشاريع التنموية والخدمية الجديدة الممولة سعودياً والتي دشنها العليمي إلى إقبال والتفاف على هذا المكون من قبل السكان في المحافظة.
وأضاف السفياني في تصريحات لـ”العرب” أن زيارة رئيس مجلس القيادة تأتي برغبة سعودية خالصة، وقد وصل العليمي متسلحا بشخصيات حضرمية بارزة في مقدمتها المحافظ مبخوت بن ماضي. ويمكن القول إن هذه الزيارة والمشاريع المعلنة خلالها هي بمثابة توطئة لانتقال المكون الجديد من فنادق الرياض إلى أرض الواقع في حضرموت.
وأشار المحلل اليمني إلى أن حضرموت تحظى بأهمية خاصة لدى جميع الأطراف المحلية والإقليمية وحتى الدولية، ليس لثرواتها الطبيعية الضخمة فحسب، ولكن لمساحتها الجغرافية الشاسعة وموقعها الإستراتيجي.
ولفت إلى أن المحافظة تكتسي أهمية خاصة بالنسبة إلى السعودية نظرا إلى الحدود الطويلة التي تجمع المملكة بحضرموت، مشددا على أن أهمية حضرموت بالنسبة إلى الرياض لها أبعاد أمنية واجتماعية حتى.
وقال السفياني إن التحركات الجارية اليوم في حضرموت تنطلق من زاويتين، الأولى الرغبة في كبح جماح المجلس الانتقالي الجنوبي في حضرموت بعد الخطوات الكبيرة التي قام بها المجلس في مايو الماضي وتعزيز نفوذه عبر ضم شخصيات حضرمية جديدة إلى قوام قيادته وفي مقدمتها محافظ حضرموت السابق وعضو مجلس القيادة الرئاسي اللواء فرج البحسني.
وتتمثل الزاوية الثانية في حرص السعودية على وجودها وتأثيرها في حضرموت أكثر من أي محافظة أخرى وقد بدأت ذلك بالفعل في تحركاتها بمطار الريان الدولي ومنفذ الوديعة، وترتيباتها لإحلال قوات درع الوطن الموالية لها في وادي حضرموت كما تؤكد مصادر مطلعة، وصولاً إلى تشكيل مكون حضرمي بارز يوفر غطاء سياسيا واجتماعياً لكل هذه التحركات.
وحرص المجلس الانتقالي الجنوبي على عدم التعليق على زيارة العليمي، مع أنه كان في مقدمة المعترضين على زيارة رئيس مجلس القيادة الرئاسي خلال الأشهر الماضية إلى المحافظة، ويرى متابعون أن صمت المجلس الانتقالي يعود إلى تجنب تصعيد الموقف مع المملكة حيث أن الأمر ليس في صالحه.
وقال رئيس المجلس الانتقالي عيدروس الزبيدي على هامش زيارة يؤديها إلى بريطانيا، إن المجلس يسعى لتحقيق تطلعات وأهداف شعب الجنوب، موضحًا أن المجلس الانتقالي في كافة مراحل نضالاته ملتزم للمجتمع الدولي والإقليمي باحترام القوانين والمواثيق الدولية، وسياسة المجلس مدنية معتدلة.
وأوضح الزُبيدي أن الجنوبيين لا يطالبون بالانفصال كما يروّج له البعض، كونهم ليسوا أقلية، لافتا إلى أن الجنوب كان دولة لها علَم ونشيد وعملة ومقاعد في الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية والإقليمية، ومن حق شعب الجنوب أن يستعيد دولته كاملة السيادة.
وأكد أن الجنوب لن يُقدم على أي إجراءات أحادية لإعلان الاستقلال، وسيعمل على تحقيق ذلك من خلال عملية سلمية تحت إشراف الأمم المتحدة. كما جدد التأكيد على استعداد المجلس الانتقالي لإجراء استفتاء تحت إشراف أممي، والالتزام بما تقرّه القوانين الدولية ومواثيق الأمم المتحدة في ما يخص الاستفتاءات.
وأوضح الزُبيدي أن المجلس الانتقالي يعطي الأولوية حاليا للعمل مع الأطراف في مجلس القيادة الرئاسي في إطار التحالف الذي أفرزته مشاورات الرياض، لتحقيق استقرار العملة المحلية، وتوفير الوقود، وزيادة الأمن الغذائي، موضحاً أن مسألة الانسحاب من مجلس القيادة الرئاسي غير واردة حاليا، خصوصا وأن المجلس الانتقالي هو القوة الفاعلة على الأرض، والأمر لا يتعلق سوى بكيفية حل المشكلات، وعدم وجود الوقت الكافي لذلك.
وعن سؤال بشأن المجلس الوطني الحضرمي الجديد قال الزبيدي “نرحب بأي كيان جنوبي ومستعدون للحوار مع الجميع”، مشيرا في الوقت ذاته إلى عدم اطلاعه بعد على الوثائق المتعلقة بالمجلس الجديد أو إلمامه ببرنامجه.
وبدا واضحا في تصريحات الزبيدي أنه يميل إلى التعامل بهدوء مع التحركات السعودية في حضرموت، وأنه ليس في وارد اتخاذ أي موقف قد يؤدي إلى غضب المملكة، من ذلك تصريحاته الحذرة إزاء مجلس حضرموت الوطني.
وقال مدير المرصد الإعلامي اليمني رماح الجبري إن زيارة الرئيس العليمي إلى حضرموت هي تعميد لمخرجات مشاورات الرياض، وسط تأكيدات أن هذا المجلس لن يكون بديلا عن الدولة وسيكون داعماً لمجلس القيادة الرئاسي. واستدرك الجبري قائلا “ربما هذا المجلس لن يتوافق مع المطالب التي يتبناها المجلس الانتقالي الجنوبي”.العرب