“تايتانيك” الكارثة التي لا ينتهي ضحاياها
حطام السفينة ما زال يستقطب السياح على رغم ما تنطوي عليه زيارته من مخاطر
عدن اوبزيرفر:سفينة “آر أس أم تايتانك” وهي تغادر ساوث هامبتون في بداية رحلتها الأولى في الـ 10 من أبريل 1912 (ديلي ميل)
منذ أن غرقت السفينة “تايتانيك” خلال رحلتها الأولى قبل أكثر من قرن، استحوذ حطامها الذي استقر في أعماق المحيط على اهتمام كبير، على رغم ما تنطوي عليه زيارته من مخاطر.
وما كان الركاب الخمسة في الغواصة المفقودة، التي تتواصل منذ الأحد الماضي عمليات البحث عنها في منطقة غرق السفينة الشهيرة، سوى أحدث المهتمين بقصة واحدة من أعظم الكوارث البحرية في زمن السلم.
قبل هذه الرحلة الاستكشافية، التي تبلغ كلفة تذكرتها 250 ألف دولار، ألهمت السفينة الفاخرة التي اصطدمت بجبل جليدي روائيين ومخرجين ومغامرين كثراً راغبين في فهم ما حدث عام 1912 في مياه شمال الأطلسي.
جوهرة تكنولوجية
فعندما أبحرت “آر أم أس تايتانيك” عامذاك من إنجلترا متوجهة إلى نيويورك، كانت تعتبر بمثابة جوهرة تكنولوجية، ووصفها كثر بأنها سفينة محيط غير قابلة للغرق.
وكانت “تايتانيك”، التي تحمل أكثر من 2000 شخص من ركاب وأفراد طاقم، تعتبر أكبر سفينة بنيت حتى ذلك الوقت.
وعلى متن هذا القصر العائم الضخم ذي المقصورات الفخمة، كان متاحاً للمسافرين في الدرجة الأولى استخدام صالة للألعاب الرياضية وملعب اسكواش وحوض سباحة ومطعم فخم.
لكن في مكان آخر من السفينة، كان مئات من المهاجرين الفقراء مكدسين وينتظرون الوصول إلى ما كان يعرف بـ”الحلم الأميركي”.
لكن بالنسبة إلى الجميع، تحولت الرحلة عبر المحيط الأطلسي إلى كابوس في الـ14 من أبريل (نيسان)، ففي نهاية ذلك اليوم اصطدمت تايتانيك بجبل جليدي، فتشوه بدنها واندفعت المياه إلى السفينة التي يبلغ ارتفاعها 269 متراً، وتحت وطأة المياه التي غزت المقصورات بدأت السفينة بالغرق.
لم يكن متوافراً عدد كاف من قوارب النجاة على متنها، وما كان موجوداً لم يحسن أفراد الطاقم استخدامه نظراً إلى أنهم كانوا في حال ذعر وارتباك، إذ هرب النساء والأطفال أولاً، لكن بعض القوارب ترك نصفها فارغاً.
وبعد ساعات قليلة من بدء الميل عمودياً، انشطرت السفينة الضخمة إلى قسمين وغرقت في الأعماق، والركاب الذين لم يجلوا ماتوا بسرعة كبيرة بالمياه المتجمدة.
1500 قتيل
لقي نحو 1500 شخص حتفهم في الكارثة، وانتشل 700 من الناجين فقط بواسطة سفينة “آر أم أس كارباذيا” التي استجابت لنداءات استغاثة “تايتانيك”.
وبقي الموقع الدقيق للحطام لغزاً لمدة 70 سنة، إلى أن تمكنت بعثة فرنسية أميركية عام 1985 من اكتشاف المكان الذي كان موجوداً فيه على عمق 3700 متر.
وأظهرت الصور التي التقطتها البعثة نصفي السفينة المنشطرة في قاع المحيط، محاطين بكثير من الحطام والبقايا من أثاث وأحذية وأطباق وأغراض أخرى كانت في الماضي على متنها.
ومنذ العثور على الحطام، شهد الموقع زيارات من باحثين ومستكشفين وسياح ومخرجين سينمائيين. ومن أشهر الاستنادات لهذه الحادثة فيلم “تايتانيك”، الذي طرح عام 1997، بتوقيع المخرج جيمس كامرون، الذي يروي قصة رومانسية على متن المركب العائم بطلاها الممثلان ليوناردو دي كابريو وكيت وينسليت.
وحقق الفيلم نجاحاً عالمياً ساحقاً ورسخ في الذاكرة بفضل أغنيته “ماي هارت ويل غو أون” (“My Heart Will Go On”) بصوت سيلين ديون، ونهايته المثيرة للجدل التي ضحى فيها جاك بنفسه لإنقاذ روز من خلال تركها تنجرف على باب عائم.
كثير من الجدل
حتى بعد مرور 25 عاماً على إطلاقه، لا يزال الفيلم يثير كثيراً من الجدل لتحديد ما إذا لم يكن لدى جاك حقاً مكان لإنقاذ نفسه عبر الركوب على القارب الارتجالي.
ورأى جيمس كامرون في تصريحات أدلى بها في فبراير (شباط) الماضي أن هذا الجدل ليس سوى أحد الأمثلة على أن قصة تايتانيك “يبدو أنها لا تنتهي أبداً للجمهور”.
وقال المخرج إن القصة “تتمتع بهذا النوع من الرومانسية الدائمة شبه الأسطورية،” مشيراً إلى “الرجال الذين لم يستقلوا قوارب النجاة حتى يتمكن النساء والأطفال من البقاء على قيد الحياة”.
لا تزال تذكارات تايتانيك والتحف المرتبطة بها مطلوبة على نطاق واسع، وستباع قريباً رسالة كتبها راكب من أوروغواي مات في الكارثة بالمزاد العلني، كما بيع الكمان الذي عزف عليه الموسيقي وقائد الفرقة الموسيقية والاس هارتلي على السفينة لدى غرقها في مقابل 1,7 مليون دولار عام 2013.
وشدد توم زالر، وهو منظم معرض عن السفينة يفتح أبوابه في الـ30 من يونيو (حزيران) في لوس أنجليس، لوكالة الصحافة الفرنسية على أن قصة السفينة “إنسانية بشكل لا يصدق”، مضيفاً “يمكننا جميعاً التماهي مع أحد الركاب على متن هذه السفينة، هناك قصص لا تصدق عن ناجين وأشخاص كان بإمكانهم ركوب قارب نجاة، لكنهم بقوا معاً لأنهم كانوا في حال حب”.
أمر مثير للاشمئزاز
وبعد أن أصبحت هذه المأساة بمثابة دراما تاريخية، تماماً مثل تدمير مدينة بومبي بفعل ثوران بركان فيزوف، تولد الكارثة فضولاً يزعج بعضاً من عائلات الضحايا ممن يبدون سخطاً بسبب سياحة الأثرياء المستعدين لإنفاق ثروات لرؤية الحطام.
وقال الأربعاء جون لوكاسيو (69 سنة) الذي قضى اثنان من أعمامه في المأساة “أعتقد أنه أمر مثير للاشمئزاز بصراحة تامة”.
وأضاف في تصريحات لصحيفة “ديلي بيست” الأميركية “أتمنى أن يتوقف الأمر بصراحة تامة، هذا لا معنى له، هذا نزول لمعاينة قبر”، وتابع “ماتوا بطريقة مأسوية مروعة، إنهم لا يريدون أن ينزل الناس لرؤيتهم. اتركوهم وشأنهم”. أ ف ب