تحركات دولية لحلحلة الملف اليمني ترافقها رسائل حوثية جديدة
الانفراجة في ملفي الأسرى ومطار صنعاء تترافق مع تهديدات حوثية للتحالف العربي باستئناف الهجمات على المنشآت الاقتصادية.
عدن اوبزيرفر- نجحت التحركات الأممية والدولية، الهادفة إلى تحريك الجمود في الملف اليمني، خلال الأيام الماضية في استئناف اللقاءات بين وفد الحكومة الشرعية والحوثيين في العاصمة الأردنية عمّان للتباحث بشأن الأسرى والمعتقلين، وكانت هذه اللقاءات قد تعثرت نتيجة التباين حول عدد من القضايا في هذا الملف.
ونتج عن الزيارات التي قام بها مسؤولون غربيون وأمميون إلى عدن والرياض إعلان الحكومة اليمنية المعترف بها دوليا الخميس عن تسيير رحلات جوية مباشرة عبر مطار صنعاء الدولي إلى المملكة العربية السعودية، لنقل الحجاج اليمنيين.
وترافقت الانفراجة في ملفي الأسرى ومطار صنعاء مع تهديدات حوثية للتحالف العربي باستئناف الهجمات على المنشآت الاقتصادية، في الوقت الذي تشير فيه المصادر إلى عدم إحراز أي تقدم في نقاط الخلاف الرئيسية التي تتضمن آلية صرف الرواتب في مناطق سيطرة الحوثي والتطبيع الاقتصادي ووقف إطلاق النار.
وفي موقف يبدو الأكثر وضوحا حيال طبيعة التنازلات التي بات يطالب بها الحوثيون لوقف الحرب في اليمن، وضع القيادي البارز يوسف الفيشي التحالف العربي أمام خيارين وفقا لتغريدة نشرها على حسابه الرسمي في تويتر: “رفع يده عن اليمن والتخلي عن مرتزقته وتركهم لمواجهة مصيرهم، أو مساندتهم والتضحية باقتصاده وأمنه واستقراره”.
وتكشف تصريحات هذا القيادي الحوثي، المقرب من زعيم الجماعة الحوثية وأحد المخططين الإستراتيجيين لسياستها، عن سقف المطالب الحقيقية للجماعة المدعومة من إيران التي دأبت على وضع اشتراطات جديدة في كل جولة مباحثات والتنصل من التزاماتها أمام الوسطاء الإقليميين والدوليين.
وتزامنت تصريحات الفيشي مع زيارة قام بها المبعوث الأميركي الخاص إلى اليمن تيم ليندركينغ، التقى خلالها بمسؤولين في مجلس القيادة الرئاسي والحكومة اليمنية واختتمها بلقاء مع وزير الدفاع السعودي الأمير خالد بن سلمان بن عبدالعزيز، تم فيه “بحث مستجدات الأوضاع على الساحة اليمنية، واستعراض الجهود المشتركة لدعم سبل التوصل إلى حلّ سياسي شامل للأزمة اليمنية”، وفقا لمصادر إعلامية.
وفي تصريح لـ”العرب” حول الجديد الذي قد تمثله التحركات الجديدة للمسؤولين الدوليين من أجل منع انهيار مسار التسوية السياسية في الأزمة اليمنية، اعتبر الباحث السياسي ورئيس المرصد الإعلامي اليمني رماح الجبري أن “جولة المبعوث الأميركي ومثله المبعوث الأممي كسابقاتها لا تحمل جديدا سوى المزيد من الضغط على الحكومة الشرعية والتحالف، لكونهما الطرف الأكثر ليونة وقابلية للاستجابة، في الوقت الذي تتصلب فيه الجماعة الحوثية وترفض تقديم التنازلات التي تثبت جديتها في التوجه نحو السلام”، مشيرا إلى أن تعنت الحوثي “يواجه بعجز مستغرب من قبل المجتمع الدولي الذي يظهر وكأنه عاجز عن إيجاد وسائل ضغط على الجماعة الحوثية ذات فاعلية”.
وأشار الجبري إلى أن المبعوثين الأميركي والأممي يحاولان الاستفادة من ارتدادات الاتفاق بين السعودية وإيران برعاية الصين لتحقيق اختراق في الملف اليمني، فيما تؤكد المؤشرات الأولية أن إيران غير جادة في حلحلة القضايا الخلافية ولم تقدم أي تنازل حقيقي في الملف اليمني يؤكد جديتها في محاولة إيجاد الحلول والدفع بعملية السلام نحو التنفيذ.
وأضاف “تحاول إيران إظهار الميليشيا الحوثية ككيان مستقل غير متأثر بالتوجهات الإيرانية، في محاولة للهروب من تورط طهران في دعم ميليشيات مسلحة نفذت انقلابا في اليمن وتزعزع أمن واستقرار المنطقة. لذلك مازالت إيران في اعتقادي طرفا إقليميا لا يحظى بثقة العالم، وكسب ثقة المملكة العربية السعودية والصين يحتاج إلى تنازلات حقيقية وفعلية والملف اليمني هو الاختبار الأول لهذا النظام”.
وفي أحدث تصريح غربي حول الجهود الدولية لتحقيق السلام في اليمن، قال رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى اليمن الخميس أن جهود السلام تتحرك بطريقة منسقة وحازمة نحو سلام عادل ودائم في اليمن. وفي تعبير عن تراجع فرص تحقيق اختراق في مسار الأزمة اليمنية، أضاف غابريل مونيرا فينالس، في مؤتمر صحفي، “شهدنا تحركات أكثر تفاؤلًا منذ العام الماضي، ولاسيما منذ هدنة وسيط الأمم المتحدة، وهي هدنة انتهت في أكتوبر من العام الماضي، لكن لحسن الحظ استمرت نتائجها إلى حد كبير على الأقل من حيث تجنب أي تصعيد عسكري كبير”.
ووفقا لمصادر دبلوماسية مطلعة تسبب التعنت الحوثي، الذي جاء في أعقاب تنازلات هائلة من قبل الحكومة اليمنية والتحالف العربي، في إحراج الوسطاء الدوليين، وخصوصا مع تصاعد قائمة المطالب الحوثية، والتصعيد العسكري والسياسي الحوثي الذي ترافق مع حرب اقتصادية شاملة أعلنها الحوثيون على الحكومة الشرعية وتسببت في بروز أزمة اقتصادية ومالية خانقة في المناطق المحررة، نتيجة منع الحوثيين توريد النفط والغاز من المحافظات التابعة للحكومة الشرعية وفرض إجراءات عقابية على استيراد البضائع عبر ميناء عدن.
وحول التناقض بين ارتفاع وتيرة الحراك الدولي وزيادة مستوى التصعيد والتعنت الحوثي، اعتبر الباحث السياسي اليمني محمود الطاهر أن ذلك يأتي نتيجة “سعي الولايات المتحدة إلى وقف الحرب وليس إنهاءها”.
وقال الطاهر في تصريح لـ”العرب” إن هذا السلوك الأميركي والغربي عموما في التعاطي مع الأزمة اليمنية “يساهم في تمزيق اليمن إلى دويلات، وعلى المدى الطويل يعزز نفوذ الحوثي”، وهو ما يجعل السلام بالصيغة المطروحة في اليمن “أخطر سلام يتم الحديث عنه في الوقت الحالي، في ظل رفض الحوثي لأي سلام لا يلبي شروطه المجحفة التي باتت ترقى إلى درجة مطالبة الطرف الآخر بالاستسلام”.
وأضاف “زيارة المبعوث الأميركي إلى المنطقة من شأنها أن تمارس المزيد من الضغط لانتزاع تنازلات كبيرة، وهذه التنازلات تساهم في خلق شرعية دولية للحوثي، وهنا تكمن الخطورة، في حين لا نجد ضغطًا دوليًا على الميليشيا الحوثية، حتى من جهة إلزامها بتنفيذ بنود الهدنة الأممية التي لم تنفذ الميليشيا أي بند منها”.
وعن إمكانية تعاطي الحوثيين بإيجابية مع التحركات الدولية الأخيرة تابع الطاهر “الحوثيون دائما يفهمون الرسائل الداعية إلى السلام بطريقتهم الخاصة. ويبدو أنهم فهموا أيضًا التحركات الدولية -وخصوصًا حرص المملكة العربية السعودية على إنهاء الحرب في اليمن وإحلال السلام- على أنها استسلام؛ وبالتالي يعملون على التصعيد في الخطاب الإعلامي والسياسي، وربما قد نجد هناك تصعيدًا عسكريًا خلال الفترة القادمة، نتيجة التراخي الدولي إزاء هذه الجماعة”.
ويحدو اليمنيين أمل إحلال السلام منذ أن وقَّعت السعودية وإيران بوساطة الصين في 10 مارس الماضي اتفاقا لاستئناف علاقتهما الدبلوماسية، ما ينهي قطيعة استمرت سبع سنوات بين البلدين الفاعلين في الملف اليمني.العرب