درس الرياض لأميركا… الواقعية وتنويع الشراكات
كلما بالغت واشنطن في مطالبة حلفائها بما ليس في مصلحتهم القيام به تعلمت درساً من الاصطدام مع الحلفاء
رفيق خوري
ليس في الحرب على الإرهاب شيء اسمه الفوز بالضربة القاضية. هي حرب طويلة بلا نهاية تُخاض بالنقاط في كل بلد تقريباً وضد تنظيمات إرهابية متعددة، وإن كان البارز عنوان “القاعدة” و”داعش”. فلا إخراج “القاعدة” من الجغرافيا الأفغانية بحماية “طالبان” على يد القوات الأميركية التي اغتالت زعيمها أسامة بن لادن ثم خليفته أيمن الظواهري أنهى “القاعدة” أو حال دون انتشار خلاياها في بلدان عدة. ولا إخراج “داعش” ودولته الداعشية من جغرافيتها العراقية والسورية حال دون بقاء خلاياه في البادية وداخل المدن، ودون ظهوره في أفغانستان ضد “طالبان” تحت عنوان “داعش خراسان”. كذلك الأمر في اغتيال أبو بكر البغدادي وبقية خلفائه. فكلما خسر”داعش” في الجغرافيا لعب سلاح التاريخ لمصلحته. وكلما تبادلت الدول الاتهامات حول رعاية “داعش” بدا التنظيم الإرهابي كأنه ضرورة لبعض القوى والمخططات بمقدار ما هو مخيف وخطير. وما كان الاجتماع الأميركي – الخليجي الأخير في الرياض ضمن إطار الحرب على “داعش” سوى فرصة للبحث في أمور عدة، وتصحيح سياسات أميركية مشكو منها.
ذلك أن وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن وجد في الرياض فرصة للتركيز على أمور عدة إلى جانب الحرب على “داعش” والإرهاب. ونظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان وجد فرصة لتصويب مفاهيم محددة في سياسات واشنطن. بلينكن قدم صورة معاكسة لصورة الانسحاب الأميركي من الشرق الأوسط بالقول “نحن هنا لنبقى”.
وسجل سلسلة من القضايا للتعاون الأميركي – السعودي إلى جانب الشراكة الأمنية، وهي “الأمن الصحي، والأمن المناخي، وأمن الطاقة، والأمن الغذائي، والانتقال إلى الطاقة النظيفة”. ولم يكتم حرص الإدارة الأميركية على العمل من أجل “دمج إسرائيل في الشرق الأوسط” عبر التوسع في “اتفاقات أبراهام” التي عملت لها إدارة الرئيس السابق دونالد ترمب. ولا تردد في الإشادة بالاتفاق السعودي – الإيراني برعاية الصين والقول “نحن لا نطلب من أحد الاختيار بين الولايات المتحدة والصين”.
والأمير فيصل بن فرحان أكد أن “علاقات بلادنا مع الصين ليست على حساب الولايات المتحدة التي لا تزال لدينا شراكة أمنية قوية معها يتم تجديدها بشكل يومي تقريباً”. وهو كرر الموقف السعودي الواضح الذي “لا يرى فائدة من الانفتاح على إسرائيل من دون تسوية لقضية فلسطين”. وهذا ما كان محل بحث معمق بين ولي العهد الأمير محمد بن سلمان والوزير الأميركي. فالمبدأ الذي جرى تثبيته هو ضرورة تنويع العلاقات. فكما تفاخر أميركا بعلاقات قوية مع أكثر من مئة دولة بينها دول على عداء أو خصام بين بعضها بعضاً، تستطيع الرياض “إقامة علاقات وشراكات متعددة” مع كل من أميركا والصين وروسيا وسواها. وكلما بالغت واشنطن في مطالبة حلفائها بما ليس في مصلحتهم القيام به، تعلمت درساً من الاصطدام مع الحلفاء. درس العودة إلى الواقعية في العلاقات الدولية. وهو الدرس الذي ركز عليه أستاذ العلاقات الدولية في مدرسة بوش للحكومة في تكساس، غريغوري كوز، في مقال نشرته “فورن أفيرز” تحت عنوان “المملكة والقوة: كيف تنقذ العلاقات الأميركية – السعودية”. فهو وصف طريقة بايدن في إدارة العلاقات مع الرياض بأنها “فظة”. ورأى أن على الإدارة التوقف عن الأحلام غير الواقعية حول “التأثير في السياسات الداخلية”، ثم التعامل مع الحليف “كما هو وليس كما ترغب في أن يكون”. وقد استهلكت إدارة بايدن وقتاً طويلاً وثميناً لكي تتعلم هذا الدرس ثم تعلن أنها تعلمته. والصين وروسيا توحيان أنهما تعرفان الدرس جيداً. وغلطة الكبار كبيرة.