صحيفة دولية:الشلل الاقتصادي يغذي استفحال البطالة والفقر بين اليمنيين
ركود المشاريع والأعمال يفاقم معاناة المواطنين وسط آفاق مالية قاتمة.
عدن – عدن اوبزيرفر: تختزل معاناة عمال الأجر اليومي الذين يواجهون البطالة والجوع مع ركود المشاريع بمناطق سيطرة الحكومة اليمنية المدعومة من السعودية، والتي توشك احتياطاتها النقدية على النفاد، مظاهر الكآبة التي أضحى عليها اقتصاد البلاد.
ويواجه البلد حربا أهلية بين قوات الحكومة الشرعية المعترف بها دوليا والحوثيين منذ أواخر عام 2014، مما خلف آثارا مدمرة على المواطنين في كل مناحي الحياة، وتفاقمت محنهم أكثر مع الأزمة الصحية ثم تداعيات الحرب الروسية – الأوكرانية.
ويترصد الشاب الثلاثيني سعيد علي أحمد، وهو جالس على رصيف بأحد الشوارع الرئيسية في عدن العاصمة المؤقتة للبلاد، وصول أي شخص يطلب عمالا لاختياره، على أمل أن يجني بعضا من المال يستطيع به توفير أبسط احتياجات أسرته.
وإلى جانب الشاب أحمد يفترش المئات من العاملين بالأجر اليومي الأرصفة منذ ساعات الصباح الأولى حتى المساء بالمدينة الساحلية وغيرها من مدن البلاد. ويجلسون في أماكنهم المعتادة حاملين معدات العمل في مجالات مختلفة كالبناء والسباكة والحفر.
وأكد أحمد الذي يبلغ 35 عاما لوكالة رويترز إنه يخرج يوميا في الصباح الباكر بحثا عن عمل. وأشار إلى قلة فرص العمل المتاحة أمامه خلال الفترة الماضية وهو واقع لم تشهده المدينة من قبل.
وأوضح أن نشاط المقاولات وشركات البناء لم يتوقف على الإطلاق، إلا للضرورة القصوى ولفترات قليلة جدا، حتى وقت قريب في عدن مع تدفق المغتربين من الخليج للاستثمار وإنشاء مشاريع وإقامة منازل خاصة بهم.
وكان أحمد حينها يتنقل للعمل بشكل متواصل من منطقة إلى أخرى في ظل ازدهار حركة العقارات وأعمال البناء، لكنه قال إنه “منذ العام الماضي تغير الوضع وازداد سوءا العام الجاري”.
وتشير تقديرات البنك الدولي إلى أن واحدا من كل عشرة أشخاص في اليمن يعتمد على تحويل الأموال لتلبية الاحتياجات الأساسية.
وقال الباحث المتخصص في الشؤون الاقتصادية وحيد الفودعي لرويترز إن “عمّال الأجر اليومي يعانون من صعوبات هائلة بسبب الحرب الدائرة في البلاد وتداعياتها الكارثية على مختلف الأصعدة وما نتج عنها من تضخم وفقدان الريال اليمني لقيمته الشرائية”.
وأوضح أن الركود الاقتصادي أثر على هذه الفئة بشكل كبير سواء من ناحية محدودية فرص العمل أو من ناحية عدم القدرة على إدارة احتياجاتهم اليومية وتلبية متطلباتهم من مأكل ومشرب وإيجار ودواء وغيرها، مما أدى إلى تفشي البطالة والفقر.
ويقول عبدالوهاب أحمد (40 عاما) الذي يعمل في البناء في منطقة الشيخ عثمان بعدن، لرويترز إنه يكابد يوميا من أجل توفير لقمة العيش لأسرته المكونة من سبعة أفراد.
ويروي أنه كان يعمل كل أيام الأسبوع في السابق ويجني أسبوعيا ما بين 150 و200 ألف ريال (150 دولارا)، لكنه يعمل حاليا يوما أو يومين ويحصل على أقل من نصف ما كان يجنيه من قبل.
وعزا ذلك إلى الركود الكبير في قطاع البناء والعقارات بعدن، فضلا عن الإجراءات الحكومية المعقدة للحصول على تراخيص البناء في بلد يعاني من تداعيات الحرب لسنوات.
وتقدر مصادر محلية وأخرى نقابية أن عدد العمال الذين تأثروا بشكل مباشر جراء استمرار الصراع بالبلد، المصنف أحد أفقر الدول العربية، يصل إلى أكثر من تسعة ملايين.
كما تشير بيانات رسمية صادرة عن وزارة الصناعة والتجارة إلى خروج أكثر من نصف المنشآت الصناعية عن الخدمة وتوقفها عن العمل منذ اندلاع الحرب، وأن أكثر من 65 في المئة من العاملين بمنشآت القطاع الخاص تم تسريحهم.
وأرجع محمد مصطفى ياسين المهندس المعماري والمقاول في عدن حالة الركود إلى وقف البناء في الأراضي غير المرخصة وعدم إيجاد حلول لها.
وقال إن “المباني من دور أو أكثر في أراض غير مرخصة يُمنع الآن البناء فيها، فضلا عن دفع رسوم باهظة لإخراج تصاريح بناء للأراضي الرسمية، وابتزاز ودفع مبالغ خارج إطار الرسوم القانونية بهدف إنجاز المعاملة”.
وأصدر محافظ عدن أحمد حامد لملس قرارا في أواخر 2021 يقضى بتشكيل وحدة أمنية للتدخل بمشكلات الأراضي والبناء العشوائي.
وعُهد لهذه اللجنة إيقاف العمل في أي مخططات غير صادرة عن هيئة الأراضي وعقارات الدولة والتخطيط العمراني، وكذلك منع البناء والتشييد دون تراخيص.
وأكد سكان في عدن أن هذه الإجراءات زادت من معاناة عمال الأجر اليومي والمواطنين على حد سواء، فبدلا من أن تكون هذه الإجراءات عاملا مساعدا لتيسير عمليات البناء على السكان، أصبحت تثقل كاهلهم وتحملهم أعباء مالية إضافية.
وعزا مسؤول بوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل في عدن تراجع الأعمال الحرة وتوقف العشرات من المشاريع الخدمية والتنموية للحكومة، كإنشاء الطرقات وبناء المدارس والمستشفيات وغيرها، إلى توقف تمويلات البنك الدولي وعدد من الدول المانحة.
وأكد وزير الشؤون الاجتماعية والعمل محمد سعيد الزعوري خلال الدورة 111 لمؤتمر العمل الدولي والتي عقدت الأسبوع الماضي في جنيف أن معدل البطالة زاد إلى 60 في المئة أغلبهم من الشباب.
وقال “رصدنا فقدان عشرات الآلاف من المواطنين لأعمالهم، في المقابل زادت نسبة عمالة الأطفال وسط انهيار العملة اليمنية وعجز الحكومة عن دفع رواتب الموظفين بسبب قلة المساعدات والتمويلات الدولية”.
ووفقا للبنك الدولي، يحتاج نحو 21.6 مليون شخص في اليمن إلى شكل من أشكال المساعدات الإنسانية في عام 2023، مع وجود 19 مليون مواطن إما في أزمة من الأزمات، أو في حالة من حالات الطوارئ، أو في مستويات كارثية من انعدام الأمن الغذائي.
واستطاعت الأمم المتحدة جمع 1.2 مليار دولار فقط من أصل 4.3 مليار دولار ضرورية لمواجهة هذه الأزمة.
وتشير تقديرات صندوق النقد الدولي بعثة المؤسسة إلى اليمن الأسبوع الماضي إلى أن التضخم في أسعار الغذاء وصل إلى 45 في المئة خلال العام الماضي.
وأدت الحرب إلى خسارة اقتصاد البلاد نحو 126 مليار دولار، في واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية والاقتصادية بالعالم، حيث يعتمد معظم السكان البالغ عددهم نحو 32 مليونا على المساعدات.العرب