ادب وثقافةغير مصنف

قراءة في كتاب “نساء عدن: تنوير وتحرير” للأستاذة سعاد العلس


Sina Yemen

وأخيرا أكملتُ قراءة كتاب “نساء عدن: تنوير وتحرير” للأستاذة سعاد العلس. هذا الكتاب حقا لا يمكن قراءته في جلسة واحدة، ولا اثنتين، ولا حتى ثلاث، بل يحتاج إلى محطات ومحطات.

كانت سياحة للزمن الماضي، ولا أستطيع أن أدعي بأنني سررت تماما بهذه الرحلة، فقد كانت رحلة شاقة، ولأنني عرفت بأن نضال تلكم النسوة لم يقابل بالشكل الذي يليق بنضالهن، ولحزني على مصيرهن بعد الاستقلال، واحدة تلو الأخرى.

لن أطيل، فنحن في زمن العجلة والاستهتار بالكلمة، ولذلك أريد فقط أن أقدم بضعة تعليقات أو أسئلة، بغرض المشاركة مع الكاتبة، وليس بغرض الانتقاد أو الصدام.

قرأت فقرة أو بالأصح قطعة من التاريخ، لو لم يكن في الكتاب سواها، لكفتني. كررتها مرتين، وثلاث، حتى دمعت عيناي، فهذه هي عدن التي أعرفها، عدن الأصيلة والوفية، عدن المحبة والمنصفة. في صفحة (29) وردت الحقيقة التالية:

….. وازدادت حدة المطالب بعد إقرار بريطانيا دستور المجلس التشريعي عام 1955م، والذي يعطي المواطن العدني الذكر حق المشاركة بالانتخاب، واستثنى من ذلك (أبناء الشمال القاطنين في عدن) و(المرأة).

هل سكت أبناء عدن؟ .. لا .. هل سكتت المرأة؟ .. لا .. بل أُعلن عن تأسيس الجبهة الوطنية الداعية الى مقاطعة الانتخابات، وذلك لمواجهة سياسة التمييز في المواطنة، وانضمت المرأة إلى الصفوف، ولم تهتم إلى سقوط حقها كما اهتمت باستثناء أبناء الشمال.

إلى كل حاقد ومغرض ومن يغذي الشقاق، أقول: ما رأيك في هذا التاريخ؟ ويأتي بعدها أقوام ويقولون أن المرأة لا تصلح إلا للمطبخ والفراش! ما أقبحكم!

وعلمت من سطور هذا الكتاب أيضا أن جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية كانت من أوائل الدول العربية التي وقعت على الاتفاقية الدولية لإلغاء كافة أشكال التمييز ضد المرأة وذلك في العام 1984م. سؤالي: هل لا تزال هذه الاتفاقية سارية بعد أن توحد اليمنين؟

يقول الأكاديمي والمفكر العراقي د. عبد الحسين شعبان في مقدمة الكتاب (ص 10): أن الباحثة (أ. سعاد العلس)، وحين تبتعد الأحداث، أو يرحل الكثيرون إلى العالم الآخر، أو توهن ذاكرتهم، حاولت معالجة ذلك من خلال مقارنات (لسرد) تاريخي لعدد من النساء، لتستخلص ما هو مشترك وأقرب إلى الحقيقة. وأن هذه الطريقة أُتبعت لحفظ التاريخ قديما، ولحفظ القرآن والأحاديث النبوية، عبر السرد (الشفوي) والذاكرة، إذ لا يوجد تدوين كتابي أو تاريخ مكتوب، يمكن الرجوع إليه.

اختلف تماما مع الدكتور فيما يتعلق بمسألة حفظ القرآن وتدوينه. فالذي لا يعرفه الدكتور أن القرآن الكريم كان يتم تدوينه أولا بأول جنبا إلى جنب حفظه في الذاكرة، كان في البداية يُدوّن على الجلود والعظام، وبعدها ومع تطور الوسائل، على الرقائق حتى وصل التدوين على الورق في مراحل متقدمة. لقد حرص الخلفاء الراشدين، بل وفي زمن الرسول(ص)، على التدوين الكتابي لكتاب الله خشية ضياعه.

وفي صفحة (12) يقول د. عبد الحسين: …… فإن سعاد كانت تنقب من خلال بحثها عن الجديد وغير المطروق، ………. بتسجيلها سرديتها (الخاصة) حتى وإن كانت من بين السطور، في طريقة (اعتقدتْ أنها أقرب إلى الواقع). لماذا (اعتقدتْ)؟ في الواقع، لا أفهم!

أيضا، لماذا لم يأت ذكر “خورمكسر” عند الإشارة إلى المدن التي تتكون منها عدن، بشقيها الشرقي والغربي؟ (ص 18 – الفقرة 5).

ونأتي في الأخير إلى القضية القديمة الجديدة، الأزلية الأبدية، وهي حجاب المرأة. شعارات كثيرة، وآراء كثيرة، ولعلها تتفق في دعوة واحدة وهي خلع الحجاب لأنه يعمل على حجب العقل. هذه القضية، وكلما فُتح ملفها، اختلف الناس وتصارعوا كالديكة، وخرجوا بأكوام من الشتائم والاتهامات، ولذلك لا أريد أن أكون اليوم ديكا كسابق الديكة، لكني أقول:

هناك نسوة غير محجبات، وعقلهن سطحي وتافه. أي أن السفور لم يسدي لهن أي معروف في توسيع أفقهن وفكرهن. وهناك نسوة يرتدين الحجاب، ومع ذلك عقولهن فذة، وفكرهن يسابق زمانهن. قطعة القماش لا شأن لها بعقل المرأة وفكرها، بل في نظري أن المتسبب الحقيقي في تخلف المرأة وانحدارها وإعاقتها من أن تكون شخص فاعل ومؤثر في المجتمع والانسانية هو الأسرة، التربية، المجتمع، فإما أن ترفع الأسرة من شأن المرأة وتبني ثقتها بنفسها، وإما تسحقها وتحاربها وتقصيها.

وأعقب على ما نشرته الأخت حواء في شأن الحجاب، وأقول لها: أختي، لقد اختلط الأمر عليك، فأرجو تصحيح المصطلح، فتارة تتكلمين عن الحجاب بالمفهوم المتعارف عليه وهو تغطية كامل بدن المرأة ما عدا وجهها وكفيها، وتارة أخرى أجدك تتحدثين عن حجب المرأة في البيت ومنعها من الخروج والمشاركة في المجتمع. نحن أمام مصطلحات ثلاثة: الحجاب – الاحتجاب – الحجب، ولعلك كنت تعنين وتدافعين عن فكرة التصدي لحجب المرأة قسرا وتحت مسميات متعددة كالعادات والتقاليد والقوامة وغيرها.

أستاذتي العزيزة: سعاد العلس
شكرا جزيلا على الكتاب، تأليفا وإهداءً. تقلبتُ أثناء قراءته ما بين الفخر والاعتزاز بما قدمته تلك النسوة، وما بين الغضب من استبداد المحتل البريطاني، وما بين الحزن والأسف لمصير تلك النسوة في آخر مطاف النضال. الكتاب الناجح هو الذي يقلب مشاعر القارئ بين هذا الشعور وذاك، ويحرّض فكره، ويحثه على مزيد من البحث، وقد وُفقت أستاذتي بكتابك هذا، فشكرا جزيلا لك.

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى