مقالات

مربعات التحرك العماني في المنطقة


العمانيون دبلوماسيون أذكياء. على مدى سنوات طويلة، يتحركون خلف الستار لتحقيق اختراقات لهم ولغيرهم. الاتفاق النووي الأميركي – الإيراني من المحطات المهمة في هذه الدبلوماسية، ولكنها ليست المحطة الوحيدة. قد يكون الاتفاق قيد التعليق الآن، لكن مع تغير المزاج الأميركي تجاه الخليج، ومحاولة إيران إتقان رسم الابتسامة على وجه حضورها في الشرق الأوسط، من الممكن أن يعاد تأهيل الاتفاق. مرة أخرى، من الوارد أن يلعب العمانيون الدور الأهم في “إعادة تشغيل” الاتفاق.

الدبلوماسية العمانية لا تعمل منفردة. ثمة أجهزة أمنية مؤازرة تمهد لها العمل. إقليميا، يبدو أن لهذه الأجهزة يدا فاعلة، خصوصا في ما يتعلق بدول الجوار. فإلى جانب دول التحالف وإيران وقطر، تبدو عمان اللاعب الهام المنسي في حرب اليمن. الوفود العمانية التي تزور صنعاء أو المسؤولون العمانيون الذين يلتقون الحوثيين في مسقط، ليسوا من الوجوه الدبلوماسية المعروفة، مما يشير إلى طبيعة مهامهم في ملف معقد من هذا النوع.

لعل القراءة الملحوظة لزيارة سلطان عمان هيثم بن طارق آل بوسعيد لمصر وبعدها إيران، تكشف شيئا عن الخطوات العمانية القادمة، والنظرة لطبيعة الأزمات في المنطقة. الأزمة مع إيران تتركز في مربعين. الأول، في الخليج سواء في حرب اليمن أو التحريض الطائفي. والثاني، في الامتداد الإيراني إلى سوريا، مرورا بالعراق للاتصال بمستعمرة حزب الله في لبنان. المساهمة الإيرانية في حماس هي امتداد لهذا المحور، وهو محور إيراني مهم إذ يقدم التبريرات لحركة إيران في المنطقة على أنها مواجهة لإسرائيل.

لا نعرف بالضبط هل تم تقسيم الحركة الدبلوماسية العمانية على هذا الأساس الجغرافي. كان من الضروري إقناع الإيرانيين بعدم جدوى أي مواجهة مع مصر. مصر تواجه إيران لفظيا منذ سنوات، لكنها لم تتحرك عمليا للقيام بأي شيء يعرقل الحركة الإيرانية بالمنطقة. العجز المصري متميز لدرجة أن الصواريخ والمسيرات الإيرانية تتسلل من الحدود المصرية – الفلسطينية على مدى سنوات من دون أن تتمكن السلطات المصرية من إعاقتها. ومن الصعب القول إن لمصر مصلحة في توفير مثل هذه الأسلحة لحماس في غزة كي تضغط على إسرائيل أو كي تبقى وسيطا فاعلا بين الفلسطينيين والإسرائيليين، لأن هذا يعني قصورا كبيرا في فهم طبيعة الولاء الفلسطيني لإيران. زر إطلاق الصواريخ نحو إسرائيل من غزة موجود في طهران، وليس في أي مكان آخر.

زار السلطان هيثم القاهرة واستمع للمصريين. وخلال أسبوع كان في طهران ليلتقي المرشد الأعلى علي خامنئي والحصول على إشارة إيجابية بأن لا مشاكل إيرانية مع مصر. هذا المربع البعيد في جغرافيا الحركة الإيرانية يمكن أن يركن الآن لوقت آخر وظروف أخرى.

من المؤكد أن لا فرصة لعمان للتدخل في الحركة الإيرانية على خط العراق – سوريا – لبنان. طهران تنظر إلى الخط كامتداد إستراتيجي ووصول انتظرته طويلا إلى البحر المتوسط. الميليشيات الولائية في العراق وسوريا وحزب الله في لبنان لا تستمع إلا إلى طهران، ولا مجال لعمل دبلوماسي أو أمني، خصوصا وأن دول الخليج تبدو متقبلة لما يحدث هناك بعد أن أصبح أمرا واقعا. الأريحية في التعامل الخليجي مع حكومة محمد شياع السوداني في العراق وعودة الرئيس السوري بشار الأسد إلى العالم العربي، تشيان بأن البلدين يتدبران أمر علاقاتهما مع إيران من دون تدخل يذكر من العرب والخليج. موضوع حزب الله في لبنان أكثر من محسوم.

يبقى الاختبار إذا هو كيف ستتعامل عمان مع الإيرانيين في ما يخص علاقتهم بالخليج. لا شك أن العمانيين مع الاستقرار الأمني في دول مجلس التعاون. لا يمكن تصور أن ترضى مسقط عن استهداف الأسر الحاكمة في الخليج من قبل مجموعات سياسية طائفية توالي إيران. أجهزة الأمن العمانية نفسها تدرك خطورة أن تسعى طهران للتأجيج على أساس طائفي، لأن عمان نفسها رصدت خلال السنوات الماضية حملة تبشيرية إيرانية للتغيير الطائفي في البلاد. العمانيون المعروفون بتسامحهم الديني، ينظرون بقلق لما يحدث من دون أن يعمدوا إلى المواجهة لا مع مواطنيهم ممن قرروا تغيير مذهبهم، ولا مع من يحرك خيوط الحملة في طهران.

إنه اليمن إذا؛ هناك يبقى المحك في التعامل بين الخليجيين وإيران، وما يمكن أن تفعله عمان في هذا الصدد.


لا بد من الإشارة إلى أن لعمان مصالحها الأمنية والسياسية الخاصة في اليمن. الفوضى التي نتجت عن سقوط حكم الرئيس الراحل علي عبدالله صالح وصعود قوة الحوثيين واجتياحهم للبلاد واشتعال الحرب بينهم وبين التحالف العربي، كلها قضايا مقلقة للعمانيين. ولفترة – وربما إلى الآن – هم لاعبون أيضا في الأزمة. أمام كاميرات الإعلام وفود الوساطة العمانية فاعلة في صنعاء، ولكن ليس سرا عسكريا أن النشاط الاستخباري العماني وصل إلى ذروته في المهرة وحضرموت. الجوار الجغرافي يفرض نفسه على أي جهاز أمن مسؤول.

منطقة الخليج سائرة في ترتيب أوراقها مع إيران. لا توجد مشاكل إيرانية مباشرة مع الإمارات والكويت، وتبدو الأمور على أفضل حالاتها مع قطر. صور اللقاء السياسي الرفيع في بكين بين السعوديين والإيرانيين والحديث عن دعوات لزيارات على أعلى المستويات بين البلدين، يوفران مادة للتهدئة السياسية والإعلامية بين البلدين. تهدئة تتيح للسعودية إعدام بحرينيين بتهم أمنية بعد أن دربهم حزب الله، من دون ردود فعل تذكر من طهران. هذه نفسها طهران التي فعلت ما فعلت يوم إعدام الشيخ نمر النمر. البحرين لن تخرج عن دائرة التهدئة هذه.

الاختراق العماني في علاقة الخليج مع إيران لو حصل، فسيكون في الملف اليمني. فالأمور تبدو وهي تسير لصالح الحوثي. الإخوان يستثمرون في الأزمة مع الجنوبيين، وثمة بين الأطراف الإقليمية تسابق على الاستثمار في هذه القوات وتلك. هذا يترك الحوثيين أمام فرصة تثبيت حكمهم بلا منازع في الشمال. وعلى عكس مستعمرة حزب الله في لبنان، فإن الحوثيين يمسكون بزمام مقاليد الدولة هناك، ويهددون بوجودهم منطقة الخليج والجزء الجنوبي من البحر الأحمر.

هل الاختراق سيكون بتقبل الخليج حقيقة أن إيران وصلت إلى باب المندب؟ لا شك أن إيران تنظر لحكم الحوثيين في اليمن كمحطة تشبه محطة حزب الله في لبنان، سيتم التواصل معها جغرافيا ولو بعد حين. هل بوسع عمان أن تعتبر دورها في هذا التقبل اختراقا بالأصل ونجاحا دبلوماسيا؟

د. هيثم الزبيدي

كاتب‭ ‬من‭ ‬العراق‭ ‬مقيم‭ ‬في‭ ‬لندن

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى