لا وقت للقلق
فاطمة المزروعي
إن الإنسان يعيش يومه في دوامة كبيرة من الأفكار سواء أكانت سلبية أم إيجابية، ولكن السلبية هي التي تؤثر على دوافع الإنسان وحياته ونشاطه وإقباله على الإنجاز والعمل، والأغلب أن الأفكار السلبية لها تأثير على الجسد والنفس.
الأبحاث النفسية تؤكد أن الأفكار والخواطر لها تأثير كبير، فهي تؤثر على مواقفنا الذهنية، وأمورنا الحياتية وطريقة تعاملنا مع الآخرين وعلى حالتنا النفسية، وعلى تحفيزنا للعمل، إن أفكارنا السلبية تسيطر بالفعل على سلوكياتنا، وتسبب لنا الإحباط والقلق والتوتر، وتصيبنا بنوبات هلع وخوف وعدم تركيز، بل قد يدخل البعض في حالات من الاكتئاب والانتحار بسبب أفكار وتخيلات لا معنى لها؟ لماذا لا نحاول التعامل مع أنفسنا بطريقة إيجابية وعمل مثمر مفيد، بدلاً من الاستسلام للسلبية، التي تقتل.
كان السياسي البريطاني ونستون تشرشل يشتغل ثماني عشرة ساعة في اليوم، ولما سئل هل هو قلق من المسؤوليات الضخمة على عاتقه.. قال: «إنني مشغول جداً حتى أن ليس لدي وقت للقلق».
وقد تحدث العالم الفرنسي لويس باستير عن «السلام الذي يجده المرء بين جدران المكتبات أو المعامل»، ذلك أن الناس في المكتبات يستغرقون في المطالعة والبحث وكذلك في المعامل منكبين على التجارب والبحث العلمي، فلا يتوفر لديهم الوقت للقلق، إن الباحثين والعلماء قلما يصابون بانهيار عصبي فليس لديهم الوقت للقلق والخوف، فما السبب الذي يجعل العمل يطرد ذلك القلق؟ السبب هو أن أحد القوانين الأساسية التي اكتشفها علم النفس هو: «من المحال لأي ذهن بشري مهما يكن خارقاً أن ينشغل بأكثر من أمر واحد في وقت واحد»، ليس في استطاعتنا تخيل الشيئين معاً، فليس في استطاعتنا أن نتحمس لعمل مثير ونحس بالقلق في آن واحد، فإنّ واحداً من هذين الإحساسين يطرد الآخر، إن هذا القانون البسيط هو الذي مكّن الأطباء النفسيين من أن يعالجوا الكثير من الحالات القلقة بالانشغال بصيد الأسماك ولعب الكرة والتصوير والاهتمام بالزراعة والحدائق وغيرها، وقد أصبح اسم العلاج الوظيفي من أهم الوسائل التي يستخدمها الأطباء النفسيون كعلاج نفسي، ذلك أن الاشتغال بالعمل يعتبر أعظم مسكن للأعصاب القلقة والثائرة، إننا لا نحس للقلق أثراً، فهناك الكثيرون يفترسهم الفراغ ولا يعرفون كيف يمكن الاستفادة من أوقاتهم.
إن الطبيعة تمقت الفراغ وكل فراغ يتواجد في الحياة يمتلئ من تلقاء نفسه بالهم والشقاء، إن أذهاننا توشك أن تكون خاوية عندما تفرغ من أعمالنا، وهكذا ربما نحتاج لنملأ العقل الفارغ بالعواطف والإحساس.. يقول الأستاذ جيمس مرسل أستاذ التربية بكلية المعلمين بجامعة كولومبيا: «إن القلق يكون أقرب إلى الاستحواذ عليك لا في أوقات عملك وإنما في وقت فراغك من العمل».
وذلك فإن أفضل الطرق للاستعداد للغد أن نركز على قدراتنا لإنهاء عمل اليوم، إنه الطريق الوحيد حتى نودع الخوف والقلق.