كتاب عدن

كيف تقرأ الحكومة تدهور وضعنا المعيشي؟



جمال مسعود
لن يصدق احد بان الحرب وتداعياتها هي وحدها السبب في تدهور وضعنا المعيشي ، فمراحل التدهور الاقتصادي طويلة العهد نجدها في انشغال السياسيين بترتيب الوضع السياسي واركان الحكم وتناسيهم الواجب الاهم الذي عليهم ايضا وهو تثبيت الوضع الاقتصادي واركان معيشة الناس ، وهذا ماغفلوا عنه طيلة الثلاثة العقود الماضية فادخلوا البلد دائرة الفشل والعجز الاقتصادي المستندي فقط ، بينما الارصدة والحسابات النقدية والعينية المتسربة من خزينة الدولة بعناية وتخفي من مكافحة الفساد تشهد تضخما وطفرة نوعية لم تمر بتاريخ الدول في العالم اجمع ،

ان اعداد الاعيان التجارية وليدة اللحظة والغير مرتبطة بتاريخ اي نشاط تجاري طيلة العقود الثلاثة الماضية تزداد بشكل مثير وبطريقة سحرية نقلت اشخاصا وكيانات الى مستوى كبار المكلفين ضريبيا ، فشركاتهم ووكالاتهم التجارية وبنوكهم ، هي اليوم واحدة من اعمدة اقتصاد فقاعي مزاوج بين النشاط التجاري والمنصب الحكومي ، فوكيل حصري هو مسؤول حكومي مدني او عسكري في بعض الاحيان وهذا مريب.

هذا النشاط التجاري الكبير والقفزة النوعية لارصدة تجار الطفرة وحساباتهم البنكية في الداخل والخارج تؤكد بما لايدع مجالا للشك بان البلد لديها مخزون نقدي ضخم جدا ، ثم تدعي الحكومة وجود عجز كبير في الموازنات تتم مناقلته عاما بعد آخر ، بوجود تناسب طردي ببن ارتفاع ارصدة الاموال للافراد والمؤسسات وزيادة نشاطهم التجاري وبين حصة الدولة من الضرائب والواجبات الزكوية وغيرها ، فكيف تقرأ الحكومة وضع المعيشة المتدهور منذ سنوات ..؟ وكيف يترجم الخبراء والمختصون ويفهم المراقبون قياس النسبة والتناسب المختل.

ان تداول النقد يفوق الخيال في شراء القات والاثاث والكماليات والسيارات الحديثة وبناء وبيع وشراء الفلل والعمارات وتشييد المشاريع العملاقة للاسواق التجارية والمطاعم الراقية والمتنزهات داخل البلد وخارجها ؟ وبالمقابل تنعدم الخدمات والشعب يتجرع مرارة العوز والفاقة ويستقيم في طوابير التسول ينتظر ماتقدمه المنظمات من هبات ومساعدات يضلل بها الرأي العام

وياترى كيف تقرأ الحكومة حجم التسجيل التجاري في الغرفة التجارية للكثير من الاسماء التجارية المستحدثة والمضافة الى قوائم الاستحقاقات الايرادية للضرائب والواجبات.. اليس في اتساع دائرة النشاط التجاري وارتفاع نسبة التداول النقدي في الاسواق مؤشر ايجابي يبين حجم الدخل المرتفع للفرد في الدولة بوجود حركة تجارية في توسع منقطع النظير.

مالا يفهمه احد هو صمت الحكومة ازاء هذا الانحراف الاقتصادي وخروجه عن اهداف التنمية والجدوى الاقتصادية في البلد وعدم مساهمته في تعزيز حجم موارد الدولة .. فكيف يفسر هذا النشاط التجاري وفي اي باب يتم تصنيف ارتفاع ارصدته وحساباته ..؟

اليس لدى الحكومة ترجمة لهذا التناقض والخلل.. فكم هي نسبة النقد المتداول يوميا في السوق خارج اهداف التنمية الاقتصادية . فعلى سبيل المثال.. يفترض كحد ادنى انه يتداول مانسبته 1000ريال يوميا في القات لعدد تقريبي 6 مليون شخص يتعاطى القات مايعني ان ٦ مليار ريال يصرف يوميا في القات ويقابله ٦ مليار تصرفه للوقود والاتصالات والتواصل و٦ مليار تنفقه في التغذية والولائم والضيافات والسفريات ليصل تقريبا مايتداول نقدا في السوق يوميا مبلغ ١٨ مليار ريال يوميا ويتوقع انه اكثر من ذلك بكثير، وهو في الميزان الاقتصادي انفاقا ضخما يعبر عن ازدهار اقتصادي في البلد لامثيل له ، وسيولة نقدية تعطي صورة مغايرة لمستوى دخل الفرد المرتفع بشكل كبير جدا يصيب الدول الداعمة بالحيرة فكيف لها ان تدعم شعب ينفق في الكماليات والمتعة والكيف اكثر من 15مليون دولار يوميا ، لكن ما من شيء حقيقي على الارض ولا ينعكس ذلك على الوضع الاقتصادي المتعارف عليه دوليا في موازين ومعايير الاقتصادات الحكومية في الموازنات العامة للدول ،

فما الذي يدور في البلد اقتصاديا ومنذ سنوات ماقبل الحرب ..؟ وما هذا الغموض والاضطراد النسبي وعدم القدرة على تحديد ماهية اقتصاد الدولة وشخصيته .. اهو ادارة اقتصادية ناجمة عن دراسات وتقارير ام هو استهلاك واستنزاف متسارع ومتعمد وخلل نتج عنه عدم سيطرة وكما يقال في السوق حساب البقالات

يتداول الكثيرون ان لدى الدولة عجز بالمليارات تسبب بحرمان الشعب من الحياة الكريمة بينما هي في وضعية لايظهر منها ذلك ف. !! فكيف تفسر الحكومة الانفاق على ادواتها واحتياجاتها بما لايقل عن مستوى الانفاق الراقي والرفاهي لاعضاء حكومات الدول الاكثر والاعلى نموا اقتصاديا فلا فارق البتة بين مسؤول حكومي محلي واخر في دولة غنية ولهذا تسقط اموال الدولة وحساباتها في القمائم المتعفنة للفساد ، فبامكان الحكومة تقنين الانفاق والتزام معيار التقشف ورصد هذه المليارات واكثر منها بكثير من خلال جمع القمامات المالية المتسخة بالفساد والاختلاس والتسرب النقدي والمالي من خزينة الدولة المخرومة من كل الجوانب واعادتها الى الصندوق الذي لم يجد امينا له حتى يومنا هذا ، حينها تستطيع الحكومة ان تساهم بتقديم مساعدات غذائية للدول الفقيرة والاشد فقرا

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى