الأكاديميون البؤساء
د. عمر كرامة سويلم
المعلمون والأساتذة الأكاديميون يتجدد عذابهم يومياً في هذا البلد بجزاء سنمار، البناء الذي
بنى قصراً جميلاً رائعاً فجوزيَ على بناءه بأن يهلك سنمار ويبقى القصر، ولقد لفتني وأنا أتابع منشورات الزملاء ومساهماتهم على وسائل التواصل الأجتماعي قصتان أعاد توجهيهما أحد الأصحاب الكرام في مجموعتنا الأكاديمية في كلية الحقوق
تحكي الأولى عن قصة السَّير ( الحزام) المقطوع لأحد الزملاء من الأساتذة الجامعيين، وتحكي الثانية عن مصير كبش العيد اُستعد لإحضاره مبكرا أحد الزملاء الأساتذة بزمن طويل قبل العيد.
فالأستاذ الجامعي الأول صاحب السير المقطوع كاد أن يفضحه سيره المقطوع -الذي لم يستطع شراء بديلٍ امام طلابه فقد خشي ان يسقط سرواله داخل الحرم الجامعي، ولولا تطوع زميلين آخرين من الأساتذة لكان سروال زميلنا ذو السير قد وقع منه وبدا عارياً من سرواله في الحرم الجامعي ، وأما زميلنا صاحب الكبش فقد كان فرحاً جذلاً مسروراً بإستعداده المبكر للعيد وبإحضاره الكبش ومتابعة تربيته وسمنه وما إن قرُبَ العيد وبلغ الكبش حداً يفرح أستاذنا إلا وأصابته عينٌ حاسدة ومَرِضَ الكبش وتعثر نموه حتى مات فتحولت فرحته إلى حزنٍ شديد فهو يعلم أنه لا يستطيع شراءكبشٍ للعيد
كماهو حال كثير من زملاءه الأساتذة الجامعيين، وما عليهم أن يتدبروا للعيد دجاجاً يحزنوا به أسرهم بدلاً أن يفرحوهم.
وحال هذين الأستاذين الكريمين تتكرر فينا جميعُا نحن الأكاديمين، فأنني أنظر إلى حالي وحال من أعرفهم من زملائي كيف يداري وضعه مع ثيابه المقطعة، وحذاءه المنبجع او المقشر، وجواربه المخرقة، وطعامه الناشف، وشرابه المر، وعيشه وحاله المنغص جميعه ، فلكل أستاذ منَّا قصة…
فيوم ما تداركني الوقت على الوصول إلى المحاضرة في وقتها وكان وقت المحاضرة بعد أذان العصر مباشرة فقلتُ أصلي مع أهل بيتي جماعةً ثم انطلق إلى المحاضرة، وكان عليّ أن أؤمهم في الصلاة، وتجوزت وبقيت في بلوزتي الداخلية التي تحت القميص، وقد كانت مقطوعة قطعاً محترماً يبدو منه ظهري واضحاً فسألتني ابنتي كيف تلبس هذه وهي مقطوعة هكذا ياأبتي ، فقلت لها: ألم تري إلا هذه فانظري إلى حذائي ، انظري إلى جواربي المخرقة ، انظري إلى سروالي الذي مرّت عليه أكثر من ثمان سنواتٍ بعمر الحرب اليمنية ولم استطع تجديده
كل هذا أعاني منه ولكنك لم تلتفتي إلا للذي بدا لك من هذا البلوز مع أداء الصلاة
وأعلمي أنني لست وحدي بمثل هذه الحال ولكن معظم زملائي مثلي ولكنهم عن حالهم هذا ساكتين ، ثمَّ ذكرتني بمشكلة السكن التي نعاني منها، وكيف تخلّت الجامعات عن تسكين منتسبيها.وأخرجتهم من المساكن التي كانت تستأجرها لهم .
كل هذه المعاناة يعانيها الأستاذ الجامعي ولا يبالي بها أحد من مسؤولي الحكومة الذين ربما كان الأغلب منهم طلاباً لهم أو من زملاءهم ،
ولكن عقوق التلاميذ وفجور الزماله قد زاد حدة هذا الزمان وأني احسب أنَّ في داخل كل أستاذ جامعي جان فالجان كبير شخوص( فيكتور هوجو)في روايته البؤساء، إذ ان الأستاذ الجامعي قد يلجأ مضطراًإلى سرقة رغيف الخبز ، ثم يعاقب عليه، ويسجن ، ثم يحاول التخلص من السجن ليفعل الخير، ولكنه قد لا يستطيع فهو قد صار مجرما بسرقة الرغيف .
وقبل ان اختم حديثي عن معاناة الأكاديميين ، أود ان اروي لكم صورة مما شاهدت أثناء دراستي العليا في العراق عندما كان هذا البلد محاصرا من أعداءه في عهد الرئيس الشهيد صدام حسين ، فعلى الرغم من الحصار المطبق على هذا البلدإلا أن الحكومة العراقية لم تألوا جهدا في توفير محتاجات شعبها الصابر، فقد. وهبت كل عائلة من الشعب العراقي حصة تموينية شهرية تحتوي على جل مايحتاجه المواطن من غذاء وكماليات، وقد بدا شيئا عاديا من الحكومة إذ انه يقع في مقدمة اولويات الحكومة ، ولم. تحرمنا الحكومة العراقية نحن الطلاب العرب من مثل هذه الحصة ، ولكن غير العادي هو مافعلته الحكومة العراقية مع الأساتذة الجامعيين العراقيين فقد وهبت كل واحد منهم. قطعة أرض مجانية كما أنني رأيتهم يذهبون بالتناوب إلى خياطين كانت. الحكومة قد حددتهم ليأخذوا مقاسات. الأساتذة ليحصل كل أستاذ على بدلة رسمية يظهر بها أمام طلابه وأمام الآخرين ، فانظروا كيف بدأ اهتمام هذه الحكومة العراقية الشريفة في هذا الوقت العصيب الذي تعيشه بلدهم بتتبعها لمحتاجات شعبها والأساتذة الجامعيين والمعلمين على وجه الخصوص .
فإلى الخشب المسندة في حكومتنا اليمنية ، وإلى كل من لديه سلطة ونفوذ إلى متى تريدوا أن تسيروا بالبلد في هذا الطريق.الكارثي فليس البؤساء هم الأكاديميون فحسب
بل كل الناس سواكم بؤساء ، ايها المتسلطون على هذا الشعب إلى متى ؟ إلى متى؟ متى؟!!!” كل هذا ؟
اللهم إنّي قد بلغت اللهم فاشهد.
د/عمر كرامة سويلم