ما وراء تنحّي علي شمخاني “النجم الصاعد” في الدبلوماسية الإيرانية؟
عدن اوبزيرفر-كشفت شبكة “سي إن إن” الإخبارية الأمريكية، اليوم السبت، الأسباب الحقيقية التي أدت لتنحي أمين المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي شمخاني عن منصبه، بعد أن كان “نجما صاعدا” في الدبلوماسية الإيرانية.
وبحسب “سي إن إن”، وجد شمخاني نفسه، في مارس (آذار) الماضي، على الصفحات الأولى لأهم وسائل الإعلام العالمية، عندما ظهر وهو يصافح وزيراً سعودياً بعد التوصل لاتفاق تاريخي توسطت فيه الصين.
وأضاف التقرير ، “تلك اللحظة ربما كانت الأكبر في مسيرة علي شمخاني من الناحية الدولية، وفي نفس الوقت، ربما كانت الأخيرة. فبعد 3 أشهر تقريبا من ذلك الاجتماع، تم استبداله، حيث أفادت وسائل إعلام إيرانية أن شمخاني استقال هذا الأسبوع من منصبه الذي استمر فيه 10 سنوات كرئيس للمجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني”.
وحل محل شمخاني جنرال غير معروف من الحرس الثوري الإيراني، والذي يقول محللون إنه “يتمتع بخبرة قليلة خارج المجال العسكري”.
نجم صاعد
ولفت التقرير إلى أن شمخاني كان اسماً بارزاً في جميع أنحاء الشرق الأوسط وفي الدوائر الدبلوماسية في واشنطن وأوروبا، وكان “نجماً صاعداً في الدبلوماسية الإيرانية”.
وشغل شمخاني منصب أكبر مسؤول للأمن القومي في البلاد منذ عام 2013، وقبل ذلك لعب أدوارا مهمة، سواء في الحرس الثوري أو وزارة الدفاع.
وعلى الصعيد الدولي، كان الرجل البالغ من العمر 67 عاماً، معروفاً بعمله الدبلوماسي الأخير، وخاصة فيما يتعلق بالملف النووي.
طموح جداً
ويؤكد محللون أن استبداله المفاجئ ليس بالأمر الغريب في إيران، حيث كان من الممكن أن تنتهي فترة ولايته بعد عقد من الخدمة.
ويرى هؤلاء المحللين، أن الظروف المحيطة بعملية تغييره قد تؤشر قلق المرشد الإيراني الأعلى آية الله خامنئي تجاه المسؤولين الذين قد يصعدون في دائرة الضوء، أو يصبحون طموحين للغاية.
يقول المدير المؤسس لبرنامج إيران في معهد الشرق الأوسط في واشنطن أليكس فاتانكا إن “دور شمخاني في الملف النووي الإيراني ربما أثار شعورا بالمرارة لدى الرئيس إبراهيم رئيسي ووزير خارجيته حسين أمير عبداللهيان”.
وأضاف فاتانكا أن “شمخاني تولى إدارة المحادثات النووية على مدار العامين الماضيين، وكانت لديه خلافات مع الرئيس السابق حسن روحاني، وأيضاً لديه مشاكل مع رئيسي وعبد اللهيان”.
وتابع قائلاً: “بالنسبة لرئيسي، كان هناك شعور بأن شمخاني يحصل على كل المجد، عندما يتعلق الأمر بإنجازات السياسة الخارجية الإيرانية، وأبرزها تحسن العلاقات مع السعودية والإمارات”.
وأردف أن “وسائل الإعلام المحلية صورت رئيسي وأمير عبد اللهيان خلال العامين الماضيين كشخصيات تلعب أدوارا ثانوية، مما يظهر شمخاني على أنه صانع القرار الحقيقي”.
وقال فاتانكا إن “هناك عناصر داخل النظام الإيراني ربما شعروا بالحاجة إلى “إسقاطه، لأنه أصبح أكبر من أن يصبح مفيداً لمصلحة الجماعات الأخرى”.
وكذلك، يرى خبراء أن شمخاني كان “طموحاً ولديه خبرة واسعة، اكتسبها من الترشح للرئاسة في عام 2001 إلى تولي مناصب رئيسية في الحرس الثوري الإيراني ووزارة الدفاع” وهي أشياء لا يمتلكها خليفته الحالي.
مكاسب استراتيجية
ومن جانبه، ذكر المحلل الإيراني والمدير التنفيذي لمركز البحوث التطبيقية بالشراكة مع الشرق (CARPO)، عدنان طباطبائي، لشبكة CNN، أن “عزل شمخاني قد يكون له علاقة أيضاً بالسياسات الفئوية في إيران”.
وقال: “من العدل أن نفترض أن القرارات الاستراتيجية التي اتخذت في المجلس الأعلى للأمن القومي مثل الانفراجة في العلاقات الإيرانية السعودية لا ينبغي أن تنتهي بالفوز لأي فصيل سياسي”، مشيراً إلى أن الأدوار السابقة التي لعبها شمخاني، مثل منصبه كوزير دفاع سابق ربما سلب صورة المجلس باعتباره من يحقق هذه المكاسب الاستراتيجية.
وبعد فترة وجيزة من تنحي شمخاني من منصبه في مجال الأمن القومي، تم تعيينه كعضو في مجمع تشخيص مصلحة النظام وهو الآن مستشار سياسي لخامنئي، وهو مسار وظيفي يتقاسمه العديد من كبار المسؤولين السابقين، وفقاً للمحللين.
كما تم تعيين الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد، الذي اختلف مع خامنئي، في مجمع تشخيص مصلحة النظام.
وقال سينا توسي، الزميل غير المقيم في مركز السياسة الدولية في واشنطن: “مثل هذا المنصب غالباً ما كان وسيلة لمكافأة مسؤول كبير سابق على خدمته، وإبقائه قريباً من مراكز السلطة”.
وأضاف: “ولكن في حين أن شمخاني قد لا يزال مؤهلاً لشغل مناصب عليا في المستقبل، فإن أهمية دوره الحالي قد تختلف اعتماداً على مدى وصوله أو تأثيره على المرشد ومدى مشاركته في صنع القرار أو عمليات صنع السياسات”.
ومع ذلك، لم يكن صعود شمخاني سلساً، وبصرف النظر عن خلافاته مع أعضاء مجلس الوزراء الرئيسيين، فقد ارتبط الرجل أيضًا ببعض الفضائح، بما في ذلك علاقاته مع علي رضا أكبري، وهو مواطن بريطاني إيراني مزدوج الجنسية أعدمته السلطات الإيرانية هذا العام، بتهمة التجسس والفساد.
وقال توسي إن أكبري اتهم مع أبنائه بالفساد، وهي مزاعم استخدمت في الماضي “لتهميش أفراد أو فصائل”.
من هو خليفة شمخاني؟
استبدل شمخاني بالعميد في الحرس الثوري علي أكبر أحمديان الذي يتوقع محللون أنه سيكون “أكثر طاعة وأقل طموحاً”.
ويرجح الزميل غير المقيم في مركز السياسة الدولية في واشنطن سينا توسي السبب في اختيار أحمدي لهذا المنصب “لأن خامنئي يثق به كقائد عسكري مخلص وخبير يمكنه تنفيذ رؤيته وجدول أعماله”.
ويضيف توسي أن “خبرة أحمدي في استراتيجية الدفاع والحرب البحرية قد تكون مفيدة أيضاً بالنسبة لخامنئي”.
وقال طباطبائي إن أحمديان هو أولاً وقبل كل شيء “خبير استراتيجي أمني وعسكري”، وتعيينه قد يهدف إلى “نزع تسييس” الحسابات الأمنية وصنع القرار في مجلس الأمن القومي، الذي يعد أعلى هيئة أمنية في إيران، ويضم شخصيات رفيعة لعبت أدوارا دبلوماسية مهمة.
ما الذي يتوقع أن يتغير؟
ونقل التقرير عن محللين قولهم: إنه “من غير المتوقع أن يتغير الكثير عندما يتعلق الأمر بسياسات الأمن القومي الإيراني، وأن الانفراجة في العلاقات السعودية الإيرانية التي قادها شمخاني من المرجح أن تظل كما هي”.
ولكن البعض يثير تساؤلات حول مصير الاتفاق النووي، الذي كان شمخاني يتعامل معه على مدار العامين الماضيين.
وكانت المفاوضات لإحياء الاتفاق النووي المبرم عام 2015، المعروف رسمياً باسم خطة العمل الشاملة المشتركة (JCPOA)، متوقفة عن العمل منذ عام 2021، بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاقية في عام 2018 في عهد الرئيس دونالد ترامب آنذاك.
وتوقفت المحادثات العام الماضي وتوترت العلاقات بين إيران والغرب بعد أن بدأت طهران في تزويد روسيا بطائرات مسيرة لتستخدمها في حربها على أوكرانيا.
وأضاف التقرير، أنه “ليس من الواضح ما هو الموقف الذي سيتخذه أحمديان من الاتفاق النووي، لكن الخبراء يشيرون إلى أن سياسات مجلس الأمن القومي لا يتولى تشكيلها الأمين وحده، وأن أحمديان من المرجح أن يسعى للحصول على توجيهات أعلى في التسلسل القيادي”.24
وقال طباطبائي: “يبقى أن نرى ما إذا كان علي أكبر أحمديان سيكون حاضراً في العلن مثلما كان علي شمخاني في العام الماضي على وجه الخصوص”، بحسب التقرير.