ماذا يعني سقوط باخموت في أيدي روسيا؟
عدن اوبزيرفر-بعد قتال شرس استمر 224 يوماً للاستيلاء على مدينة باخموت شرق أوكرانيا، أعلن قائد مجموعة “فاغنر” الروسية، يفغيني بريغوجين، اليوم السبت، سيطرة قواته بالكامل على المدينة، وقد ظهر بمقطع فيديو وهو يرفع العلم الروسي، وخلفه رجاله، من قلب المدينة شبه المدمرة، بينما قال الجيش الأوكراني إن “القتال في المدينة لا يزال مستمراً”.
وفي مقطع الفيديو، قال بريغوجين وهو يقف إلى جانب رجال مسلحين أمام مبانٍ مدمرة: “في 20 مايو (آيار) 2023، تمت السيطرة على باخموت بالكامل.. من منزل إلى منزل”، ويمكن سماع دوي الانفجارات من مسافات بعيدة خلال حديث بريغوجين في المقطع المصور.
وأضاف أن قوات “فاغنر” ستبدأ مغادرة باخموت في 25 مايو (آيار)، وستسلم المدينة للجيش الروسي، مؤكداً: “قاتلنا في باخموت وحدنا، وليس كما جاء في بيانات وزارة الدفاع الروسية.. قواتنا خاضت معارك في باخموت بشكل طوعي حفاظاً على مصالح أمتنا”.
ويأتي ذلك فيما نفى الجيش الأوكراني سيطرة “فاغنر” الروسية على باخموت بالكامل، وقال المتحدث باسم الجيش الأوكراني في عمليات الشرق سيرهي تشريفاتي إن “القتال لا يزال مستمراً ومركزه في باخموت”.
وأشار المتحدث إلى أن “باخموت تظل الهدف الرئيسي المعتمد لدى الجانب الروسي ومجموعة (فاغنر). يجلبون وحدات محمولة جوا ووحدات بنادق آلية، وكذلك بعض الوحدات الخاصة”، مضيفاً “فقدت القوات الروسية 92 قتيلاً و156 جريحاً في باخموت خلال يوم واحد”.
ولكن نائبة وزير الدفاع الاوكراني غانا ماليار اعتبرت أن الوضع على الارض يظل “حرجاً” بالنسبة الى القوات الأوكرانية، وكتبت على تيليغرام “الوضع حرج، في الوقت نفسه يسيطر مدافعونا على بعض المنشآت الصناعية والبنى التحتية في المنطقة”.
الهدف الرئيسي الكبير
وشهدت باخموت قتالاً هو الأعنف منذ بدأت روسيا هجومها العسكري على أوكرانيا، أواخر فبراير (شباط) من العام الماضي.
وباتت باخموت، بسبب أهميتها الاستراتيجية، رمزاً للصراع بين موسكو وكييف، حيث يسعى كلا الطرفان للسيطرة على هذه المنطقة الصناعية في شرق البلاد، فماذا يعني الانتصار الذي طال انتظاره للرئيس الروسي فلاديمير بوتين؟
تقع مدينة باخموت الاستراتيجية في الشمال الشرقي لمنطقة دونيتسك، وعلى بعد حوالي 13 ميلاً فقط من منطقة لوغانسيك، وتمثل المنطقتان معاً إقليم دونباس، الذي تعتبر السيطرة عليه بالكامل الهدف الرئيسي الكبير للرئيس بوتين، الذي اختص “تحرير الإقليم” بجانب كبير من التركيز خلال أحاديثه عن سير “العملية العسكرية الخاصة”، وهو التوصيف الروسي للحرب في أوكرانيا.
ومدينة باخموت التي كان عدد سكانها 70 ألف نسمة قبل الحرب، دُمرت إلى حد كبير خلال القتال، الذي خلّف أيضاً خسائر بشرية فادحة لدى الجانبين، بحسب “فرانس برس”.
وبحسب التقارير، فقد دُمّر أكثر من نصف مباني باخموت، كما أنّ الجسر الذي يمرّ فوق النهر الصغير الذي يعبر المدينة لم يعد أكثر من مجموعة متشابكة من الألواح الخشبية والإطارات والمنصّات النقّالة.
وقال مستشار وزارة الدفاع الأوكرانية يوري ساك لشبكة “سي إن بي سي” في مارس (آذار)، إن “باخموت لم تعد مدينة كبيرة، بل تحولت إلى أطلال، وتم تدمير كل مرافقها. هناك بضعة آلاف من الأشخاص يعيشون في ملاجئ تحت الأرض، لكنها تبقى مدينة مهجورة. لذلك، لا أعتقد أن هناك أي قيمة للمدينة من الناحية الاستراتيجية حتى بعد سقوطها في يد القوات الروسية”.
ووفقاً لشبكة “سي إن بي سي”، فإن السيطرة على باخموت أصبحت تحدياً مهماً بالنسبة لمجموعة فاغنر، التي تريد أن تثبت كفاءتها للكرملين ووزارة الدفاع الروسية في هذه المعركة التي استمرت منذ الصيف الماضي.
موقع استراتيجي
وعلى مدى الأشهر الماضية أصبحت باخموت تحديداً الهدف الرئيسي للهجوم الروسي في الشرق، نظراً للموقع الاستراتيجي للمدينة من جهة، ولأن السيطرة عليها تعني الكثير بالنسبة لتمركز الروس في إقليم دونباس بشكل عام، فالمدينة تقع في مفترق طرق شرقاً نحو حدود لوغانسك ومن ناحية الشمال الغربي نحو سلوفيانسيك والجنوب الغربي نحو كوستيانتنفيكا.
وتعتزم روسيا استخدام باخموت بعد السيطرة عليها كمركز لوجستي، تنقل من خلاله الإمدادات إلى قواتها في المنطقة، ما سيساعدها على دفع خط المواجهة نحو عمق أوكرانيا.
وتدرك أوكرانيا أن روسيا تعتزم استخدام باخموت كنقطة إمدادات للتقدم أكثر نحو مدن أخرى في شرق أوكرانيا، وفرض السيطرة الكاملة على دونيتسك، وبالتالي فإن مخاوف أوكرانيا تتمثل في أن يؤدي الاستيلاء على باخموت إلى السماح للروس بالتقدم أكثر، وبذلك فإن حسم السيطرة على باخموت يعني تأمين خطوط الإمداد للقوات الروسية، استعداداً للزحف نحو مزيد من أراضي الإقليم.
نجاح طال انتظاره
ويؤكد مراقبون، أن السيطرة على المدينة يمثل نجاحاً طال انتظاره للقوات الروسية، وكذلك الحصول على قيمة إستراتيجية محدودة، فهي لديها طرق مهمة لأجزاء أخرى من منطقة دونيتسك، وإذا تمكن الروس من الاستيلاء على الأرض المرتفعة إلى الغرب من المدينة، فستكون المدن الصناعية القريبة تحت رحمة مدفعيتهم، ومن غير الواضح إلى أين ستعود القوات الأوكرانية بالضبط إذا انسحبت من المدينة.
وهو أمر مهم أيضاً لقائد مجموعة “فاغنر”، الشهير بلقب “طباخ بوتين”، الذي كان حريصاً على إظهار أن رجاله يستطيعون تحقيق انتصارات، مع الاستيلاء على سوليدار والآن باخموت.
وعلى مدى الأسابيع الماضية، واصلت القوات الروسية السيطرة تباعاً على الطرق المؤدية إلى مدينة باخموت. فبدلاً من الاندفاع نحو مركز المدينة مباشرة، اختارت مجموعة فاغنر الإحاطة بالمدينة عبر قوس ممتد من ناحية الشمال.
تكلفة باهظة الثمن
والمعركة للسيطرة على باخموت المدمرة والتي شكك خبراء في أهميتها الاستراتيجية، هي الأطول والأكثر دموية في النزاع، وتكبد الجانبان خسائر كبيرة فيها.
ويقول محللون إن “روسيا استنفدت الكثير من القوى البشرية خلال معركة باخموت”، وأشار الخبراء في معهد دراسات الحرب (ISW)، إلى أن الاستيلاء على باخموت “ضروري ولكنه غير كافٍ للتقدم” في منطقة دونيتسك.
وبالفعل، تكبدت “القوات الروسية خسائر فادحة في القتال من أجل السيطرة على المدينة. وبالتالي، فإن خسارة باخموت ليست مصدر قلق عملياتي أو استراتيجي كبير لأوكرانيا”، بحسب تقارير عن الحرب.متابعات