في الذكرى الـ75 للنكبة… على بريطانيا الاعتراف بدورها
لا يقتصر دور المملكة المتحدة في تهجير الفلسطينيين على ما قامت به خلال القرن العشرين
ليان محمد الجمعة
اليوم، في ذكرى النكبة، نستذكر مرور 75 عاماً من الصدمات النفسية المستمرة التي يعيشها الفلسطينيون حتى يومنا هذا.
واليوم أفكر في أجدادي الذين هجروا قسراً في مايو (أيار) 1948 من منزلهم في حيفا، فلسطين، على يد الميليشيات الصهيونية، ليصبحوا لاجئين في لبنان.
اعتقد أجدادي، شأنهم في ذلك شأن آلاف الفلسطينيين الآخرين الذين رحلوا قسراً في النكبة، بأنهم سيعودون إلى ديارهم بعد مضي أيام قليلة، ربما أسابيع أو بضعة أشهر على أبعد تقدير. لكن على رغم مرور 75 سنة، ما زالوا يعيشون في مخيم برج الشمالي للاجئين في جنوب لبنان، بانتظار ممارسة حقهم في العودة إلى ديارهم.
شكلت النكبة نقطة البداية لعملية مستمرة من سلب الممتلكات والعنف والاستعمار الاستيطاني ما زال وقعها الشديد ملموساً حتى يومنا هذا. قامت دولة إسرائيل على تهجير الفلسطينيين قسراً. وحتى يومنا هذا، ترفض الحكومة البريطانية الإقرار بهذا الواقع ولا تزال طرفاً متواطئاً في عملية قمع الفلسطينيين، اليوم، كما كانت منذ 75 عاماً.
وفي هذا اليوم، من الضروري أن نتذكر دور بريطانيا التاريخي في الكارثة التي فرضت على الشعب الفلسطيني، عائلتي ضمناً. على بريطانيا الاعتراف بدورها المتواطئ في قمع الفلسطينيين، والذي يعود إلى إعلان بلفور في عام 1917.
لم تكن لندن شاهدة بريئة، بل سياساتها الخارجية هي التي أرست أسس النكبة وتبعاتها اليوم.
لم يقتصر دور بريطانيا في تهجير الفلسطينيين بما فعلته في القرن العشرين.
ومن المهم جداً أن تعيد الحكومة البريطانية تقييم سياستها تجاه إسرائيل وتحرص على ألا تمكن أو تؤيد انتهاكات القانون الدولي وحقوق الإنسان.
على رغم التصريحات المتكررة لوزير الخارجية جيمس كليفرلي بأن المستوطنات الإسرائيلية على أراضي الضفة الغربية “غير شرعية بموجب القانون الدولي”، لم تكتف الحكومة البريطانية بحماية المسؤولين المباشرين عن استمرار استعمار الأراضي الفلسطينية، بل وصل بها الحال حد الدفاع عن سلوك إسرائيل ومنحها دعمها الدبلوماسي وعرقلة كل الجهود الرامية لتحميل إسرائيل مسؤولية أفعالها.
لم تكن النكبة واقعة تهجير واحدة، بل هي عملية متواصلة وهي السبب الذي جعلني أنا، الفلسطينية-البريطانية، أبصر النور وأترعرع في المملكة المتحدة.
لقد ورثنا عن أجدادنا مهمة تثقيف الآخرين بشأن النكبة في مواجهة المحاولات الإسرائيلية لمحو تاريخنا. بصفتي فلسطينية من الجيل الثالث الذي يعيش في الشتات، هذا واجبي، وسرد هذه القصص لن يتوقف يوماً.
منذ سنتين، شنت إسرائيل عدواناً عسكرياً جديداً واسع النطاق على قطاع غزة، والأسبوع الماضي، شهدنا تجدد الهجمات الإسرائيلية على الفلسطينيين في المنطقة نفسها.
سجل مايو 2021 أعمال عنف تعد من أشد ما واجهه الفلسطينيون في السنوات الأخيرة، كما شهد أكبر تظاهرة مؤيدة لفلسطين في تاريخ بريطانيا. وهناك، أخبرت قصة أجدادي لأكثر من 180 ألف شخص يهتفون عبارات دعم ويلوحون لي بالأعلام الفلسطينية.
تعكس تجارب أجدادي تجارب ملايين الفلسطينيين العاجزين عن العودة إلى ديارهم. والوحدة التي رأيتها في ذلك النهار جعلتني أؤمن بأننا الجيل الذي سيتمكن من منح أجدادنا فلسطين حرة وحق العودة.
كل يوم، نرى التبعات العنيفة للعجز عن معالجة هذا الظلم التاريخي. بالنسبة إلينا نحن الفلسطينيين، تشكل النكبة جرحنا المفتوح الذي لم يندمل، والصدمة النفسية التي نعاني منها منذ عشرات السنين ونتوارثها جيلاً بعد جيل لا تزال مستمرة.
في هذه الذكرى الهامة، وفي وقت تتسارع وتيرة سلب الفلسطينيين أملاكهم، من الضروري أكثر من أي وقت مضى أن نستذكر النكبة، ليس فقط من باب الحزن والحداد عليها، بل من باب مقاومتها.
ليان محمد ناشطة فلسطينية بريطانية في حقوق الإنسان مقيمة في لندن
© The Independent