كتاب عدن

الرياض طرف أم وسيط؟




مصطفى النعمان
من الواضح الآن أن الجهود السعودية والانخراط العماني يسعيان مجتمعين إلى إقناع الأطراف اليمنية بالجلوس إلى طاولة المشاورات (رويترز)

جاءت الزيارات التي قام بها السفير السعودي محمد آل جابر إلى صنعاء والمحادثات المكثفة التي أجراها مع جماعة “أنصار الله” الحوثية تتويجاً لجهود مشتركة مع سلطنة عمان المستمرة والصبورة، مدفوعة برغبة سعودية جادة في إغلاق ملف الحرب.

ولم تكن المرة الأولى التي تجري فيها اتصالات مباشرة بين الرياض و”الجماعة”، فقد سبقتها لقاءات نتجت منها تفاهمات موقتة لمنح الفرصة لمساعي المبعوثين الأمميين السابقين، ومن الواضح الآن أن الجهود السعودية والانخراط العماني يسعيان مجتمعين إلى إقناع الأطراف اليمنية بالجلوس إلى طاولة المشاورات.

وما كان ممكناً حدوث هذا التطور الإيجابي لولا التقارب السعودي – الإيراني الذي شرع الأبواب لتهدئة أشمل وأوسع في نطاقها الجغرافي ومداها الزمني، تظهر تأثيراته المباشرة حالياً في الخليج وشبه الجزيرة العربية، مما سيسمح بالتركيز على مشاريع التنمية الضرورية والاستثمار الذي يحتاج إلى مناخ مستقر بعيد من أخطار الحروب.

من المستغرب أن التقارب السعودي – الإيراني والاتصالات العلنية بين الرياض و”الجماعة” تثير قلق الذين يتناسون أن الدول ليست جمعيات خيرية، وأن السياسة لا تسير في خطوط مستقيمة، وأن لها تعرجات تحدد كل عاصمة مساراتها بما يحفظ مصالحها الوطنية وأمنها الداخلي والقومي، والأكثر مدعاة إلى السخرية هو مواصلة بعضهم حملات لترهيب الرياض وتوصيفها بمظهر الضعف واتهامها بالسذاجة وأنها لا تدرك أخطار وقف الحرب، وأنها عاجزة عن الدفاع عن حدودها وأراضيها.

في شهر مارس (آذار) 2016 كتبت في صحيفة “عكاظ” السعودية تعليقاً على المحادثات في ظهران الجنوب قلت فيه “قد يكون من الباكر الحديث عن التوصل إلى اتفاق يتمناه اليمنيون لاستعادة السلم والسكينة في بلادهم بعد عام كامل تمكن خلاله الحوثيون من الاستيلاء على مؤسسات الدولة وإحكام سيطرتهم على مواردها، وأن ’الجماعة‘ استكملت دورة الأخطاء الكارثية بتجاوز أهمية حسن الجوار، ثم أكدت أن “المملكة وتحديداً خادم الحرمين الشريفين لن يفوت أية فرصة سانحة لوقف الحرب والبدء بإعادة البسمة إلى شفاه اليمنيين الذين أضرت بهم المغامرات التي لم تحسب عواقبها، وإن كل خطوة إيجابية ستقابل بأضعافها”.

لقد أكدت وكررت منذ بدايات الحرب أن الرياض وعلى رغم دورها الرئيس فيها ستظل قادرة على لعب الدور الإيجابي المأمول الذي يعيد الأمور إلى نصابها بما يحفظ مصالح اليمنيين والسعوديين والمنطقة كلها، وقلت مراراً بأنها الأكثر تأثيراً وتأثراً بما يدور في اليمن، وهذا أمر لا يمكن إهماله والتغافل عنه، لأنه ليس رغبة يمكن التنازل عنها أو استبدالها بجوار جغرافي آخر، ووضع كهذا يلقي بمسؤوليات عظيمة على السعودية ويستدعي منها استخدام كل مخزونها السياسي وإرثها المعنوي لوضع حد نهائي للحرب بالتعاون مع سلطنة عمان.

أخيراً كان تصريح السفير آل جابر صادقاً في تعريف دور بلاده المقبل، إذ قال إن “لا شيء واضح، ونأمل بإذن الله أن يجد اليمنيون مخرجاً في أسرع وقت ممكن”.

مثل هذه الكلمات توضح بجلاء أن الرياض انسحبت تماماً من ميدان المواجهات العسكرية، وأن الحل العسكري لم يعد مطروحاً في ذهن القيادة السعودية، وستكون مهمتها المقبلة هي السعي إلى ردم الهوة التي أحدثتها الحرب، وهي مهمة غير سهلة لأن الواقع الذي أنتجته الحرب غيب القيادات النزيهة والقادرة على أن ترتفع فوق الجراحات والالآم التي خلفتها السنوات التسع.

وفي هذا الإطار تقع المسؤولية الأكبر أخلاقياً ووطنياً على عاتق قيادات “الجماعة” لإظهار جديتها في التعامل الإيجابي مع الدور السعودي المسنود بالجهد العماني، ولأجل هذا فإن عليهم تقديم التنازلات المريرة ووقف سيل الإجراءات غير المنطقية المتسارعة التي تعقد الترتيبات المتعلقة بالرواتب والإيرادات، والابتعاد من الإصرار على التباطؤ في فتح الطرقات التي تخنق حركة الناس وبخاصة في تعز، وقبل كل هذا أن تقتنع بالتحول من منطق الجماعة المسلحة إلى منطق الدستور والقانون، وبمقدورها أيضاً مواصلة اللجوء إلى استخدام القوة والسلاح وسيلة للحكم، ولكن التاريخ ينبئنا بأن أية سلطة تعتمد عليهما سيصيبها الوهن والضعف، وحينها سيكون مصيرها دامياً مهما بلغت قوتها.

الطرف الثاني في المعادلة، وهي “الشرعية”، لا شك في أنها مصابة بالهزال وعدم القدرة على تحسين أدائها، وأظهرت عجزاً فاضحاً في معالجة أوضاع المواطنين مكتفية بأخبار المسؤولين وصورهم وأخبار سفرياتهم التي لا يعود أي منها بالنفع على البلاد.

ومن الضروري أن تعي “الشرعية” أنها لا تحمل من عوامل القوة إلا مقدار ما يقدمه لها ويرغب فيه الإقليم والمجتمع الدولي، كما أن عليها التخلي عن التشبث بما تقول إنه المرجعيات الثلاث التي لا يمكن الاستعانة بها قبل أن تبرهن على قدرة في إدارة الشأن العام، وأن تبدي استعدادها للاقتراب من الناس والنزول إليهم في المحافظات كافة التي لم يزرها رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي منذ تعيينه في الـ 21 من أبريل (نيسان) 2022، مكتفياً بجولات خارجية مريحة ولكنها غير مجدية، ولقاءات لا يشعر الناس بجدواها، وهو ما كان اليمنيون ينتقدون الرئيس هادي عليه.

ومن المحتم أن الدور السعودي – العُماني سيواجه مقاومة من الأطراف اليمنية، لأن الثقة بينهم بلغت أدنى المستويات، كما أنهم يعلمون أن أعباء السلام الوطنية والأخلاقية ومتطلباته أكبر بكثير من أعباء الحرب وكلفها المادية والبشرية، وفي المقابل فإن الرياض ومسقط تدركان عمق الأزمة الإنسانية التي خلفتها الحرب، وتعلمان أهمية وحيوية إنهائها في أقرب الآجال، لأن استمرارها يبقي المنطقة كلها في حال من الاضطراب.

وهكذا لم يعد أمام اليمنيين سوى انتظار ما ستفعله الرياض ومسقط لإنقاذهم من عبث قياداتهم التي لم تتمكن من الارتقاء إلى مستوى المسؤولية التي هبطت عليهم وأنيطت بهم.

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى