التشظي الحوثي أبرز عقبات السلام في اليمن
جلوس الحوثيين إلى طاولة الحوار لا يعني أن السلام بات خيارهم الإستراتيجي بل إن توقيعهم حتى على أي اتفاق لا يعني نهاية الحرب أو أنهم قد ركنوا إلى الواقعية السياسية.
على وقع الانفراجة السياسة الكاذبة التي شهدها الملف اليمني في الأيام الماضية؛ توالت التصريحات المتفائلة من قبل المبعوثين الأممي والأميركي إلى اليمن، وكذلك تصريحات سفراء ومسؤولين غربيين قالوا إن اليمن لم يكن أقرب إلى السلام كما هو اليوم. وهي عبارة تحمل في طياتها الكثير من الأماني والقليل من الواقعية.
ومن يعرف تاريخ المشاورات والاتفاقات السياسية في اليمن يدرك أن العقبات التي كانت تعترض طريق أيّ تسوية حقيقية مازالت على حالها، وجلوس الحوثيين إلى طاولة الحوار لا يعني أن السلام بات خيارهم الإستراتيجي، بل إن توقيعهم حتى على أيّ اتفاق لا يعني نهاية الحرب أو أنهم قد ركنوا إلى الواقعية السياسية، وهو المشهد الذي تكرر مرارا وتكرارا في تاريخ اليمن المعاصر بدءا من العشرات من الاتفاقات التي أبرمها الحوثيون مع الدولة خلال حروب صعدة ومرورا بمؤتمر الحوار الوطني واتفاق السلم والشراكة ووصولا إلى مشاورات الكويت واتفاق ستوكهولم.
في كل تلك المراحل بدا السلام قريبا كوميض يلوح في نهاية نفق معتم، أو هذا ما ظنه الوسطاء المتفائلون قبل أن يقتربوا من نهاية هذا النفق الموحش ليتبين لهم أنه نفق بلا نهاية وشيكة، فيما لم يكن ذلك الضوء سوى شمعة كان قادة الميليشيات يتدارسون على ضوئها الخافت خطة التصعيد العسكري القادمة على أعقاب السلام الزائف الذي سحروا به أعين خصومهم وخدعوا به المجتمع الدولي.
ولا يبدو رفض الحوثيين للسلام موقفا عبثيا، بقدر ما هو نابع من ظروف وحقائق موضوعية تتضافر مع عوائق كثيرة تعترض طريق السلام الوعر في اليمن، وعلى رأس تلك العوائق طبيعة الجماعة الحوثية وخلفياتها العقائدية وشبكات المصالح المالية والأيديولوجية التي تشكلت في مركز الجماعة خلال سنوات الحرب، وأنتجت طبقة جديدة من المتنفذين، وولدت العديد من التيارات والأجنحة التي يبدو للوهلة الأولى أنها تتبادل الأدوار بينها على وقع أيّ حوار سياسي، فيرفع تيار سقف مطالب الجماعة إلى عنان السماء، في الوقت الذي يعقد الطرف الآخر اتفاقا مرنا لكنه لا يجد طريقه إلى التنفيذ، في متلازمة باتت من سمات الحوثيين في تعاطيهم مع الحوارات والاتفاقات السياسية.
ومن يعرف خلفيات أطراف الصراع في اليمن على وجه الدقة، يدرك أن الحوثيين ليسوا كتلة واحدة، كما يبدو للمراقب من بعيد، وليست لديهم قيادة مركزية للجماعة كما يبدو للوهلة الأولى، والصورة المكبرة تكشف عن جسم حركي مسلح يموج من الداخل بالكثير من التيارات والأجنحة السياسية والعقائدية والعسكرية، بالتوازي مع الكثير من شبكات المصالح والنفوذ ومراكز القوى التي تشكلت خلال السنوات الماضية، والتي تخوض صراعا كبيرا غير معلن فيما بينها حول السلطة والثروة وتقاسم الإيرادات والسيطرة على مربعات النفوذ الاقتصادي والمالي.
المركز القيادي في الجماعة يخضع كذلك لتقسيمات صارمة، قائمة على أسس سلالية ومناطقية، تدور حول فكرة الأفضلية والحق الإلهي في الحكم. والصراع محتدم كذلك داخل هذه الدائرة الضيقة على زعامة المرجعية الدينية والسياسية بين أسر حوثية شتى ليس عبدالملك الحوثي إلا رأس جبل الجليد فيها. ويترافق كل ذلك مع حالة من الارتباك والتشظي المتفاقم بين زيدية تقليدية تكافح للبقاء واتجاه ثوري إسلامي على طريقة الخميني وثالث اثني عشري إمامي حمله معهم القادمون من قُم وطهران والضاحية الجنوبية. بل إن خارطة التشظي تلك لا تتوقف عند هذه الحد، حيث تتباين الارتباطات الخارجية لقادة الجماعة وتتنوع؛ فقسم يتبع الحوزة الدينية في قم والنجف، وآخر مرتبط مباشرة بالحرس الثوري الإيراني ويتلقى تعليماته منه، بينما يتلقى قسم ثالث توجيهاته من حزب الله إلى جانب شخصيات أكثر براغماتية ومتحررة من التزامات الأيديولوجيا تتلقى أموالا من جهات إقليمية مقابل القيام بأدوار بعينها تخدم أجندات هذه الدول.
صالح البيضاني
صحافي يمني