شؤون محلية

استعادة دولة الجنوب في اليمن… والتحديات


ثمّة حاجة إلى صيغة جديدة للبلد تأخذ في الاعتبار انهيار الوحدة من جهة وفشل تجربة ما كان يسمّى اليمن الجنوبي من جهة أخرى.

وحدة الجنوبيين تقرب من الدولة

خيرالله خيرالله
تبدو الظروف مناسبة، ضمن حدود معيّنة طبعا، للبحث الجدّي في استعادة دولة الجنوب في اليمن، خصوصا أنّ ليس ما يشير إلى تخلي الحوثيين عن الكيان السياسي الذي أقاموه في شمال اليمن.

يبدو قيام الكيان الحوثي، بحدّ ذاته، هدفا لإيران ويبدو مصيره مرتبطا إلى حدّ كبير بتغيير كبير يحصل داخل “الجمهوريّة الإسلاميّة” التي لا تزال متمسكة بمشروعها التوسّعي في المنطقة. هذا يعني أن الكيان الحوثي سيظل قائما، تماما كما حال كيان “حماس” في غزّة، ما دام النظام الإيراني القائم حيّا يرزق.

لا يمكن تجاهل أن عمر الكيان الحوثي اقترب من تسع سنوات، منذ اليوم الذي وضعت فيه “جماعة أنصارالله” يدها على صنعاء في 21 أيلول – سبتمبر 2014. كذلك، لا يمكن تجاهل أنّ عمر الكيان الذي أقامته “حماس” في غزة ستة عشر عاما. لا يوجد من هو قادر على التصدي له، خصوصا في ظلّ “شرعيّة” فلسطينية تشبه “الشرعيّة” اليمنية في أمور عدّة.


ليس ما يشير إلى ذوبان الكيان الحوثي في المستقبل المنظور على الرغم من غياب أيّ مقومات سياسية أو اقتصادية أو حضارية لهذا المشروع الذي جعل لإيران موطئ قدم في شبه الجزيرة العربيّة.

توجد أسباب عدّة تدعو إلى التخوف من المشروع الحوثي في اليمن في ضوء غياب أيّ قدرة حقيقية لـ”الشرعية” على إفشاله. يكشف ضعف “الشرعيّة” ممثلة بمجلس القيادة الرئاسي قدرة الحوثيين على إبقاء سيطرتهم على الشمال اليمني، خصوصا على صنعاء وميناء الحديدة الذي يسمح لهم بوجود على البحر الأحمر.

يصعب التكهن بما إذا كانت ستتوافر في المستقبل ظروف تسمح بتخلص شمال اليمن من القبضة الحوثية في غياب قوى فاعلة تستطيع التصدي لـ”جماعة أنصارالله” من جهة وغياب، أو تغييب القوى، التي تستطيع التصدي لهؤلاء على الأرض من جهة أخرى.

يؤكد ضرورة البحث في إحياء دولة الجنوب ذلك النجاح النسبي الذي حققه مؤتمر الحوار الجنوبي الذي انعقد حديثا في عدن. انعقد المؤتمر بمبادرة من المجلس الانتقالي الجنوبي الذي يرأسه عيدروس الزبيدي عضو مجلس القيادة الرئاسي بمشاركة واسعة من المكونات والشخصيات السياسية الجنوبية. كان المؤتمر، على الرغم من وجود فئات قاطعته، نقطة تحول في مسار الحراك الجنوبي المطالب باستعادة دولة الجنوب، وبداية لحراك سياسي جديد يهدف إلى توحيد الجبهة الجنوبية ومواجهة التحديات المقبلة على الصعيد اليمني ككلّ.

يعتبر ما صدر عن مؤتمر عدن في خطوطه العريضة ظاهرة صحيّة في ظلّ فقدان الأمل من العودة إلى يمن واحد يوما ما. ثمّة حاجة إلى صيغة جديدة للبلد تأخذ في الاعتبار انهيار الوحدة من جهة وفشل تجربة ما كان يسمّى اليمن الجنوبي المستقل منذ العام 1967 من جهة أخرى.

في حال أخذنا في الاعتبار الظروف الموضوعيّة لليمن، خصوصا الأهمّية الإستراتيجية للجنوب وشواطئه، من المشروع محليا، بمعنى الداخل اليمني، وإقليميا التفكير في قيام كيان جنوبي مستقل، أكان ذلك تحت عنوان فيدرالي أو صيغة أخرى. ما يبدو أهمّ من ذلك كلّه تعلّم الدروس من تجارب الماضي القريب والأسباب التي جعلت من دولة الجنوب منذ استقلت في خريف العام 1967 حتى صارت جزءا من دولة الوحدة في أيّار – مايو 1990… دولة فاشلة. كان الفشل على كلّ المستويات، بل كانت السنوات التي امتدت من الاستقلال إلى يوم إعلان الوحدة، سلسلة من الحروب الأهليّة توّجت بالهرب إلى الوحدة.

من هذا المنطلق، يبدو مفيدا توصل مؤتمر الحوار الذي انعقد في عدن إلى إقرار وثائق شملت الإعلان عن الميثاق الوطني الجنوبي والرؤية السياسيّة للمرحلة الراهنة وضوابط التفاوض السياسي المقبل وأسس بناء الدولة الجنوبيّة الفيدرالية. كذلك من المفيد أن يطالب البيان الصادر عن المؤتمر الدول العربية والمجتمع الإقليمي والدولي بـ”احترام تطلعات شعب الجنوب اليمني وحقه في نيل حريته واستقلاله واستعادة دولته”، مع التشديد على ضرورة “تعميق لغة الحوار في المجتمع وتعميمها كأسلوب أمثل لتقريب وجهات النظر وحل أيّ تباينات قد تحدث”، والتوصية بـ”استمرار جهود الحوار الوطني الجنوبي وتعزيز مبدأ التصالح والتسامح ومتابعة تنفيذ مخرجات اللقاء التشاوري”. لكن ما قد يكون مفيدا أكثر العودة إلى أحداث ما قبل 1990 وامتلاك شجاعة دراسة الأسباب التي أدت إلى انهيار دولة الجنوب التي تحولت في مرحلة معيّنة إلى قاعدة سوفييتية في شبه الجزيرة العربية. كان الانهيار الفعلي للنظام في جنوب اليمن في 13 كانون الثاني – يناير 1986 لدى انقلاب علي ناصر محمد (رئيس الدولة والأمين العام للحزب الاشتراكي الحاكم) على خصومه.. أو انقلاب خصومه عليه.


عبّرت ما سمّي “أحداث يناير 1986” عن إفلاس نظام لم تستطع أركانه التفاهم في ما بينها قبل التفاهم مع المحيط العربي. لم يقع النظام اليمني الجنوبي ضحيّة الاتحاد السوفييتي ومشروعه الفاشل فحسب، بل أفقر الجنوبيين أيضا وباعد في ما بينهم وبين الجوار العربي أيضا. كان أخطر ما فعله النظام في الجنوب وقوعه تحت تأثير الحلول الدموية والتصفيات المتبادلة التي ذهب هو نفسه ضحيتها في نهاية المطاف.

الأكيد أنّ من حقّ الجنوبيين استعادة دولتهم. الأكيد أن الظروف في اليمن يمكن أن تساعدهم في ذلك. لكنّ السؤال أيّ دولة يريدون استعادتها وما هي الضمانات التي تحول دون تكرار تجارب الانقلاب على قحطان الشعبي والانقلاب على سالم ربيع (سالمين) وعلى علي ناصر. ما هي الضمانات لعدم تكرار التخلص من رجل مثل محمد صالح مطيع وآخرين غيره؟

هناك سلسلة من التحديات أمام الجنوبيين، في حال كانوا يريدون استعادة دولتهم المهمّة للأمن الإقليمي، خصوصا أنها تسيطر على باب المندب الذي يتحكّم بالملاحة في البحر الأحمر. يبقى التحدي الأكبر في سؤال في غاية البساطة: هل نضج الجنوبيون الذين وقعوا في مرحلة معيّنة تحت سيطرة متطرفين من كلّ نوع استباحوا بلدهم وكانوا جزءا من المأساة التي اسمها “جمهورية الديمقراطيّة الشعبيّة”؟ العرب اللندنية





إعلامي لبناني

مواضيع مرتبطة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى