العرب: مشروع حوثي لضرب القوى الجنوبية اليمنية من الداخل
لا تخلو خطوة الحوثيين في الإفراج عن قيادي عسكري جنوبي بارز بشكل أحادي الجانب، من خلفيات سياسية في سياق مشروع لضرب المكون الجنوبي من الداخل، وخلق المزيد من الشقوق بين القوى الموالية للسلطة الشرعية.
صنعاء –عدن اوبزيرفر: قالت أوساط سياسية يمنية إن إفراج الحوثيين عن قائد بارز في الجيش اليمني، بعد وساطة قبلية، لا يخلو من مناورة، ومحاولة من قبلهم لدق إسفين بين القوى الجنوبية، برعاية من بعض القوى الإقليمية.
وأشارت الأوساط إلى أن اللواء فيصل رجب كان على لوائح تبادل الأسرى بين الحكومة والجماعة الموالية لإيران في الفترة المقبلة، لكن الأخيرة استبقت عملية الإفراج عنه، بغرض التسويق إلى أن السلطة الشرعية ومن خلفها التحالف العربي يتعاطيان بانتقائية مع هذا الملف، وأيضا من أجل تلميع صورتها المشوهة في الجنوب.
وأفرجت جماعة الحوثي، الأحد، عن اللواء رجب بعد احتجازه لأكثر من ثماني سنوات. وجاءت العملية على إثر وساطة قبلية قادها شيوخ من محافظة أبين الواقعة جنوب شرقي العاصمة صنعاء.
وكان وفد مكوّن من شخصيات اجتماعية وشيوخ قبائل من أبين توجه إلى العاصمة صنعاء (شمال) الأسبوع الماضي، للمطالبة بإطلاق سراح اللواء رجب، الذي لم يُطلق سراحه في الدفعة الأولى التي أعلنت عنها الحكومة الشرعية والحوثيون منتصف أبريل المنقضي.
ولاقت الزيارة تباينات واسعة بين اليمنيين، وهناك من اعتبرها محاولة من القبائل للتقرب من الحوثيين، لاسيما مع استشعارها بإمكانية انسحاب السعودية من الصراع المتفجر منذ سنوات في إطار تسوية مع الجماعة الموالية لإيران
وقال رئيس اللجنة الوطنية لشؤون الأسرى لدى جماعة الحوثي عبدالقادر المرتضى، في مؤتمر صحافي الأحد، “بتوجيهات من قائد الجماعة عبدالملك الحوثي، تم إطلاق سراح الأسير اللواء فيصل رجب إكراما لوفد قبائل (محافظة) أبين (جنوب) ومن معها من القبائل التي حضرت إلى صنعاء”.
وأضاف المرتضى “نؤكد لقبائل أبين أن اسم اللواء فيصل رجب لم يكن ضمن صفقة التبادل المقبلة، وما تم نشره من أكاذيب كان هدفه إفشال مسعى الوفد الذي قدم إلى صنعاء”. ويشير المرتضى بذلك إلى تصريحات حكومية أفادت بوجود اسم اللواء رجب ضمن من سيتم إطلاق سراحهم في الدفعة الثانية منتصف مايو الجاري.
وكان المتحدث باسم لجنة التفاوض الحكومية بشأن الأسرى ماجد فضائل قال السبت في تغريدة إن الجانب الحكومي ضغط كثيرا لإدراج اسم اللواء فيصل رجب ضمن الصفقة السابقة، “إلا أن الحوثيين رفضوا إطلاق سراحه”.
وعُرف اللواء رجب، الذي ينحدر من أبين، كأحد أبرز القيادات العسكرية التي خبرت المعارك ضد الحوثيين في محافظتي صعدة وعمران (شمال)، على مدى قرابة عقدين من الزمن.
وفي مارس 2015 وقع قائد اللواء 119 مشاة اللواء رجب في الأسر برفقة كل من وزير الدفاع الأسبق اللواء محمود الصبيحي واللواء ناصر منصور هادي، قائد القوات الخاصة وشقيق الرئيس السابق عبدربه منصور هادي، في بلدة العند شمالي محافظة لحج (جنوب)، خلال قيادتهم معركة ضد قوات الحوثيين.
وفي السادس عشر من أبريل المنقضي، أعلنت الحكومة المعترف بها دوليا، اكتمال دفعة أولى من عملية تبادل أسرى مع الحوثيين، شملت نحو 900 أسير من الجانبين، عقب مشاورات أُجريت بسويسرا في العشرين من مارس الماضي، وشملت هذه القائمة الصبيحي وهادي، لكنها لم تضم اللواء رجب.
وقالت الأوساط السياسية إن عملية الإفراج عن رجب تنطوي على دلالات خطيرة، وتندرج ضمن مشروع تطبيع مبكر مع الحوثيين تقوده بعض القوى الإقليمية، كما أنه جزء من حملة دعاية لتجميل صورة الحوثيين في الجنوب.
وأوضحت الأوساط نفسها أن ما حصل غير تلقائي أو “مكرمة” كما يحاول أن يسوق لذلك الحوثيون، وأن الوفد القبلي الذي زار صنعاء الخاضعة لسيطرة الجماعة الموالية لإيران منذ العام 2014، هو بمثابة “حصان طروادة”، لتفكيك وإرباك المشهد الجنوبي من الداخل، وأنه بداية لمشروع متكامل لنقل عناصر التوتر إلى الجنوب خلال المرحلة المقبلة.
وقال نائب رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي هاني بن بريك إن اللواء فيصل رجب لن يكون حصان طروادة لجماعة الحوثي.
وأضاف بن بريك في تدوينة نشرها على حسابه الرسمي بموقع تويتر “الوفد الجنوبي الذي خرج من أبين إلى صنعاء لفك أسر اللواء فيصل رجب مشكور كل الشكر ونيته سليمة، كما أن فريق المفاوضات وعلى رأسه ياسر الحدي لم يقصر أبدا وبذل المستحيل ليكون فيصل رجب مع الدفعة الأولى، لولا تعنت الحوثي”.
واختتم الشيخ هاني بن بريك تدوينته مؤكدا “ولكن اللواء فيصل رجب لن يكون حصان طروادة للحوثيين”.
ودعا نشطاء تابعون إلى المجلس الانتقالي الجنوبي إلى منع الوفد الحوثي المرافق للواء رجب من دخول أبين. وقال صلاح بن لغبر إن الحوثيين “يجهزون زحفا للمئات من مسلحيهم وقياداتهم لدخول الحدود الجنوبية برفقة وفد (اللاعقين)”. وأضاف بن لغبر “على أبناء أبين العظماء الاستعداد للقصاص وإلى أولياء دم عشرات الآلاف الذين قتلهم الحوثيون: فرصة قد لا تُعوض”.
ورد القيادي في جماعة الحوثي حسين العزي على هذه الدعوات قائلا إن “أبين لا تعيب ولا تخيب واحنا والحمدلله قادمين تلبية لأهلنا في عموم أبين وضيوفنا نحتاج نوصلهم إلى ديرتهم”.
اللواء رجب أحد أبرز القيادات العسكرية التي خبرت المعارك ضد الحوثيين في محافظتي صعدة وعمران (شمال)، على مدى قرابة عقدين من الزمن
وأضاف العزي “وفي النهاية إذا صممتم على العيب بنادقنا فوق ظهورنا وأظنها ما تاكل بلس عادها تقبل المقبوب”.. مخاطبا بن لغبر قائلا “وسبر جهدك يا ضعيف الجهد”.
وتأتي عملية إطلاق سراح اللواء رجب في غمرة جهود إقليمية ودولية مضاعفة للتوصل إلى تهدئة مطولة بين الحوثيين والسلطة الشرعية يجري بموجبها إطلاق مسار التسوية السياسية النهائية، وإن كان متابعون يشككون فعلا في إمكانية بلوغ هذا المسار لخواتيم سعيدة، في ظل تعقيدات المشهد اليمني الراهن.
ورحب المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ بإفراج جماعة الحوثي عن القائد البارز في الجيش اليمني. وقال غروندبرغ في بيان مقتضب “أرحب بإطلاق سراح اللواء فيصل رجب بمبادرة أحادية الجانب من أنصار الله (الحوثيين)”.
ودعا المبعوث الأممي جميع الأطراف إلى البناء على التقدم الذي تم إنجازه في ملف الأسرى والمحتجزين. وطالب غروندبرغ أطراف النزاع بتكثيف جهودها للوفاء بالتزاماتها كما ورد في اتفاق ستوكهولم (2018) بالإفراج عن كافة المحتجزين وفق مبدأ الكل مقابل الكل.
ويعاني اليمن منذ تسع سنوات من حرب بين القوات الموالية للحكومة، المدعومة بتحالف عسكري عربي تقوده الجارة السعودية، وقوات الحوثيين، المدعومة من إيران، والمسيطرة على محافظات بينها صنعاء منذ سبتمبر 2014.
وقبل أسبوعين، أجرى وفد رسمي سعودي مباحثات نادرة مع الحوثيين في صنعاء للاتفاق على وقف دائم لإطلاق النار تمهيدا للتوصل إلى حل سياسي ينهي النزاع.
وتتصاعد بين اليمنيين آمال بإنهاء الحرب منذ أن وقّعت السعودية وإيران، بوساطة الصين في العاشر من مارس الماضي، اتفاقا لاستئناف علاقاتهما الدبلوماسية خلال شهرين، ما ينهي قطيعة استمرت سبع سنوات بين دولتين يقول مراقبون إنهما تتصارعان على النفوذ في المنطقة عبر وكلاء في دول بينها اليمن.العرب