شؤون محلية
هل تخلت إيران عن مشروع تمكين الحوثيين من دولة في شمال اليمن؟
يشكك مراقبون في جدية تصريحات وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان بشأن دعم بلاده لوحدة اليمن، معتبرين أن هذا الخطاب لا يخلو من مناورة، وهو بالأساس رسالة موجهة إلى السعودية.
مسقط -عدن اوبزيرفر لفت اللقاء الذي جمع وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبداللهيان برئيس الفريق المفاوض لجماعة الحوثي محمد عبدالسلام في العاصمة العمانية مسقط أنظار المتابعين، ليس فقط من حيث توقيت هذا اللقاء على أهميته الكبرى بل وأيضا لناحية التصريحات التي أدلى بها المسؤول الإيراني والتي أكد من خلالها على “أهمية الحفاظ على وحدة تراب اليمن”.
وأثارت التصريحات تساؤلات بشأن ما إذا كانت إيران قررت تعديل خطتها في اليمن والتخلي عن فكرة دعم مشروع تمكين الحوثيين من دولة في شمال البلاد؟ أم أن هذه التصريحات ليست سوى للمناورة ومحاولة طمأنة السعودية، في سياق المساعي الجارية لإعادة العلاقات مع المملكة. والتقى عبداللهيان في العاصمة العمانية مساء الثلاثاء عبدالسلام الذي يشغل أيضا منصب المتحدث باسم جماعة الحوثي حيث تباحثا حول أهم المستجدات في اليمن.
وخلال الاجتماع، قيّم وزير الخارجية الإيراني بشكل إيجابي الانفراجات الأخيرة في المجال الإنساني وتبادل الأسرى في البلاد. ومنتصف أبريل الجاري، نفذت الحكومة اليمنية والحوثيون عملية تبادل للأسرى شملت المئات من الأسرى والمختطفين من الجانبين. وشدد عبداللهيان على أهمية وحدة تراب اليمن، مضيفا أن بلاده “ترحب بأيّ مبادرة أو خطة أو عمل يؤدي إلى رفع الحصار عن اليمن، وإقرار وقف شامل لإطلاق النار، وتفاهم بين الجماعات السياسية اليمنية”.
من جانبه أعرب عبدالسلام في الاجتماع ذاته عن تقديره لـ”الدعم الإنساني الذي تقدمه إيران لليمن”، وشرح آخر تطورات الحوار مع السعودية في العاصمة صنعاء، دون تقديم المزيد من الإيضاحات. وأشاد بتأثير التداعيات الإيجابية للاتفاق الأخير بين الرياض وطهران على الأوضاع في المنطقة. وتابع رئيس الفريق المفاوض لجماعة الحوثي “سنستمر في المقاومة والحوار حتى الوصول إلى اتفاق يضمن حقوق الشعب اليمني كله”.
ويأتي لقاء عبداللهيان بعبدالسلام في ظل جهود عمانية مستمرة للتوصل إلى اتفاق تهدئة مطول في اليمن يتم من خلاله بحث سبل التسوية النهائية لصراع مستمر منذ نحو تسع سنوات، وينظر إليه على أن صراع بالوكالة بين طهران والرياض.
وكان وفد عماني رافق مؤخرا وفدا سعوديا إلى صنعاء في زيارة نادرة للأخير حيث التقى بقيادة الحوثيين، وتم خلاله بحث النقاط العالقة، لكن اللقاءات في العاصمة اليمنية لم تسفر على ما يبدو عن اختراق حقيقي، رغم التصريحات الإيجابية للجانبين السعودي والحوثي. وقد اتفق الجانبان على استئناف جولات التفاوض بينهما بعد عيد الفطر، والتي ستكون وفق المراقبين حاسمة لناحية التوصل إلى اتفاق، أو عودة الأمور إلى نقطة الصفر.
ويتمسك الحوثيون بحزمة من الشروط من بينها فك القيود عن النقل الجوي والبحري، وتولي السلطة الشرعية في اليمن دفع رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم، بما يشمل ذلك مقاتليهم، فضلا عن وضع جدول زمني لانسحاب القوات الأجنبية.
وتقول مصادر حكومية إن الشروط الحوثية لم تقف عند ذلك بل شملت أيضا تقاسم موارد الطاقة، وأيضا الإيرادات، وهي تسعى بذلك لرفع ما أمكن من سقف المطالب لتحقيق أكبر قدر من المكاسب وهذا الأمر يجعل من السعودية مترددة في حسم خياراتها.
ويرى مراقبون أن لقاء وزير الخارجية الإيراني بكبير مفاوضي الحوثيين يندرج في سياق بحث الخطوات المقبلة في التعاطي مع التردد السعودي، مشيرين إلى أنه من غير المرجح أن تتخلى إيران عن مشروعها في اليمن، دون حصولها على صفقة مجزية نظير ذلك.
ويشير المراقبون إلى أن إيران قد تطلب من جماعة الحوثي تهدئة خطابها الذي تصاعد في الأيام الأخيرة وإبداء شيء من الليونة، لكن دون أن يعني ذلك تقديم تنازلات، لافتين إلى أن ما يجري هو أشبه بعملية توزيع أدوار بين الجانبين. وقالت مجموعة الأزمات الدولية في تقرير لها مؤخرا إنّ إيران لم تُظهر لغاية الآن استعدادها لتقديم تنازلات حقيقية بالملف اليمني، لاسيما فيما يتعلق بتزويدها للحوثيين بأسلحة متطورة.
وحذرت المجموعة من أنّ الطريق للتوصل إلى حل شامل للحرب في اليمن ما يزال طويلا، وما يزال من غير الواضح إلى أيّ مدى ستساعد الصفقة بين السعودية وإيران التي توسطت فيها الصين في ذلك. وأعلن في العاشر من مارس الماضي عن اتفاق بين السعودية وإيران لاستئناف العلاقات الدبلوماسية بينهما، في غضون شهرين، جاء ذلك بعد لقاءات جمعت الطرفين في بكين.
وكانت السعودية قطعت علاقتها مع إيران في العام 2016 على إثر اجتياح متظاهرين إيرانيين لسفارتها في طهران وقنصليتها في مشهد، على خلفية إعدام رجل الدين الشيعي نمر النمر. ولطالما طغى العداء والتوتر على العلاقة بين السعودية وإيران، وكان الطرفان على طرفي نقيض من معظم الصراعات التي شهدتها المنطقة، وأبرزها في اليمن.
ويعتقد المراقبون أن الملف اليمني سيكون الاختبار الرئيسي لمدى رغبة إيران في المضي قدما في تحسين العلاقات مع المملكة وتجاوز المنغصات. ورجحت مجموعة الأزمات الدولية في تقريرها أن تسلط الأسابيع المقبلة بعض الضوء على آفاق التقدم السياسي في اليمن.
وقال التقرير الذي يهتم بتداعيات الاتفاق السعودي – الإيراني على منطقة الشرق الأوسط إنّ “الرياض تأمل أن تساعد الصفقة مع طهران في الحفاظ على الزخم نحو الخروج من اليمن الذي تسعى إليه”. وأضاف “كما أنّ كلا من السعودية وإيران قد تريان في تنازل أو تسوية باليمن كخطوة أولى نحو اتفاق أمني إقليمي يخدم مصالحهما”.
وشكك التقرير في أن تؤدي أيّ صفقة بين السعودية والحوثيين إلى إنهاء الحرب، لأنّها تستبعد مجموعة من الجهات السياسية والعسكرية المنخرطة في الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً. وقال “حتى لو أرادت إيران أن تلعب الدور نفسه، فإنّ نفوذها على الحوثيين وقدرتها على إقناع الجماعة بقبول صفقة سياسية مع السعوديين، أو ربما – بشكل أكثر صعوبة – مع مجموعة القوات المناهضة للحوثيين في اليمن، ما تزال موضع تساؤل”.
وكما هو الحال، فإنّ الصفقة السعودية الضيقة مع الحوثيين، رغم أنّها إيجابية في حدّ ذاتها، لن تنهي الحرب لأنّها تستبعد فاعلين سياسيين وعسكريين في المشهد اليمني، وإنّ أيّ اتفاق مبدئي بين الرياض والحوثيين يجب أن يمهد الطريق لمحادثات بين اليمنيين.
وقال التقرير “بالرغم من ترحيب كلا الطرفين – الحوثيين والحكومة – بالاتفاق السعودي – الإيراني، يحذر يمنيون آخرون من أنّ الصفقة بين الرياض وطهران التي لا تشمل الأطراف على الأرض لن تفعل الكثير لتغيير حسابات الجهات الفاعلة العديدة في اليمن، إذ يجب أن يكون الشركاء المحليون حاضرين لجعل أيّ اتفاقية مستدامة”.
ورأت مجموعة الأزمات الدولية أنّ تبادل الحوثيين والحكومة لأكثر من 800 سجين بين 14 و17 أبريل الجاري يمثل خطوة مشجعة. ووفقا لمصادر مجموعة الأزمات في اليمن، سيتم تقسيم خارطة الطريق إلى مراحل، بدءاً بصفقة حوثية – سعودية من شأنها أن تفتح موانئ البلاد بالكامل وتفتح الطرق، في خطوة لفتح الباب أمام مفاوضات بين الأطراف اليمنية.
وقال التقرير إنّه ما يزال من غير الواضح ما إذا كان الحوثيون سيجلسون بالفعل مع خصومهم اليمنيين، وحتى لو كانوا مستعدين لذلك، ما يزال غير واضح أيضاً ما إذا كان بإمكان مختلف القوات المناهضة للحوثيين أن تجلس إلى طاولة المفاوضات بمجموعة واحدة من المطالب. ويعاني اليمن حربا بدأت عقب سيطرة الحوثيين على العاصمة صنعاء وعدة محافظات نهاية 2014، واشتد النزاع منذ مارس 2015 بعد تدخل تحالف عسكري عربي بقيادة السعودية لإسناد قوات الحكومة الشرعية في مواجهة جماعة الحوثي المدعومة من إيران.العرب