الدعم السريع . . ومنجم ذهب دار فور
أحمد سعيد كرامة
الأزمات السودانية الداخلية منذ عشرات السنين تتحول إلى صراعات إقليمية ودولية دائمآ ، وجنوب السودان ودار فور خير دليل وشاهد ، وبالتالي أزمة السودان أو الحرب الحالية بين الدعم السريع والجيش السوداني يجب أن تتوقف رغم الخسائر البشرية والمادية غير الكبيرة حاليآ ، مقارنة مع إستمرار الحرب لاشهر أو لسنوات قادمة .
مؤشرات منذ أول يوم للحرب تدل على أن الدعم السريع لديه جهاز إستخباراتي عالي المستوى ويراقب منذ فترة غير بسيطة تحركات بعض الدول الخليجية والعربية والعالمية على أراضيه ، ولهذا شاهدنا أول تحرك للدعم في مطار وقاعدة مروي السودانية بذريعة رفضه ومعارضته التواجد المصري العسكري هناك ، علما بان المسافة من مروي إلى الخرطوم تبلغ 300 كم .
بعدها تم استهداف سيارة مصفحة للسفارة الأمريكية بالخرطوم ، ثم السفارة النرويجية ( الإتحاد الأوروبي ) ، رسائل واضحة وصارمة لمصر وأمريكا وأوروبا بعدم التدخل المباشر وغير المباشر بالشأن الداخلي السوداني ، بينما لم تستهدف الصين الشريك والمستثمر الأكبر في السودان والقرن الأفريقي ولا روسيا ، خطورة الحرب أو الصراع بالسودان أكبر بكثير من خطورة حرب اليمن لعدة أسباب ، أهمها موقعها الجغرافي وجوارها المتأزم دائمآ وأخرها بين مصر وأثيوبيا ، ناهيك عن الخطر الأكبر على الأمن القومي السعودي الذي كان يعول كثيرا على البحر الأحمر كملاذ آمن في حال نشوب صراع كبير يهدد مضيقي هرمز وباب المندب ، علما بأن المسافة بين مينائي جدة السعودي وبور تسودان السوداني 300 كم فقط .
ناهيك عن الاستثمارات السعودية في السودان التي بلغت عشرات المليارات من الدولارات في قطاع الزراعة وتربية المواشي ، ورغبة القيادة السعودية الحالية في إنهاء الحروب والأزمات في المنطقة ، بأي طريقة كانت وأخرها الإتفاق السعودي الإيراني وإنفتاحها مع بشار الأسد وغيرها من التحركات السياسية والدبلوماسية سريعة الخطى .
الدعم السريع فرض تكتيكه العسكري بحسب إمكانياته العسكرية وخبرته الطويلة في حروب المدن والشوارع التي تجاوزت العشرين عام وأكثر ، ومشاركته الفاعلة في حرب اليمن بالساحل الغربي للحديدة وغيرها من مناطق التماس مع مليشيات الحوثي ، بينما الخمسة ألوية من الجيش السوداني مسرح عملياتها أنحصر بالحد الجنوبي للسعودية وقليل منها بالعمق اليمني ، قوام القوات المسلحة السودانية المشاركة في حرب اليمن دعم وجيش بلغت 30 الف فرد .
وبالتالي أرغم الدعم السريع الجيش السوداني التقليدي على مسايرته الفاشلة حتى اللحظة ( مقطع باليوتيوب للقوات السودانية الخاصة وبعض من رجال الجيش يوضح تخوفهم من دخول شوارع وطرقات داخلية يتواجد فيها الدعم السريع ) ، ناهيك عن شبكة إتصالات عسكرية عالية المستوى ( قيادة وسيطرة ) ظهرت بها قوات الدعم السريع أثناء الهدنة ، وتأمين خروج آمن للرعايا وكثير من السودانين عبر مطار الخرطوم وميناء بور تسودان والمنافذ البرية الحدودية مع مصر وتشاد والنيجر وجنوب السودان وأثيوبيا وغيرها .
حرب الشوارع هزمت الولايات المتحدة الأمريكية في فيتنام والصومال والعراق وأفغانستان وغيرها ، رغم التها العسكرية المهولة على مستوى العالم ، حرب الشوارع تتخذ من الفر والكر وإشعال الحرائق في المدن والشوارع إستراتيجية عسكرية دائمة .
سيقاتل حميدتي لمائة عام قادمة بدون أي دعم خارجي ، لأنه يمتلك ثالث أكبر منجم للذهب على مستوى أفريقيا بشمالي دار فور وتحديد منجم جبل عامر الذي بلغت قدرته الاستخراجية ( الإنتاجية ) من 50 إلى 60 طن من الذهب في العام الماضي فقط ، ويرجح خبراء أن المنجم يحتوي على تلال أو جبال من الذهب ، إذن نحن أمام سلاح محترف لحروب الشوارع والمدن مع تمويل ضخم لا ينضب .
أعلنت ألمانيا الاتحادية عن خطة محكمة لإجلاء رعاياها وألغتها في مراحلها الأخيرة ، وكذلك صنعت اليابان وهولندا قبل سريان الهدنة الأخيرة ، بسبب أنهم يدركون خطر التورط المباشر مع قوات الدعم السريع المسيطرة فعليا ونيرانيا على العاصمة الخرطوم وغيرها من عواصم الولايات السودانية ، كذلك فعلت الاستخبارات المصرية حين أجلت جنودها من مروي الى الخرطوم ، لماذا لم تهبط الطائرات العسكرية المصرية في مروي أو أحد المطارات القريبة منها .
يتهم الإتحاد الأوروبي فاغنر الروسية بمد الدعم السريع بصواريخ أرض جو محمولة على الكتف من مخازنها بأفريقيا ، إذن الصراع بدأ يتوسع وتتورط فيه عدة أطراف إقليمية ودولية شيئا فشيئا إلى أن يتحول السودان لساحة صراع عالمية أشد قسوة وتدمير وخطر من الحرب الروسية الاوكرانية .
الحل من منظور شخصي ينحصر في سرعة إستقالة البرهان حقنا للدم السوداني ، ووقف القتال وتسليم السلطة لنخبة مدنية تكنوقراط للخروج الامن من هكذا دوامة قد تعصف بالسودان لعقود من الزمن .