رؤية سعودية جديدة للحرب اليمنية
الحكم النهائي على مستقبل العلاقة بين الرياض والجماعة الحوثية ومن خلفها إيران سيكون متروكا لنتائج التحولات اليمنية الإقليمية والدولية القادمة وسلوك الحوثيين الذي سيلعب دورا حاسما في ردة الفعل السعودية.
تدرك المملكة العربية السعودية تماما حجم التعقيدات والتحديات المتراكمة في الملف اليمني، نتيجة خبرة طويلة في هذا الملف وتاريخ طويل من العلاقات سواء مع الأنظمة أو المكونات الاجتماعية اليمنية، كما أن لديها صورة متكاملة عن طبيعة الجماعة الحوثية وخلفياتها العقائدية وارتباطاتها الخارجية وخصوصا بإيران.
ما قامت به السعودية مؤخرا من فتح قنوات تواصل مباشرة مع الجماعة الحوثية، لم يكن وليد المصادفة أو ارتدادا مباشرا فقط للتقارب مع إيران، بل هو نتاج ثماني سنوات من الانخراط في الملف اليمني عن كثب كدولة تقود التحالف العربي لدعم الشرعية، وهي فترة كافية لإعادة تقييم أهداف الحرب والسلام في بلد يموج بالمتناقضات.
بدأت الرياض مرحلة جديدة في تعاملها مع تعقيدات ملف الحرب في اليمن، من خلال فتح آفاق أوسع تتجاوز تعقيدات الملف اليمني الداخلية والذهاب إلى وضع هذا الملف الشائك في سياق تفاهمات إقليمية ودولية تهدف إلى خفض التوتر وتصفير المشاكل العالقة وإعادة رسم خارطة طريق جديدة للتعاطي مع التحديات المحيطة بأمنها الحيوي، والتي يأتي في مقدمتها الأذرع العسكرية التابعة لإيران في المنطقة وعلى وجه التحديد جماعة الحوثي التي لعبت دور رأس الحربة في تنفيذ سياسة طهران لإشعال المنطقة وابتزاز العالم والهروب من أزماتها الداخلية.
لم تكن زيارة الوفد السعودي إلى صنعاء والالتقاء مباشرة بقيادات الجماعة الحوثية خطوة مفاجئة ولا قفزة عبثية نحو المجهول كما يعتقد البعض، بل هي حصيلة جولات طويلة من الحوارات التي ذللتها مسقط وبغداد بين الرياض وطهران، وتوجتها الوساطة الصينية كضامن دولي يمتلك الكثير من أوراق الضغط على النظام الإيراني الذي يتعامل مع ميليشياته المنتشرة في المنطقة، ومنها الحوثيون، كفروع شعبية تتبع الحرس الثوري وتأتمر بأمره لتحقيق مصالح طهران الإستراتيجية حتى لو تعارضت مع مصالح تلك الفروع.
أولى نتائج الخنوع الحوثي لإملاءات طهران جاءت مباشرة عقب زيارة الوفد السعودي إلى صنعاء برئاسة السفير السعودي لدى اليمن محمد آل جابر، حيث تراجعت حدة الخطاب الإعلامي الحوثي إلى حد ما، ومضى الحوثيون بدون تراجع عن خطوات تبادل الأسرى التي ظلوا يعرقلونها، كما شرعوا في تفكيك مدن الصفيح التي أنشؤوها خلال السنوات الماضية على الحدود، لتهريب اللاجئين الأفارقة إلى داخل الأراضي السعودية، وهي بطبيعة الحال خطوات ليست كافية حتى الآن ولا تعني أن الجماعة العقائدية قد وصلت إلى نهاية المطاف في ما يتعلق بطموحاتها السياسية والعسكرية، ولكنها تندرج ضمن إجراءات بناء الثقة التي تحتاج إلى سنوات طويلة باعتقادي.
من المؤكد في كل هذا الحراك الذي يبدو كأنه نهاية لحقبة الحرب اليمنية في شكلها القديم، أن الرياض لن تترك اليمن ساحة للنفوذ الإيراني، ولن تغض الطرف عن المخاطر الإستراتيجية بعيدة الأمد التي يمثلها وجود جماعة عقائدية مسلحة في خاصرة المنطقة. ستراقب الرياض سلوك الحوثيين عن كثب، وستعمل على نزع العديد من أسباب مخاوفهم وشكوكهم المعلنة والخفية، وستشجعهم على الانفتاح على محيطهم العربي بالتوازي مع العمل على دمجهم في المشهد السياسي اليمني وجذب بعض تياراتهم المعتدلة إلى خارج دائرة الاستقطاب الإيراني.
الحكم النهائي على مستقبل العلاقة بين الرياض والجماعة الحوثية ومن خلفها إيران سيكون متروكا لنتائج التحولات اليمنية الإقليمية والدولية القادمة، كما أن سلوك الحوثيين في الفترة المقبلة سيلعب دورا حاسما في تكوين ردة الفعل وطريقة التعامل السعودية مع هذه الجماعة العقائدية، بالتوازي مع مراجعة شاملة لطريقة إدارة الحرب وتحييد عوامل الخطر الحوثي المحتملة التي لا تزال مصدر تهديد مستمر، بما في ذلك الطائرات المسيرة والصواريخ الباليستية وتنامي النفوذ لإيراني.
صالح البيضاني
صحافي يمني