هدنة الحرب..والكلام
وضاح اليمن خالد الحريري
تدور المناورات السياسية بشأن اليمن حول محور الهدنة الطويلة المتوخاة، على أساس أن تنعقد بين طرفين، فلسفة كل منهما ووجهة نظره في الهدنة مختلفة كليا عن الطرف الآخر، الحوثيون مازالوا مصرين على مبدأ وفكرة العدوان، بينما السعوديون مازالوا ينظرون لموقفهم باعتباره دعما للشرعية في اليمن، وحين يفاوضون فلكونهم وسطاء وليسوا طرفا في الحرب، هم إذن مختلفون، وعلى ذلك فإن كلاما طويلا سيدور ويسافر عدة مرات قبل أن يتم الوصول الى صيغة ما لاتفاق نهائي لوقف الحرب.
دوائر المصالح التي تتقاطع بشأن الحرب في اليمن، يمكننا تصنيفها في ثلاث دوائر، هي الدولية والإقليمية والمحلية، تتقاطع فيما بينها في مساحة مشتركة محددة ومحدودة، وإبراز هذه المساحة سيشكل عاملا حاسما، في النجاح النهائي لعملية وقف الحرب، على سبيل المثال لتقاطع تلك المصالح، في ظل التنازع العالمي لاعادة ترتيب التوازنات الدولية، يقتضي من العاملين والفاعلين الرئيسيين، اللجوء الى حالة من السلام والاستقرار في المنطقة، هذا الأمر لا يتضمن فقط المكاسب لكنه يشمل التنازلات كذلك، مثل آخر على المساحة المشتركة لتقاطع الدوائر الثلاث هو القلق من فقدان السيطرة، نتيجة طول أمد الحرب ونشوء فراغ سياسي كبير، من المتوقع أن يسفر عنه سيطرة طرف أو أطراف غير مرغوب في سيطرتها، سواء من هذا الفريق أو ذاك الفريق أو غيرهما، هنا يأتي دور التحضير الحريص من السعودية على اغلاق ملف الحرب اليمنية بهدوء، يفضي الى توازن مقبول بينها وبين إيران، وهو ما يتوافق مع صمت المجتمع الدولي، الذي يترك الأمور تسير كما تشتهي ناقة القوى الإقليمية، المؤثرة كثيرا في قرارات القوى والأطراف المحلية.
ستمضي الهدنة في طريقها، شهرا وشهرين وستة أشهر، معلنة وموقعة او ضمنية، لم تعد السعودية ترغب بمزيد من القتال او هذا خيارها الآني في هذه اللحظة، ولم تعد الشرعية تقوى على التقدم وهي مكتفية بما تحت يدها، أما الحوثي فينظر الى حركته على أساس إنها حققت نجاحات كبيرة بما صار له من سلطة ونفوذ وقوة، وما يرتبط بالمستقبل بالنسبة لليمن ليس بأهمية جوهرية كمصلحة عامة، وطنية الصبغة اذا جاز التعبير، بقدر ما سيكون جوهريا التعبير عن تركيبة المصالح الفئوية والتسلطية والمختلة، التي نتجت عن حرب ثمانية أعوام، أي أننا سنصحو كما هو متوقع، على وضع مركب من المصالح الظرفية، التي لن يستديم معها واقع الحال الجديد، في حالة مطالبات الرأي العام في الشارع المدني والسياسي، إلى بلورته في صيغة الصالح الوطني العام، هنا يصدق القول كل بما لديهم فرحون.
أمام اوضاع قادمة كهذه الأوضاع، بغض النظر عن اي تفاوض ستنتج، سعودي حوثي، او يمني-يمني، علينا إما أن نتكيف مع مقولاته وأدواته وماآلاته السياسية والإنسانية وإما ان نعمل جاهدين على تغييره ونقله إلى الحالة الوطنية، تحمل حلولا سياسية تمثل المواطن، كمواطن له الحق في الشراكة وتكفل له الأوضاع في الواقع قيمته السياسية والمدنية الكاملة، بعيدا عن أسباب الفرقة والتمزق والكبح السياسي والتمييز بأشكاله المختلفة والتعبئة بالأحقاد الإجتماعية، تلك الأحقاد التي تمرر فقط جماعات وفئات بعينها، جعلت منها جسرا للعبور.
بين الهدنة والكلام فرق شاسع، غادر الوفدان السعودي والعماني صنعاء، وإنا لمنتظرون التوقيع الذي تحدثوا عنه وعن ماذا سيسفر، عن دولة أم غيمة كل ما هبت الريح بعثرتها.