سلام الرياض وصنعاء.. دوامات إعلامية وهاجس جنوبي
احمد عبد اللاه
قائدة التحالف دخلت صنعاء من بوابة النوايا الحسنة، ومدت يد السلام.. ولم يعد يهمها كما يبدو إن كان لإيران وصاية أو موالاة أو ذراع.
لهذا أوفدت سفيرها (الدائم) لتلبية مطالب الحكام هناك وفقاً للشروط التي وضعوها قبل أي حديث عن السلام.
وأثناء استقباله أدهش سعادة السفير متابعي الشاشات الكبيرة والصغيرة بظهوره المتواضع الخجول في صالات القصر الرئاسي ذات الطراز الصنعاني والتي تظهر على جدرانها لوحات تبرز في بعضها حروفيات من التراث الديني. وقد طغت على الزيارة الرسمية أجواء المراسيم المتواضعة واللقاء مع شخصيات كانت “مطلوبة للعدالة” يوماً ما من أيام العاصفة. لكن المتخيّل الذي اعطى للزيارة طابع درامي، هو أن آل جابر ما تزال تؤرقه ذكريات الساعات الأخيرة في صنعاء حين ختم مهمته الدبلوماسية هناك بتهريب بعض القيادات أثناء سقوطها.
ومع كل ذلك تبقى المفارقة التراجيدية الخالدة بين البيان الأول لعاصفة الحزم وزيارة الوفد السعودي إلى صنعاء تاريخاً مثيراً.. سيقف أمامه شعراء الديالكتيك محتارين بأفواه فاغرة. انعطافة حادة وجارحة وسعي حثيث للخروج بطريقة ليس كمثلها شيء في الأزمنة منذ سلام الملك رمسيس الثاني مع خصومه الحيثيين.
فمتى يستنفد الزمن عجائبه؟
إن أكثر شيء لدى أنصار الله هي الصواريخ والمسيّرات وكذلك الوقت. والأخير تفتقده المملكة التي تحس بأن عليها طي ملف الحرب في اليمن بأي ثمن، والتفرغ لمواصلة تنمية المكانة الاستراتيجية للدولة السعودية وعوامل تأثيراتها في الساحة الدولية على خلفية المتغيرات التي تشير إلى أن العالم ينزاح نحو مرحلة تتغير فيها خرائط جيو سياسية وتحالفات. وذلك موضوع آخر.
إن رهان أنصار الله الذي يعتمد على النفس الطويل والتهديد المستمر بالعودة إلى مربع صفر يعد أهم تكتيك في المفاوضات تماما كما هو الحال عند الايرانيين.
ومن هنا فإن الخوض في جولات تفاوضية مباشرة مع الشرعية قد لا يرى النور قبل أن يستنزف أنصار الله المملكة ومن معها بشروط متواترة في كل خطوة يخطونها وفي كل حديث مباشر أو عبر الوسطاء. وحين يتم تلبية كل المطالب ١٠٠٪ ويحققون اقصى ما ذهبوا اليه، سوف يضعون تدريجياً كافة العراقيل الممكنة لإحباط العملية السياسية والمسارات التفاوضية. ولن يعدموا الطرق والحجج . وفي أحسن الأحوال ستكون هناك اتفاقيات دون سلام حقيقي.
وبناء على الفرضية الممكنة تلك فإن كل طرف سيبقى في مكانه لفترات قادمة، أو ربما ستفقد الشرعية تماسكها الهش تدريجياً وتتحلل إلى عناصرها الأولية! وهذا إن حصل فإنه يعني خريطة جديدة للتحالفات والصراعات.
وقد يصبح شعار “الحفاظ على الوحدة” عامل يتم توظيفه لإعادة التضامن لتبرير أي عمل عدائي ضد الجنوب. وهو بالطبع الأسوأ من بين فرضيات أخرى يتعين أن تُوضع جميعها في الميزان.
لقد ظل الهاجس حول شكل نهاية الحرب ونتائجها يسيطر على عقول النخب الجنوبية منذ أن تبددت الآمال من موقف السعودية وطريقة إدارتها لملف اليمن في سنة أولى حرب، خاصة وقد أحس الكثيرون منذ سنوات بأن الإعداد لتلك النهاية على الصعيد الجنوبي لم يكن كاف ومقنع. وكانت لسياسة الصمت وعدم المراجعة، التي تركت ابواباً مواربة أمام مخاطر وأخطاء، نتائج سلبية كبيرة أضعفت الروابط الداخلية في المجتمع الجنوبي وأدت إلى انحسار الثقة.
الحديث الآن ينبغي أن لا يتوقف كثيراً عند هذا الأمر وإنما الانطلاق نحو العمل الفوري لتحصين نسيج المجتمع ونخبه في مواجهة التحديات من خلال التوافقات المباشرة بين القيادات والرموز الجنوبية المختلفة بهدف تشكيل كتلة وطنية واسعة إلى جانب دعم آلية الحوار وتسريعه. وفي المقابل يتعين التغلب على سياسة “التحبيط الممنهجة” التي يمارسها البعض في حق الجنوبيين وتصوير اهدافهم بأنها مجرد وهم أو نشر ما يمكنه إثارة الهلع في قلوب الناس وإضعاف معنوياتهم وإغراقهم في مستنقع دعائي. لأن تلك من أخطر وسائل الحرب السيكولوجية والإعلامية المنظمة. كما يتعين على الجنوبيين أن يدركوا انه لا يجب خرق سفينتهم بأيديهم إذا كان للبعض موقف من قيادات محددة – إن صح التعبير- لأن البديل هذه المرة هو الغرق النهائي في محيط مختلف.