السلام المتسخ
وضاح اليمن الحريري
يقرع السلام بوابة الحرب الثقيلة في اليمن، مستئذنا بالدخول متكئا على عصا المساومة الإقليمية بين طهران والرياض، العالق بين أكفها الملف اليمني للحرب، كأحد أهم الملفات لتطبيع العلاقة بين الدولتين الإقليمتين بتنافسهما المعهود على مناطق النفوذ، هذا السلام يريد الدخول حاملا معه خلاصة المفاوضات التي دارت خلال فترة ماضية بمباركة ومشاركة عمانية متميزة لها دلالاتها المتعددة بأبعادها السياسية.
رفع الستار:
كانت دعوة الرياض لمجلس القيادة الرئاسي للاستضافة عندها، بهدف عرض الخلاصة للتفاهمات مع الحوثي وتوضيح بنود مسودة الاتفاق المتوقع بينهما، كشفا واضحا لخشبة المسرح التي سيبدأ كل ممثل في المسرحية بلعب دوره عليها، لكن ذلك ضمن بروفة أولى سيكون مقرها في الرياض، وما كان إلا ان استجمع كل من أبطال البروفة كل ما استطاع من ذاكرته ليسترجع السيناريو المطلوب أداؤه منه بعد ان كان الجميع قد خلدوا لفترة من التكاسل، خلال مرحلة الهدنة وما تلاها من حالة اللا حرب واللاسلم فالبروفة الجدية لأول مرة منذ ثمان سنوات فضحت من منهم يحفظ دوره عن ظهر قلب ومن منهم بحاجة للتذكر، كما يبدو جليا ان كل منهم في ظل ارتباك متوقع بين صفوفهم سيخشى ان يكون هو صاحب دور الكومبارس الذي سينتهي من أدائه سريعا في فصل واحد من مسرحية فيها عدة فصول، اولها المفاوضات وليس اخرها الفترة الانتقالية المتوقعة ما بين السنتين والسنوات الخمس، كل يلملم أوراقه ويعيد قرأتها من جديد ليكون مقنعا لدى المخرج، أكثر من اهتمامه بامتاع الجمهور.
هل هم مقتنعون حقا؟!
ليس هناك من بدائل لدخول السلام الى قلب القاعة، متألقا على الخشبة باعتبار أن مجلس القيادة الرئاسي ووضع المناطق المحررة في هذه اللحظة، في وضع لا يحسد عليه، ليس من ناحية عسكرية مشتتة القوة والاتجاهات فقط، بل أيضا من نواح سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية عدة، منها لحظات الضعف التي يمر بها والتي تأتي معاكسة للرغبات الذاتية للكثيرين والمسيطرة وجدانيا بضرورة استمرار الحرب حتى هزيمة الخصم، الذي صارت صورته ضبابية مع تعدد الخصومات وتنوعها بتنوع الأطراف التي بيدها قوة السلاح والدعم المجزأ والمفرق بين أقطار الأقليم، ليس هناك من بدائل في حالة توازن الضعف المحلي بين القوى الا الدخول في السلام، أي كان شكله او حالته السياسية اللاحقة.
في ظل هذه الحالة من التشوش، سيمرر السلام الإقليمي الذي يتوقع منه أن يراعي مصالح اطرافه الإقليمية أولا وأخيرا، إذ لا فرصة لتحقق المصالح المحلية المجزأة الا في لحظة ضمن المستقبل قد تحدث وقد لا تحدث، والرهان عليها مرتبط بما سيقرره اليمنيون باتجاهاتهم المختلفة وبجغرافياتهم المتنافسة لأنفسهم، في السيادة المشتركة او الشراكة او غيرها من المسميات ذات الطابع السياسي الصرف، الذي لا يغني المواطن ولا يسمنه من جوع، في خضم تفاوت عنيف من الفراغ السياسي والضياع الإجتماعي، حيث تتوقف شجرة الحرب عن النمو فجأة وتتوقف معها مبررات ما كان يحدث وما حدث، لتنكسر شماعة تاريخية لمتنمري الحرب والمستفيدين من موائدها الدسمة على طاولة الأطراف الإقليمية ومكاسبها ذات الإيرادات المتدفقة محليا.
السلام كرقية شرعية
( رقيتك واسترقيتك) كما يقول احد النصوص المسرحية، لأن المرحلة القادمة ستتميز بإشعال مباخر التبرير السياسي واستخدام ضرب الودع والتنجيم لوضع حلول مخيطة على مقياس مفصل مسبقا، بحسب قياس كل طرف من الأطراف المتنازعة محليا، او هذا ما سيسعون جاهدين لتمثله وعكسه على وعي الرأي العام، لكي يتحصلوا على صكوك البراءة الذاتية من مسآلة عن مسئولياتهم في ما آلت الأوضاع اليه، في ظل عدم توفر اي مقدرات لمواجهة مشكلات ما بعد الحرب وأثقالها الإدارية وأعبائها العسكرية والأمنية وأوزارها الإجتماعية والتزاماتها الأخلاقية، مما يعني التعمق بالمزيد والمزيد من الإرتهان للخارج ورمي المسئولية عليه، في ظل حالة من التطهر الزائف تحت شعارات السلام قادم وهو يجب ما قبله، في كراسات صغيرة كثيفة الأوراق والحروز غير المفهومة.