بحث اللقاء الذي جرى أمس بين وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان ونظيره الإيراني حسين أميرعبداللهيان في بكين، 3 ملفات أساسية، تتمثل في فتح السفارات وتبادل السفراء وفتح الرحلات الجوية وتبادل الزيارات الرسمية، إلى جانب بحث آفاق التعاون الاقتصادي بين البلدين وكيفية إطلاق حوار سريع حول هذا الشأن وإن كان في البداية عبر القطاع الخاص، فضلاً عن كيفية تعاون الطرفين لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة وما يعنيه من ضرورة التوصل إلى تفاهمات حول ملفات فيها تقاطعات لنفوذ ومصالح البلدين ومخاوفهما الأمنية مثل اليمن ولبنان والعراق وسورية وغيرها.
وجرى اللقاء، وهو الأول رسمياً بين الوزيرين، تطبيقاً لمقررات الاتفاق الذي وقعه الجانبان في العاصمة الصينية الشهر الماضي وتوّج عامين من المحادثات، التي استضافت بغداد 5 جولات منها، فضلاً عن حوارات استكشافية استضافتها سلطة عُمان. وفي الشكل، أظهر الجانبان حرصهما على بث إشارات المودة التي تعكس النوايا بالمضي قدماً في تنفيذ الاتفاق الذي يرمي خصوصاً إلى استعادة العلاقات الدبوماسية المقطوعة منذ 2016، وإعادة تفعيل اتفاق أمني وقعه البلدان في 2001 لكنه لم يدخل حيز التنفيذ قط، واتفاق آخر اقتصادي وقعه البلدان في 1998.
وحرص بن فرحان على لفت النظر إلى أن الرحلة بين طهران والرياض تستغرق ساعتين فقط، عندما تبرّم عبداللهيان من مشوار السفر الطويل إلى الصين، في إشارة من الوزير السعودي إلى أنه بات بامكان البلدين الجارين تبادل الزيارات دون الحاجة إلى وسيط على بُعد آلاف الكيلومترات.
كما رد بن فرحان بطريقة مقتضبة على سؤال صحافي عند انتهاء الاجتماع قائلاً إن اللقاء كان ممتازاً. وعكس البيان الرسمي المشترك الصادر عن الاجتماع الملفات الثلاثة الأساسية إضافة إلى الإجراءات الضرورية لبناء الثقة وتوسيع نطاقات التعاون. وشدد البيان على ضرورة متابعة تنفيذ اتفاق بكين وتفعيله، في حين أبدى الجانبان حرصهما على بحث سبل تعزيز العلاقات الثنائية، وتفعيل اتفاقية 2001 للتعاون الأمني واتفاق 1998 للتعاون في مجال الاقتصاد والتجارة والاستثمار. وجدد الجانبان التزامهما بإعادة فتح بعثاتهما الدبلوماسية خلال المدة المتفق عليها، أي شهرين من توقيع اتفاق بكين، والمضي قدماً في اتخاذ الإجراءات اللازمة لإعادة فتح السفارت والقنصليات، ومواصلة التنسيق بين الفرق الفنية لاستئناف الرحلات الجوية، والزيارات المتبادلة للوفود الرسمية والقطاع الخاص، وتسهيل منح التأشيرات لمواطني البلدين بما في ذلك تأشيرات العمرة.
وعبّر الجانبان عن تطلعهما إلى بحث سبل التعاون الاقتصادي بالنظر لما يمتلكه البلدان من موارد طبيعية، ومقومات اقتصادية، وفرص كبيرة لتحقيق المنفعة المشتركة، كما اتفقا على تعزيز تعاونهما في كل ما من شأنه تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة وبما يخدم مصالح دولها وشعوبها.
وإلى جانب البيان الرسمي، قال مصدر رافق عبداللهيان إلى بكين، لـ «الجريدة»، إن الجانب السعودي أكد خلال اللقاء أنه مستعد أن يقوم باستثمارات ضخمة في إيران تنتشل اقتصادها من الأزمة التي يغرق فيها، شريطة أن تحصر طهران علاقاتها بالدول العربية في الأطر الدبلوماسية وتوقف تدخلاتها في شؤون تلك الدول.
وكشف المصدر أن الجانبين اتفقا على ضرورة رفض أي تغيير للأنظمة الحاكمة في المنطقة بالقوة عبر تدخل خارجي وكذلك ضمان وحدة أراضي جميع دول المنطقة وسيادتها. وأضاف أن تفعيل اتفاقية 2001 الأمنية يعني التزام الجانبين بألا تستخدم أراضيهما أو مياههما الإقليمية أو أجوائهما لتهديد أمن الجانب المقابل، مؤكداً أنه في ضوء ذلك جرى الاتفاق على ضرورة حصول تنسيق أمني وعسكري بين البلدين لمتابعة هذه الالتزامات وذلك عبر اجتماعات عسكرية وأمنية.
كما جرى الاتفاق على بحث تبادل تسليم المطلوبين خصوصاً أن هناك مطلوبين سعوديين على مستوى عالٍ عملوا سابقاً مع تنظيم «القاعدة» في أفغانستان يقيمون في طهران. ولفت المصدر إلى أنه جرى كذلك التطرق إلى ضرورة وقف دعم أي حملات إعلامية معادية لأي منهما، ووقف دعم وسائل الإعلام التي تعمل ضد الآخر حتى لو كانت ممولة من قبل القطاع الخاص.
وكشف أن الجانبين تطرقا إلى هواجسهما بشأن فتح السفر بين البلدين، إذ عبر السعوديون عن ضرورة عدم سعي إيران إلى استمالة أو تجنيد المواطنين السعوديين الشيعة الذين سيزورونها، في حين طالبت إيران بتسهيل أداء مناسك الحج وفقاً للمتطلبات المذهبية للحجاج الإيرانيين. وأشار إلى أن طهران قدمت خلال اللقاء 3 اقتراحات طموحة: الأول يتعلق بإمكانية إيجاد صيغة تعاون عسكري إقليمي لتأمين حماية أمن الخليج وبحر عمان وأمن تصدير الطاقة والتجارة في المنطقة، وهو ما يذكر بالمبادرة التي اقترحها الرئيس السابق حسن روحاني على أمير الكويت الراحل الشيخ صباح الأحمد لإيجاد إطار أمني إقليمي مشترك.
والاقتراح الثاني يتعلق بإمكانية التعاون في مجال الطاقة النووية السلمية، خصوصاً أن الرياض لا تخفي اهتمامها الكبير بتطوير برنامجها النووي السلمي واستثمار مواردها المحلية من اليورانيوم في دورة إنتاج الوقود النووي الكاملة. أما الاقتراح الثالث فكان اقتصادياً، وعبرت من خلاله إيران عن استعدادها للسماح للسعودية وباقي دول مجلس التعاون الخليجي باستخدام أراضيها ومياهها الإقليمية وأجوائها لاستيراد وتصدير البضائع والنفط والغاز إلى شرق آسيا وأوروبا، خصوصاً أن إيران لديها خطوط أنابيب مرتبطة بالهند والصين عبر باكستان، وهناك خطوط أنابيب مرتبطة بأوروبا عبر تركيا وهناك خط أنابيب النفط العراقي المرتبط بالبحر الأبيض المتوسط عبر سورية ولبنان وجميع هذه الخطوط تحتاج إلى صيانة وبعضها إلى استثمارات كبيرة يمكن للسعودية والصين العمل عليها مما يتيح لدول الخليج الاستغناء كلياً عن تصدير النفط والغاز إلى الصين وأوروبا عبر البحر، الأمر الذي سوف يؤدي إلى تخفيض تكلفة إيصال الطاقة بشكل كبير. إلى ذلك، كشف مصدر آخر أن نتائج الاجتماع قد تزهر سريعاً في اليمن حيث تم التوصل في مسقط إلى مسودة اتفاق على تمديد الهدنة. الصين تدعم «الاستقلال الاستراتيجي» لدول المنطقة قال وزير الخارجية الصيني تشين قانغ، أمس، إن بلاده تدعم دول الشرق الأوسط في الحفاظ على استقلالها الاستراتيجي والتخلص من «التدخل» الخارجي والإبقاء على مستقبل المنطقة بأيديها. جاءت تصريحات تشين خلال اجتماعه مع وزيري خارجية إيران والسعودية في بكين، وفقاً لبيان صادر عن وزارة الخارجية الصينية. من ناحيتها، قالت المتحدثة باسم «الخارجية» ماو نينغ إن «الصين ستعمل مع دول المنطقة لتنفيذ مبادرات (…) لتعزيز الأمن والاستقرار والتنمية» في الشرق الأوسط. وأضافت نينغ أن «الصين مستعدة لمواصلة لعب دور نشيط في الوساطة ودعم الجانبين في زيادة علاقاتهما وتحقيق صداقة حسن الجوار والمساهمة بالحكمة والقوة الصينية في أمن واستقرار وتنمية منطقة الشرق الأوسط»، مشيرة إلى أن «السعودية وإيران شكرتا الصين على دورها المهم في تعزيز الحوارات الثنائية بين البلدين».الجريدة