مرور عام على إعلان 7 أبريل
يحق لكل اليمنيين مطالبة “مجلس القيادة الرئاسي” بجردة حساب عن أعماله ومنجزاته وخططه المستقبلية
مصطفى النعمان
أصاب أداء مجلس القيادة الرئاسي المرحبين والمتفائلين بالإحباط، وألقى بمزيد من ظلال الشك على قدرات أعضائه الذاتية وصعوبة توحيد القرار داخله (أ ف ب)
كان فجر السابع من أبريل (نيسان) 2022 استثنائياً في التاريخ السياسي اليمني بكل تفاصيله، إذ جرت فيه عملية مفاجئة لنقل السلطة بقرار من الرئيس عبدربه منصور هادي، وبموجبها جرى تشكيل “مجلس القيادة الرئاسي” وتكليفه بإدارة شؤون الدولة بموجب الدستور الساري والتزام “مبدأ المسؤولية الجماعية” والسعي إلى تحقيق “أعلى درجة من التوافق” بين أعضائه الثمانية، وكذلك العمل على تشكيل لجنة عسكرية مشتركة “تنهي الانقسام وجميع النزاعات المسلحة وتضع عقيدة وطنية لمنتسبي الجيش والأجهزة الأمنية”.
والجمعة المقبل 7 أبريل 2023 يكون “المجلس” قد أكمل عامه الأول فيصبح من الحيوي وهو حق لكل اليمنيين مطالبته بجردة حساب عن أعماله ومنجزاته وخططه المستقبلية، وذلك على رغم أن الواقع الذي يدركه الجميع أنه فشل في تحقيق أي إنجاز وطني أو خدمي، بل إن أداءه الجماعي أصاب المرحبين والمتفائلين بالإحباط، وألقى بمزيد من ظلال الشك على قدرات الأعضاء الذاتية وصعوبة توحيد القرار داخله، كما أظهر تقصيراً في ترتيب أوضاعه التنظيمية التي ربما كانت قادرة على ضبط حركته وتوزيع المهمات بين أعضائه.
إن مدة عام كانت كافية لتمنح الناس مؤشرات على جدية “المجلس” وإمكاناته وتطلعاته، ولكن التناقضات التي تسكنه منذ اليوم الأول، وما زالت، تجعل من الإنجاز الذي يتوخاه المواطنون مسألة متعثرة لأسباب أهمها أن الأعضاء الذين يمتلكون عناصر القوة المسلحة غير متحدين في الأهداف النهائية التي يسعون إلى تحقيقها، وهذه عقبة ليس من السهل تجاوزها، وستضع العراقيل أمام التعامل مع الملفات الكثيرة المعلقة وستزيد من ارتباك المشهد.
أشد الملفات تعقيداً وأكثرها جدلاً حالياً يدور حول تشكيل الفريق التفاوضي الذي سيشارك في المشاورات التي سيدعو إليها المبعوث الأممي، وعلى رغم أن “المجلس” يواجه نظرياً خصماً واحداً يتمثل في جماعة “أنصار الله” الحوثية فإن الأعضاء، كما ذكرت، يختلفون في تحديد الأولويات التي يجاهدون لتحقيقها. ولعل أبرز عقبة تقف أمام هذه القضية هي كيفية التعامل مع ملف الجنوب التي ذكر البيان الختامي لمشاورات الرياض أنها “قضية شعب”، وهذا التصنيف أدخلها في مسار جديد شديد الحساسية لدى عديد من الأطراف اليمنية. ويتمحور الخلاف الحالي حول رغبة “المجلس الانتقالي” في دخول المشاورات المقبلة بوفد مستقل وهو أمر صعب التوفيق بينه وبين الحديث عن وحدة الصف داخل “المجلس”.
والصحيح أن المجلس الانتقالي يقف في وضع غريب سياسياً، إذ إنه شريك في الحكومة التي تشكلت بموجب اتفاق الرياض الموقع في 9 نوفمبر (تشرين الثاني) 2019 كما أن رئيسه عضو في “المجلس”، وفي الوقت ذاته يمارس دوراً يمكن وصفه بالمضطرب، مانعاً التوصل إلى مواقف مشتركة مع شركائه في الحكومة و”المجلس”. وما لم تتم معالجة هذا الغموض المربك فإن الوصول إلى المشاورات المتوقعة مع الحوثيين سيصبح أمراً غير واقعي.
هناك ملف ثانٍ لا تقل تعقيداته عن ملف التمثيل الجنوبي في المشاورات، وهو الملف الاقتصادي الذي لم يتمكن “المجلس” من معالجته ولم يتعامل معه بالجدية المطلوبة ولم يتخذ إجراءات أكثر من التوجيهات والبيانات الصحافية التي لم تطمئن لا المانحين ولا المؤسسات الدولية لتضع أموالها بتصرف الحكومة. وتسبب الأداء الضعيف في تأجيل تنفيذ دفع الوديعتين السعودية والإماراتية وإذا ما أضيف إلى ذلك الهجوم الذي تعرض له ميناء الضبة لتصدير النفط، فقد نضبت موارد الحكومة التي كانت تستعين بها على صرف الرواتب في مناطق سيطرتها.
لقد أدى العجز الفاضح في معالجة الملف الاقتصادي إلى تزايد الاحتقان وارتفاع منسوب الغضب والحنق عند المواطنين مما فاقم من فقدان الثقة في “المجلس” والحكومة، وسيؤدي هذا حتماً إلى مزيد من التدهور في الخدمات والاختلالات الأمنية، وسينعكس ذلك على تدهور عمل الأجهزة الحكومية. وعلى رغم كل هذا سيكون من الغريب استمرار التعيينات غير المجدية على كل المستويات، فتتضاعف فاتورة الرواتب والنفقات الترفية التي أصبحت تستهلك كل الموارد التي تتمكن الحكومة من الحصول عليها.
ملف آخر شائك لم يتمكن “المجلس” من التعامل معه وإنجازه وهو الاتفاق حول “إنهاء الانقسام والنزاعات المسلحة” بين التشكيلات العسكرية المختلفة، وأن تصبح الكيانات المسلحة تحت قيادة واحدة و”وضع عقيدة وطنية لمنتسبي الجيش والأجهزة الأمنية”. وقد فشل “المجلس” خلال عامه الأول في الاقتراب من هذا الملف والتعامل معه ما عدا تشكيل لجنة عسكرية لم تحقق شيئاً ملموساً على الأرض، وليس في ذلك أي غرابة لأن القوات التي تخضع لقيادة وزارة الدفاع تشكلت هي الأخرى بطريقة غير نظامية حتى وإن تم منح قياداتها رتباً عسكرية لمنحها مظهر القوى المنضبطة الخاضعة للتراتبية ولتوجيهات القيادات النظامية.
إن بقاء هذه الملفات الثلاثة مفتوحاً أمر لا يجب السماح باستمراره. ومن الواضح أن القصور الذاتي داخل “المجلس” يتسبب في عجز مستدام عن التعامل مع القضايا الملحة والعاجلة ومواجهتها بحزم وإيجابية بعيداً عن المماطلة والحسابات المناطقية الضيقة والمحاصصة التي تهيمن على أعمال “المجلس” الذي لم ينجح في أداء وظائفه، ومن الواضح أن “المجلس” لم يتمكن من التعامل الإيجابي مع القضايا الكبرى، وسيؤدي الاستمرار في هذا النهج العتيق والمتردد إلى عدم النجاح في تحقيق اختراقات حقيقية وإيجابية تعيد ثقة الناس به. وستزيد هذه الإخفاقات من التعقيدات على الأرض وحتماً ستصل بالبلد إلى مزيد من التدهور الذي قد يفجر الأوضاع ويضع الجميع أمام مشهد من الانفلات الكامل.
إن العجز المستدام والضعف الفاضح في مؤسسات “الشرعية” يلقيان بأعباء كبيرة على الحكومة السعودية التي تسعى إلى الخروج من متاهات المشاكل الداخلية اليمنية، وفي الوقت نفسه هي تدرك أن انفلات الأمور عند جارتها اليمن ستكون له عواقب وخيمة على المنطقة كلها. وإذا كان الاتفاق السعودي – الإيراني قد فتح باب أمل لوقف الحرب فإن ذلك لا يعني بالتأكيد أن الاستقرار والسلام سيتحققان سريعًا، لأن التمزقات التي أصابت الجسد اليمني ستحتاج إلى عقود طويلة لمداواتها. وهكذا سيبقى دور الرياض حيوياً وحاسماً للتقريب بين الفرقاء اليمنيين الذين ترعاهم.