التربية الإعلامية.. من المسؤول عنها؟
بسمة صبري
اهناك شبه اتفاق وثمة اعتراف بخطورة الدور الذي تقـوم بـه تكنولوجيـا الإعـلام والاتصال في تشكيل عقول الأفراد. كما يرى العديد من المفكرين والعلماء أن البشرية تُعاني من مخاض عسـير وهـي علـى أعتـاب عصـر جديـد زاخـر بالمتناقضات، عصر يلهث فيه قادمة ليلحق سابقه، عصر يجاور ما بين أقصى درجات التقـدم وأقصى مظاهر التخلف ويجمع ما بين أعلى درجات التسامح وأعنف درجات التعصب، عصـر يشعر الناس فيه أنهم جوعى للحكمة والمعرفة وهم في بحور المعلومـات والبيانـات.
ونظرًا لسهولة الوصول للشبكة المعلوماتية واستخدامها بكل يسر، وكذلك سهولة التواصل مع أي فرد في أي مكان بالعـالم، فقد أصبحنا نجد أنفسنا محاصرين برسائل إعلامية موجهة من جميع الوسائل الإعلامية قد لا تتفق في كثير من مضامينها مع قيم الإنسان وأخلاقياته وثقافته، حيث نلاحظ في كثير من وسائل الإعلام تشويهًا متعمدًا للعديد من الدول والثقافات والأديان، مما يؤدي إلى استقبال معلومات مضلله، زد على ذلك البرامج الإباحية التي تساهم في تقويض منظومة القيم التربوية والأخلاقية للأطفال والشباب. لذلك أصبح موضوع التربية الإعلامية ضرورة ملحة، حتى يعرف أفراد المجتمع أسس التعامل مع مختلف مضامين الرسائل الإعلامية الوافدة إليهم من وسائل الإعلام المختلفة، وكيف يتعاملون معها، وكيف يستفيدون منها، وكيف يسخّرونها لتنمية وتطوير معارفهم وثقافتهم، أو يتجنبونها في بعض الأحيان إذا لزم الأمر. لذا سوف نستعرض في هذا المقال ماهية التربية الإعلامية ومراحل تطورها، وكيف تختلف دول العالم في تعاطيها للتربية الإعلامية؟، فضلًا عن تحديد الجهات المسؤولة عن التربية الإعلامية وذلك على النحو التالي.
يعرف “”Hopps التربية الإعلامية بأنها القدرة على تحليل الرسائل الإعلامية وتفسيرها وبناء المعنى الشخصي منها، والمقدرة على الاختيار بين المضامين الإعلامية المختلفة، والوعي بما يجري حول الفرد بدلا من أن يكون سلبيًا، ومعرضًا للاختراق.
أي أن هدف التربية الإعلامية بالأساس بناء حس نقدي لدى المتلقي وجعله واعيًا لما يتلقاه، مدرك لدلالات المضامين وأبعادها وعارفًا لماذا وكيف يتلقاها، أي أنها تسلح المستخدم والقارئ والمستمع والمشاهد بالمفاتيح التي تسمح له بالتعامل النقدي مع مضامين الوسائل الإعلامية والاتصالية.
وقد مرّت التربية الإعلامية في تطورها بعدة مراحل، ففي الستينيات ظهر مفهوم التربية الإعلامية “كوسيلة تعليمية”، ركز الخبراء من خلالها على إمكانية استخدام أدوات الاتصال ووسائل الإعلام لتحقيق منافع تربوية ملموسة، وبحلول السبعينات بدأ النظر إلى التربية الإعلامية على أنها “مشروع دفاع” يتمثل هدفه في حماية الأطفال والشباب من المخاطر التي استحدثتها وسائل الإعلام، وانصب التركيز على كشف الرسائل المزيفة، والقيم غير الملائمة، وتشجيع الطلاب على رفضها وتجاوزها، وفي السنوات الأخيرة تطور مفهوم التربية الإعلامية بحيث لم يعد “مشروع دفاع” فحسب، بل “مشروع تمكين” أيضًا، يهدف إلى إعداد الشباب لفهم الثقافة الإعلامية التي تحيط بهم، وحسن الانتقاء والتعامل معها، والمشاركة فيها بصورة فعالة ومؤثرة.
ولتحقيق التربية الإعلامية أو الوعي الإعلامي أو الثقافة الإعلامية بنجاح، يجب أولًا تبني الفكرة والإيمان بها والعمل على تحقيقها. وهنا يجب التركيز على الجهة المحورية والرئيسية في العملية، وهي المدرسة والجامعة. بحيث يتم إدماج موضوعات التربية الإعلامية ضمن المقررات الدراسية المختلفة لحماية النشء من أضرار الإعلام، وتدريبهم على التفكير النقدي والتحليلي في تعاملهم مع المنتجات الإعلامية المختلفة، وتنمية مهارات واستراتيجيات تحليل ومناقشة الرسائل الإعلامية لديهم، إضافة إلى إدراك وفهم وتقدير المحتوى الإعلامي كعنصر يمد ويزود الأفراد ببعدهم الثقافي وانتمائهم الحضاري.
والجدير بالذكر أن دول العالم تختلف حول فكرة إدماج التربية الإعلامية ضمن المناهج الدراسية فعلى سيل المثال؛ هناك دول متقدمة وضعت أسس التربية الإعلامية في المناهج الدراسية، وأعدت المعلمين ودربتهم، ووفرت المصادر التربوية لتعليم التربية الإعلامية في المدارس والجامعات، مثل كندا وأغلب دول أوروبا. على الجانب الآخر، هناك دول فيها تربية إعلامية مدرسية، لكنها غير منتظمة وغير مكتملة مثل إيطاليا وإيرلندا، ودول ما تزال التربية الإعلامية بها في مرتبة التعليم غير المدرسي، حيث تُقدم فقط من خلال برامج الشباب، والجماعات النسائية، ودور العبادة، مثل الولايات المتحدة الأمريكية، ودول العالم الثالث. أما عن الدول العربية فنجد أن الجمهورية اللبنانية على سبيل المثال تقوم بتدريس الطلاب خمس حصص بعنوان “التربية الإعلامية” ضمن مادة التربية الوطنية والتنشئة الاجتماعية في الصف الأول المتوسط، كما تقدم لطلاب الصف الثالث الثانوي أربع حصص ضمن المادة نفسها بعنوان “الإعلام والرأي العام”.
وإضافة إلى المدرسة والجامعة يجب ألا نغفل دور أولياء الأمور ومسؤوليتهم نحو الاهتمام بتثقيف وتوجيه أبنائهم للتعامل الواعي والمسؤول مع وسائل الإعلام.
وأخيرًا.. يمكن القول أن التربية الإعلامية تعبر بالدرجة الأولى عن مستوى تحضر الشعوب ومدى قدرتهم على الاستفادة من التطورات التكنولوجية في ميدان الإعلام والاتصال دون التخلي عن خصوصياتهم الثقافية وكل ما يميزهم مما يضمن لهم الرقي الفكري والحضاري وفي نفس الوقت المحافظة على هويتهم الثقافية.القاهرة24