من المستفيد الأكبر من الاتفاق؟
سوسن الشاعر
يعد الاتفاق السعودي الإيراني برعاية الصين طوق النجاة للنظام الإيراني، وفرصة لا يمكن تفويتها في هذه المرحلة من عمره الزمني، في هذا الوقت الذي ينعزل فيه النظام دولياً أكثر من أي وقت مضى تقدم الصين والسعودية عرضاً للنظام الإيراني يضمن بقاءه واستمراره في حال التزامه بالمطلوب، وهي مطالب لا تقف عند الملف النووي كما كان الوسيط الأميركي الأوروبي يضعه شرطاً لرفع العقوبات، بل يتجاوز ذلك بكثير، إذ يربطه بكل ما يمس أمن المملكة العربية السعودية.
صحيح أن خير ومنافع هذه الاتفاقية سيعم على الجميع – إن نفذتها إيران – إنما المستفيد الأكبر منه هو الجانب الإيراني بلا شك وبلا حسبة وبلا تردد في الإجابة.
فنظرة إلى الأوضاع في المملكة العربية السعودية؛ الاقتصادية منها، والأمنية، على كل صعيد أظهرت تقديرات الهيئة العامة للإحصاء في السعودية، ارتفاع الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي للمملكة بنسبة 5.5 في المائة في الربع الرابع من 2022. على أساس سنوي.
فيما نما الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي المعدل موسمياً بنسبة 1.3 في المائة في الربع الرابع من العام الماضي، بالمقارنة على أساس ربعي، والخلاصة أن الاقتصاد السعودي ينمو 8.7 في المائة في 2022 بأسرع وتيرة خلال 11 عاماً ونمو الأنشطة النفطية بمعدل 15.4 في المائة خلال العام الماضي.
فيما على الضفة الأخرى من الخليج العربي نشر صندوق النقد الدولي مؤخراً تقريراً توقع أن ينخفض فيه معدل النمو الاقتصادي الإيراني البالغ 3 في المائة في عام 2022 إلى 2 في المائة في عام 2023. أما العملة الإيرانية فإنها في حالة انهيار وتدهور مستمر لم تبلغ مثله في التاريخ الإيراني كله، فقد وصل سعر صرف الدولار إلى 447 ألف ريال!
وعلى صعيد المقارنة الأمنية؛ فالوضع لا يختلف كثيراً، وتميل الكفة لصالح المملكة العربية السعودية بامتياز، حيث تجد الأمن مستقراً، ومثلما كان نموها الاقتصادي مزدهراً وجعلها من الدول العشرين، وفائض ميزانيتها يشهد ومشاريعها الكبرى تتحدث عن نفسها، تجد شعبها ملتفاً حول قيادته وتزايد شعبية نظامه، على العكس تماماً من الأوضاع في إيران، حيث العملة المنهارة والاقتصاد الميت والشعب في ثورة مستعرة ما زالت حتى اللحظة ضد النظام، وسجونه مكتظة بالمحتجين.
بكل المقاييس والمعايير فإن المستفيد الأكبر من هذه الاتفاقية هو الشعب الإيراني، إن طبقت الاتفاقية.
لو حسبناها بالمنطق، فإن المطلوب من النظام الإيراني سيكون كثيراً، لكنه بالمقابل سينعم بالأمن وسيزدهر اقتصاده وسيخفف كثيراً من حدة الاضطرابات الداخلية، والمطلوب من السعودية قليل جداً، باعتبارها لم تتمدد خارج حدودها كما فعلت إيران، ولم تمول من يهدد إيران على حدودها كما فعلت إيران، أي أنها لم تشكل تهديداً، أو تدخلت في الشأن الإيراني مخالفة لما نصت عليه الاتفاقية.
فليس هناك الكثير مما ستتخلى عنه السعودية، إنما المطلوب من إيران أن توقف ميليشياتها المسلحة التي على حدود السعودية الشمالية والجنوبية، وأن توقف دعمها للإرهابيين الفارين من العدالة من الخليجيين، وتتوقف عن تمويلهم ورعايتهم، فجميعها مهددات لأمن المملكة.
إن غيرت إيران مسار نظامها فعلاً وأعادت تشكيل نظامها السياسي وتخلت عن مبدأ تصدير الثورة والادعاء برعاية الطوائف الشيعية وجماعات إخوان المسلمين وفلول «القاعدة» من الدول العربية، وكلها مهددات لدول المنطقة، فإنها ستقر أخيراً بعد ما يقارب الخمسة عقود أنها كانت على خطأ طوال نصف قرن، وأنه آن الأوان لأن تتصرف كدولة تحترم المواثيق والمعاهدات والحدود السيادية، فإن نفذت هذا التغير المطلوب فإنها ستأكل الشهد فعلاً من الاستفادة من التحولات في موازين القوى لصالح منطقتنا، والاستفادة من النهضة التي تمر بها الدول الخليجية، وبالذات في المملكة العربية السعودية، وستستفيد من الاستثمارات التي ستجمع المصالح بين الدول الخليجية وإيران.
السعودية ومعها دولة الإمارات وقطر وعمان تمد اليد للنظام الإيراني مساعدة له هذه المرة، وإنقاذاً له، من أجل قطع الطريق على حرب جديدة في المنطقة لن تكون إيران فيها الخاسر الوحيد، ما تعرضه السعودية والصين على إيران طوق نجاة له كنظام، وإعادة علاقته بشعبه إلى المسار الصحيح، حيث سيستفيد هذا الشعب من الاهتمام به وحده، لا إهماله على حساب أحلام وطموحات النظام.
ما يعرض الآن على إيران هو أن تكون عضواً فاعلاً في أمن المنطقة لا عدواً لها، ما هو معروض أن يتخلى النظام الإيراني عن ثورته بعد نصف قرن ويتمسك بدولته، وعليه أن يحدد موقفه من هذا العرض والفرصة السانحة، إما التزاماً يعيد الأمل للشعب الإيراني، وإما التفافاً يعيده هو للمربع الأول معزولاً في محيطه.الشرق الاوسط