واشنطن تنقل الطائرات المتطورة من الخليج:لماذا كل هذا الاطمئنان لإيران؟
خطوة إضافية تشجع الخليجيين على البحث عن بدائل.
واشنطن- أثارت أنباء عن قرار الولايات المتحدة تحريك مقاتلات متطورة من الخليج إلى أوروبا وشرق آسيا، وتعويضها بطائرات قديمة ومخصصة للإسناد الأرضي وليس للتفوق الجوي في الخليج، تساؤلات عن نوايا واشنطن من وراء هذه الخطوة، وعن سر الاطمئنان الأميركي لإيران.
يأتي هذا الموقف فيما يقول مراقبون إن إدارة الرئيس جو بايدن تغامر بتهديد المصالح الأميركية في الخليج من خلال ردود فعل غير محسوبة تعمّق الهوة بينها وبين شركائها في المنطقة، وخاصة السعودية، وتدفعهم إلى تسريع البحث عن بدائل إستراتيجية.
وقال تقرير أميركي إن الولايات المتحدة سترسل طائرات هجومية قديمة من طراز إيه – 10 لتحل محل الطائرات القتالية الأكثر تطورا في الشرق الأوسط، وذلك في إطار جهودها لنقل المزيد من المقاتلات الحديثة إلى المحيط الهادي وأوروبا لردع الصين وروسيا.
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال عن مسؤولين أميركيين قولهم إن نشر طائرات إيه – 10 المقرر في أبريل يأتي ضمن خطة أوسع تتضمن أيضا الإبقاء على قوات بحرية وبرية محدودة بمنطقة الشرق الأوسط.
وليست هذه الخطوة الأولى التي تعلنها واشنطن بشأن سحب أسلحة متطورة من الخليج ونقلها إلى أماكن أخرى، فقد سبق أن أعلنت عن خطة لسحب أربع بطاريات صواريخ ثاد وباتريوت مع طواقمها من السعودية ضمن مسار المناكفة الذي دأبت عليه إدارة بايدن منذ استلامها الحكم قبل أكثر من عامين.العرب
ويرسل سحب الولايات المتحدة أسلحتها المتطورة من الخليج إشارات واضحة إلى إيران أولا لطمأنتها بأن واشنطن لم تعد ترى فيها العدو الذي يمثل خطرا على مصالحها الإستراتيجية في منطقة حيوية، وثانيا لحثها على التحرك بحرية في المنطقة وتهديد مصالح الشركاء الخليجيين وحتى مصالح واشنطن خصوصا أن هجمات الإيرانيين المباشرة وغير المباشرة عبر الحوثيين والميليشيات العراقية عمليا مستمرة.
ولا تقف الهجمات التي تنفذها أذرع إيران عبر المسيرات وصواريخ كروز عند منشآت النفط السعودية، بل طال مداها مواقع أميركية في العراق وسوريا.
وعلى المدى البعيد سيكون بوسع الحوثيين أن يهددوا حركة الملاحة وعبور شحنات النفط عبر البحر الأحمر الذي يبذلون كل ما في وسعهم للتحكم فيه تحت أنظار الأميركيين، وفي ظل مراقبة غير فعالة لصد تهريب الأسلحة الإيرانية إليهم.
ويتساءل متابعون للشأن الخليجي عما إذا كانت الولايات المتحدة قد اقتنعت بأن التهديد الذي تمثّله إيران على مصالحها في المنطقة قد تراجع بشكل يتيح لها تخفيف وجودها، خاصة أن كل المؤشرات تقول العكس بما في ذلك القلق الإسرائيلي المتزايد من الدور الإيراني في سوريا ولبنان والأراضي الفلسطينية، وكذلك القلق الأميركي من نفوذ الميليشيات الموالية لإيران في العراق.
ولئن كان التخوف من الوضع في شرق آسيا وأوروبا مفهوما في ظل التحديات الصينية والروسية التي تواجه واشنطن، فإن سحب عناصر التفوق الأميركي من الخليج يعتبر بمثابة تخلّ عن المنطقة ودفع لدولها إلى البحث عن بدائل دفاعية لدى دول مثل الصين وروسيا.
ويميل المتابعون للخطوات الأميركية الأخيرة في الخليج إلى اعتبارها ردود فعل من إدارة بايدن تجاه تحرك السعودية نحو تنويع شركائها، وخاصة تقاربها الأخير مع إيران في خطوة فاجأت الولايات المتحدة، التي كانت تتخذ من عنصر التخويف من الخطر الإيراني ورقة ضغط على المملكة.
وتعرضت السعودية على مدار الأعوام الماضية للمئات من الهجمات التي شنها الحوثيون بصواريخ باليستية، وطائرات مسيرة استهدفت أساسا منشآت نفطية ومدنية، وهو ما دفعها إلى البحث عن بدائل كان من ضمنها خيار التهدئة السياسية مع إيران الذي قد يقود إلى تأمين حدودها ومنشآتها بدلا من الرهان على دور عسكري أميركي غير متأكد ومرهون لمزاجية البيت الأبيض.
وأيا كانت نوايا واشنطن، لا شك أن الخليجيين سيفهمون أن قرار سحب عناصر القوة الأميركية من منطقتهم ليس تهويشا ولا ردّ فعل آنيّا على التقارب مع الصين وسيبدأون فعليا بترتيب علاقتهم العسكرية وفق هذا التطور، خاصة بعد تكرر تلويح واشنطن بتخفيف وجودها من منظومات الصواريخ الدفاعية إلى المقاتلات المتطورة.
وكان تلويح واشنطن بسحب بطاريات الباتريوت قد حفّز السعوديين على الاقتراب من روسيا والتفكير في منظومة صواريخ أس 400.
ويرى محللون سياسيون أن واشنطن تدفع ثمنا باهظا جراء مواقفها المتذبذبة من الخليج، وظهر ذلك في التحالف السعودي – الروسي في أوبك+ الذي يتحكم إلى حد الآن في الكميات المعروضة بالسوق ويحكم قبضته على الأسعار بالرغم من ضغوط واشنطن ومساعيها للتأثير على السعودية عبر التلويح بقانون نوبك.
وقاد ذلك أيضا السعودية إلى تخطي المحاذير الأميركية والقبول بالوساطة الصينية مع إيران، وهي وساطة تحمل أبعادا أكثر مما حققته من تقارب مع طهران، حيث ستفتح الباب واسعا أمام الصين كشريك ذي مصداقية في الخليج، وستساعد على إنجاح مشروعها الإستراتيجي مبادرة الطريق والحزام أو طريق الحرير الجديدة.