أدب الطفل بين الهوية والتراث والإبداع
فاطمة المزروعي
يعتبر الأدب واحداً من أهم المجالات الإنسانية التي تظهر فيه قيم ومبادئ المشتغل فيها بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، فالمنتج الأدبي على تعدد أجناسه، من الرواية إلى الشعر وصولاً إلى القصة القصيرة والمسرح وقصة الطفل وغيرها، يُصبغ في أحيان كثيرة بمبادئ وقيم وهوية مؤلفيه ومن يشتغل على إنتاجه، وهنا تظهر جوانب عدة جديرة بالمناقشة، مثلاً لمن يكتب المؤلف؟ وعندما يبدأ الكاتب في الكتابة لمشروعه ومنجزه هل من الأهمية الالتزام بمختلف الجوانب التي توضح هويته وتفصح عنها، أم أن الأمر متروك وفقاً لتسلسل الأحداث في منجزه؟ ويصاحب مثل هذه الأسئلة جدل واسع ومتعدد، ويشترك فيها المختصون من النقاد والدارسين في هذا المجال، والمشتغلين بالكتابة والتأليف، وأيضاً القراء على اختلاف مستوياتهم الثقافية والفكرية، والجميع لهم آراء تتعدد وتتنوع.
واحدة من القضايا والمواضيع الجدلية في هذا السياق، موضوع القصة التي يتم إعدادها وتكون موجهة للطفل، فهناك من يرى أهمية أن تتضمن جوانب عن الهوية لغرسها في قلوب النشء منذ نعومة أظفارهم، وأن هذه واحدة من أدوار الأدب وتحديداً قصة الطفل، حيث من المفترض أن تكون مساهمة في جهود تربية ورعاية الطفل وتقويم سلوكه وتغذيته بالمبادئ والقيم؛ وهناك من يرى أن استخدام الأدب وتحديداً قصة الطفل في هذه الجوانب، هو اقتحام ودخول على أدوار ومهام جهات أخرى مهمة مثل الأسرة والتربية والمدرسة ونحوها من مؤسسات المجتمع، بينما قصة الطفل، وظيفتها أن تثير الحماسة لدى الطفل وتغرس الخيال وتمنحه أفقاً واسعاً من التفكير، بمعنى أن تساهم في تقوية عقل الطفل وحضوره الذهني، وتجهزه لمواجهة تحديات الحياة، بعيداً عن التوجيه المنظم، بل من المهم أن يترك للطفل حرية التفكير والقرار، وبالتالي لا نقدم له نصوصاً قصصية موجهة أو متضمنة إرشادات وتوجيهات، لأن هذا يكون بعيداً عن روح الفن القصصي ورسالة الأدب بصفة عامة.
إن قصة الطفل واحدة من أهم الأدوات المفيدة في هذا السياق، والتي يمكن أن تكون بمثابة ربط غير مباشر بين الهوية وبين عقل الطفل وتطلعاته المستقبلية. لقد دخلت التقنيات الحديثة في تفاصيل هذه الحياة، ومن البديهي أن تكون أجناس الأدب ومنها قصة الطفل، متأثرة وتجد مزاحمة مع الكثير من وسائل الترفيه الحديثة، ومع هذا فإن حضور القصة وأهمية دعمها لتكون متواجدة في داخل المنازل وفي المكتبات المدرسية وغيرها من مفاصل المجتمع، هي خطوة مهمة وحيوية، لأسباب عدة، أولاً لتكون القصة نفسها جزءاً من هذا التطور، بمعنى أن نقدمها باستخدام التقنيات الحديثة نفسها، وبالتالي نحن مطالبون أن نطور طرق وآليات نشرها من التأليف إلى صناعة كتاب الطفل، وهناك نافذة جديدة مثل الكتاب الإلكتروني، والذي يمكّن القارئ من تصفح الكتاب وكأنه يقرأ في كتاب ورقي، وهذا يعني أن نعمل على إيجاد مبادرات قوية تؤدي إلى قفزة في صناعة الكتاب نفسه.
أعتقد أن قصة الطفل، يمكن أن تكون واحدة من أهم الأدوات التي نغذي بها الهوية عند الطفل، وأن تكون وسيلة بيد الأسرة والمعلمين والمؤسسات الاجتماعية نحو جيل يدرك تماماً تحديات الهوية، ويعرف تماماً واجباته تجاه هويته ومبادئه وقيمه.