المصالحة الوطنية الحقيقية وهيئة التشاور ..
قاسم عبدالرب عفيف
عادةً قبل كل مصالحة لابد من ابداء حسن النوايا ولكن في حالة المصالحة هذه لم تكن حسن النية متوفرة لا زال الجنوب ومع سبق الاصرار والترصد في دائرة الحصار الجائر وهناك عشرات الالاف من العساكر والمدنيين بدون رواتب ولعدة اشهر وهناك خدمات متدهورة والصيف القادم سيكون اشد حرارة فالحكومة الشرعية تكيل بمكيالين بينما توافق على تمويل الانقلابيين بالرواتب لجميع موظفيه العسكريين والمدنيين من ثروات الجنوب تقوم بحرمان الجنوبيين من حقهم في الراتب وتوفير الخدمات وهنا بداء يساورني الشك في ان هذه الحكومة لا تحارب الحوثي وانما توجه حربها ضد الحنوب والسؤال على كيف هي الشراكة بين الانتقالي مع حكومه تتلذذ في تعذيب شعب الجنوب ؟ والمأساة انها تنعم بالامن والامان بفضل النصر الذي حققه شعب الجنوب.
ما تقوم به هيئة المصالحة والتشاور البوم يشوبه الغموض ولا يرتقي الى اجراء مصالحة حقيقية على الاطلاق وقد شكلت بقرار من رئيس غادر المشهد بظروف غامضة وتم تعيين قوامها من موظفي الشرعية وهم جزء اساسي من الصراع الدائر مع اضافة عدد محدود من ممثلي الانتقالي وقوى اخرى وباختصار الغالبية يمثلون مراكز قوى كانت سبب في الازمة والحرب فماذا تتوقع ان يكون نتاج عملها ؟
المصالحة الحقيقية هي ان تبدأ باعادة قراءة التاريخ بشكل منصف مع وضع ضوابط لسير الحياة ورسم طريق اَمن للاجيال القادمة منها جبر الضرر وحل للمشاكل المزمنة وفي حالة اليمن لابد من اعادة قراءة التاريخ بالنسبة لصنعاء منذ ما قبل عام 62،م وبالنسبة لعدن منذ ما قبل العام 63 م وهما تاريخان منفصلان عن بعضهما البعض ولا تصلح معالجة هذه الامور بلجنة او هيئة مشتركة ان اردنا الوصول الى نتايج صحيحة لهذا يفترض تشكيل هيئات منفصلة عن بعضها البعض بعيدا عن التاريخ المزيف الذي كتبته الانظمة او الاحزاب التي كانت تقدم الايدلوجيات والنظريات الوافده عبر قنواتها الحزبية سواء كانت قومية او دينية او ايدلوجيات اخرى وتقوم الباسها على واقع المجتمعات في الشمال والجنوب ومن المهم ان تتم اعادة قراءة التاريخ بما كان وكيفما كان عليه في تلك المجتمعات وليس كما هو في مخيلات تلك الاحزاب حتى تستقيم الاوضاع دون حدوث هزات وانقلابات او صراعات بينية قادمة.
لو عدنا للتجارب السابقة نجد ان هناك عداء كامل وصريح بين اية مصالحات حقيقية وبين الحكام السابقين والذي حاولوا تجنب اجراء مصالحات حقيقية ودخلوا في صفقات شخصية دون تسوية الملعب السياسي من الصراعات ومن الاستحقاقات الاخرى واكثر مثال على ذلك ما جرى للوحدة التي تمت دون ان تسبقها اية مصالحات او اصلاحات داخلية في الجنوب ولا في الشمال وكان يفترض ان تتم مصالحة داخلية في كل دولو قبل البدء في اي وحدة او اتحاد بين الدولتين ولكن رغبة القفز على الواقع كانت موجودة عند القيادات التي تصدرت الوحدة وكانت القفزة هائلة نحو المجهول بان تمت الوحدة على اساس اندماجي وفقا للدستور الذي تم شطب بعض مواده لتوافق ومزاج المندمجين في نشوة ساحرة ولحظات حميمية لم تستمر طويلا وبعدها كما يقول المثل ذهبت السكره وجاءت الفكرة وكل منهم بدأ يعيد حساباته ولم يفلح الا الذي كان مخطط مسبقا لما يريد ان يوصل اليه وفشل من كان يعيش اللحظة الدرامية بعشوائية وانتهت بانتهاء السكرة واصبح يندب حطه التعيس وصار ما صار وحتى الذي فكر. بالاستحواذ على المشروع النهضوي الوحدوي الكبير بواسطة الغدر والفهلوه وجد نفسه في نهاية المطاف يدفع ثمن تهوره وجشعه وجشع جماعته التي اكلت الاخضر واليابس واصبح وجودهم في الحكم لا يطاق وانتفض الشعب في الجنوب ليقول كلمته بان يرحل المحتل الشمالي من ارض الجنوب وبعد حين انتفض الشباب في صنعاء ومدن اخرى ليقولوا ارحل ولكن فرحتهم لم تتم حيث تم سرقة ثورتهم من قبل احزاب المشترك التي دخلت في خط الثورة وتحولت الى صراع مسلح بين قطبي الصراع في صنعاء مؤتمر واصلاح وكانت النتيجة ان اتى فارع من الشارع واستولى على الحكم بمساندة احد طرفي الصراع وتخاذل الطرف الاخر في الدفاع عن عاصمة البلاد وولى هاربا الى الخارج ودخلت البلاد والعباد في اتون حرب استمرت ثمان سنوات كان نتيجتها ان دخل الاقليم بكل تفاصيلها وايضا العالم كله.
مشكلة اليمن انها تدخل في حوارات سطحية حول تقاسم السلطة فقد تحاوروا اثناء الازمة بين الاشتراكي وتحالف الحكم في صنعاء بمشاركة القوى الوطنية الاخرى ووصلوا الى ان اعدوا وثيقة سميت العهد والاتفاق وتم توقيعها في الاردن تحت رعاية الملك حسين بن طلال ولكن بعد ايام كانت بوادر الحرب قد بدأت وتم رمي الوثيقة في مزبلة التاريخ وسميت وثيقة الخيانة من قبل الشمال المنتصر لانه كان يشعر بانه قوي ويستطيع ان يكتسح الجنوب وكان له ما اراد ولو تمت مصالحات واصلاحات حقيقية في الجنوب والشمال قبل الوحدة لما كانت هناك حرب في عام 94م.
في الحالة الاخرى كان هناك حوار اخر لمدة عام تحت اشراف اقليمي ودولي في صنعاء ومجرد ما انتهى الحوار الا وبوادر الحرب قد بدأت وتشكلت تحالفات من نوع اخر وكلها تحالفات لاعادة تقاسم السلطة ادت الى وجود طرف ثالث خارجي دخل الى اليمن من هذه البوابة الضيقة لتصبح ايران جزء من الازمة وتتباهى بانها استولت على العاصمة العربية الرابعة وكانت الحرب التي توجهت نحو الجنوب ومن غرائب الزمن لا زالت الحرب على الجنوب قائمة رغم ان الجنوب قد حقق انتصار يشهد له التاريخ واصبحت الحرب بمختلف مسمياتها العسكرية والارهابية والاقتصادية والخدماتية وتنفذ حتى اليوم على ارض الجنوب بينما انقلابيو صنعاء يحظون بالتفهم الكامل من قبل الاطراف الدولية والاقليمية والشرعية وتحولوا الى طرف اساسي يقرر الحرب والسلام والجميع يقوم بتلبية طلباته على اكمل وجه.
اليوم تتكرر عملية تشكيل هيئة التشاور والتصالح بهدف اعادة تموضع القوى السياسية في خارطة السلطة وليس للوصول الى نتائج واقعية لحلول لمشكلات هي سبب الازمات والحروب لارساء صروح ثابته وامنة للمستقبل.
واغرب تصرح لهذه الهيئة يقول بان بوابة السلام تاتي بعد هزيمة المشروع الايراني في اليمن واضح ان هذا التصريح لمجرد تتويه الراي العام المحلي وهي هذه الهيئة تعرف ان هناك مفاوضات تجري على قدم وساق مع القائمين على المشروع الايراني بصنعاء بوساطة اقليمية ودولية وبمباركة الشرعية منذ زمن السؤال عن اي هزيمة تتحدث هذه الهيئة ؟ وهل تعلم ايضا هذه الهيئة بانه لا تجري اية تجهيزات عسكرية لمواجهة المشروع الايراني على الارض السؤال كيف سيتم هزيمة هذا المشروع ؟ وهل حصار الجنوب ياتي في سياغ هزيمة المشروع الايراني في اليمن ؟ واسئلة كثيرة مطروحه عليهم .
الاعتراف بالواقع فضيله ولحل ازمة الواقع الراهن لابد من الفصل بين الحالة الجنوبية والحالة الشمالية فالجنوب تحرر وحقق انتصارات ولديه حامل سياسي يفترض ان تشكل هئبة جنوبية لاجراء مصالحة بين القوى السياسية المجتمعية لانتاج تحالف جنوبي يسمى جبهة وطنية او اي مسمى يتفق عليه الجنوبيون يدير الوضع الجنوبي وفي ذات الامر تشكل هيئة شمالية تجمع كل المتناقضات بين شرعية وقوات حرس جمهوري وقوات شرعية في مارب يسيطر عليه حزب الاخوان المسلمين واية قوى اخرى ويشكلوا جبهة موحدة وهم يقرروا ماذا يريدوا هل يريدوا التفاوض مع الحوثي ؟ او القتال ؟ فالجنوب جاهز لدعمهم ويكون هناك تفاهمات حول الحل النهائي بعد ذلك بشكل ودي بين الجنوب والشمال ولكن بعد ان نرى ان الشمال اصبح ند للجنوب في المفاوضات القادمة وطالما لا زال الشمال مشرذم بين قوى سياسية وعسكرية من جانب وتسمي نفسها شرعيه وبين وقوى طائفية سلالية تسمي نفسها ايضا شرعية ونلاحظ التماهي بينهما على حساب الجنوب لذا فالمدخل الصحيح لاجراء مصالحة اولا بين اطراف معسكر الشرعية وبعدها يتفقوا على الطريق الذي سيسلكونه في التعامل مع الطرف الاخر في صنعاء اما بالحرب او بالسلم واما مواصلة الهيئة لعملها بطاقمها الحالي مع تناقص اهدافها من الصعب جمعها في اطار. هدف واحد حول ازمة السلطة وخاصة وهي تعتمد على مرجعيات قد عفى عليها الزمن وقد تغيرت كثير من الوقائع على الارض وخاصة بعد مارس 2015 وبعد ثمان سنوات من الحرب مع تراجع المجتمع الدولي والاقليمي عن بعض المرجعيات وخاصة وهم يجرون مع الحوثي مفاوضات مباشره وتتعامل معه كامر واقع فاذا كان الامر كذلك فالجنوب المنتصر يحب ان يعتبر امر واقع والكره الان في ملعب الشرعية الشمالية المتشرذمة والتي تتطلب تصالحا حقيقيا فيما بينها لكي تحسم امرها اما بالتفاوض سلما مع الحوثي او حربا وكلا الحالتين الجنوب جاهز لدعمها غير ذلك فالاستمرار بهذه الطريقه انما هو مجرد ضحك على الذقون وضياع للوقت واهدار للامكانيات ولن ينتج عنه الا مزيد من الفشل الا اذا كانت هناك اجندات اخرى غير معروفه فهذا شيىء اخر وبصراحة يفترض ان لا يرتبط الجنوب بهذا الفشل الذي نراه امامنا فلتتوحد جهود الشماليين نحو استعادة عاصمتهم وجمهوريتهم بالسلم او بالحرب كخطوة اساسية لايجاد ارضية للتحاور بين الجنوب والشمال فلا مجال لربط الجنوب بفشل الشمال وهذا هو الطريق الصحيح لتصحيح اخطاء الماضي.
من قرارات الهيئة المطالبة برفع العقوبات الدولية عن احمد علي عبدالله صالح دونا عن بقية المعاقبين علما بان من طالب بادراجه ضمن قائمة المعاقبين دوليا هي الشرعية ذاتها وكان الاولى ان تطالب الهيئة الحكومة بدفع رواتب الجنود والموظفين الجنوبيين فورا وكذا مطالبة الحكومة باتخاذ اجراءت لتحسين الخدمات الكهربائيه في عدن.