الأعين على حرب اليمن التي قد تضع أوزارها
عدن-عدن اوبزيرفر:
مع الإعلان عن التقارب السعودي- الإيراني كانت جميع التحليلات تربطه بمدى انعكاسه على الملف اليمني المثقل بدماء حرب ضروس أشعلها وكلاء طهران منذ ثمانية أعوام.
ويرجع الربط الوثيق إلى إدراك الجميع أن مفاتيح إنهاء الانقلاب وتحقيق تفاهم موضوعي مع ميليشيات الحوثي تكمن في حقيبة النظام الإيراني مع رغبة الجميع في إغلاق ملف الحرب الذي طالت مأساته واتسعت مقاساته.
يد في مقبض الباب
وفقاً لواقع الحال اليمني فإن مهمة إنهاء الحرب التي أشعل فتيلها انقلاب ميليشيات الحوثي منذ عام 2014 بدعم إيراني لم يتوقف، سبقته ست حروب مع نظام الرئيس الراحل علي صالح منذ عام 2004 في أعقاب ظهور جماعة عقائدية انتحارية تدعي الحق الإلهي في الحكم لن تتم بمجرد عودة العلاقات الدبلوماسية بين إيران والسعودية.
وبحسب مراقبين، حققت الميليشيات الحوثية، بسبب الفراغات البينية الفادحة التي تركتها الشرعية، مكاسب سياسية واقتصادية استراتيجية وعسكرية لم تكن تحلم بها، بالتالي ليس من السهولة لجماعة طائفية أن تفرط بها، إلا أن من الممكن أن يتيح ذلك للسعودية قائدة التحالف العربي الإمساك بزمام اليد التي ستغلق هذا الباب الذي دخلت منه رياح كثيرة شغلتها عن ملفات عدة منها مواصلة السير نحو المستقبل في إطار مساعيها للتحول إلى قوة اقتصادية كبرى ضمن “رؤية 2030” التي تترجم الطموح السعودي غير التقليدي في المنطقة.
من يمرر نفوذه؟
ومع ما يتردد أن حرب اليمن مجرد صراع نفوذ بين السعودية وإيران، فالواقع يؤكد أن المسألة أكثر تعقيداً بعدما اتخذت الأخيرة من الصراع الطائفي العرقي وسيلة لمشروعها السياسي الذي يهدد بنسف ما بقي من نسيج اجتماعي وطني ظل متعايشاً لقرون، ويستميت منذ عقود لتصدير ثورته الطائفية ودعم ميليشيات ذات بنية دخيلة ترفض خيارات الشعب اليمني وتوافقهم السياسي في اختيار من يحكمه وشكل دولته استناداً إلى اعتقاد طهران بتفوقها الجيني ومحاولتها استنساخ التجربة الإيرانية (قائد الثورة – المرشد الأعلى) وفرض عقيدة “الولاية والحق الإلهي” وظنها أن القوة الميليشياوية بإمكانها ابتلاع اليمن واقتلاع هويته ليصبح، وفقاً لمسعاها الحثيث، مجرد “حوزة شيعية” والشعب مجرد “حشد شعبي” يردد خلف “المشرف” الصرخة، ويقدم “ماله ونفسه فداء لعلم الهدى سيدي عبدالملك الحوثي” ومشروعه الطائفي.
ووفقاً للباحث السياسي، علي العبسي، فالاتفاق من الممكن أن يحد من النزاع الذي انزلق إلى صراع طائفي لا ينتهي لمجرد عودة العلاقة بين بلدين.
يوضح “نحن أمام توقعين الأول هو تخفيف حدة الصراع في اليمن وترك القضية اليمنية لأبنائها مع استمرار كل طرف بدعم حليفه مع بوادر تمديد الهدنة”.
إشكاليات يمنية-يمنية
أما التوقع الثاني بحسب العبسي، فهو “إيجاد تسوية سياسية شكلية تكرس الوضع القائم بمعنى أن ما تحت يد الحوثيين يظل معهم وما تحت يدي الأطراف الأخرى يظل كما هو في شكل حل سياسي سيظل ملغوماً ربما ينفجر بعد وقت معين”.
ويرى أن “المشكلة يمنية- يمنية نابعة من إشكاليات تاريخية في التركيبة السياسية والاجتماعية عزز منها وجود تعقيدات كثيرة فاليوم لدينا المجلس الانتقالي ومجموعات قبلية وطموحات حزب الإصلاح (الإخواني) وغيرها من الفصائل السياسية الأخرى”.
ويخلص إلى أن حل الصراع “بيد اليمنيين أولاً وأخيراً”، كونه يستبعد اتفاق السعودية وإيران على التوصل “إلى اتفاق معين للقضية اليمنية”.
ضغط مباشر من طهران
ولا يستبعد باحثون سياسيون تأثيرات هذا التقارب في المشهد اليمني بالشروع في خفض التصعيد والاستمرار في التهدئة مع اقتراب متوقع لتمديد الهدنة الأممية المنتهية منذ شهر عدة، إذ نقلت وكالة “أسوشييتد برس” الأميركية عن الباحث المقيم في معهد دول الخليج العربية بواشنطن (AGSIW) حسين إبيش قوله إنه “من المحتمل جداً أن تلتزم طهران بالضغط على حلفائها في اليمن ليكونوا أكثر استعداداً لإنهاء الصراع في ذلك البلد، لكننا لا نعرف حتى الآن ما هي التفاهمات التي تم التوصل إليها من وراء الكواليس”.
وذكر التقرير بأنه من خلال إصلاح العلاقات مع إيران، وربما التراجع في خصوص اليمن، يمكن للسعودية أن تواصل دفعها الدبلوماسي الواسع النطاق الذي شمل أيضاً التقارب الأخير مع قطر وتركيا.
شهد اليمن هدنة برعاية أممية ودعم من تحالف دعم الشرعية في اليمن، بدأت في أبريل (نيسان) وجرى تمديدها أكثر من مرة حتى الثاني من أكتوبر (تشرين الأول) عندما رفض الحوثيون تجديدها ببنود إضافية ومدة ستة أشهر.
ستصدر تعليمات جديدة
وفي إطار التوقعات بضغط طهران على حليفها الحوثي، قال سفير اليمن لدى منظمة العلم والثقافة (يونيسكو) محمد جميح إن إيران لأعوام طويلة تسعى إلى استعادة العلاقات مع السعودية.
وأشار في تغريدة له إلى أنه “من الطبيعي في حكم السياسة أن تعود العلاقات، لكن ماذا عن وكلاء طهران بالبلدان العربية؟! بلغوهم من الآن أن يلطفوا لغتهم”.
وأضاف “لا داعي لمصطلحات ’وهابيين تكفيريين وحكاية قرن الشيطان وفتح مكة‘” في إشارة إلى خطابات ظل يرددها قادة الحوثي خلال الأعوام الماضية.
واختتم جميح حديثه قائلاً إن “العمامة السوداء سترسل التعليمات الجديدة”.
تفاؤل وحذر
وجاءت ردود فعل الحوثيين على الاتفاق أكثر رصانة دبلوماسية وعلق الناطق باسم الجماعة محمد عبد السلام بقوله إن المنطقة بحاجة إلى عودة العلاقات الطبيعية بين دولها.
هذه اللغة يساندها الموقف العام لداعميهم الإيرانيين ومنها ما جاء على لسان أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي شمخاني بأن طهران اتفقت مع الرياض على فتح صفحة جديدة بناء على مصالح البلدين والأمن الإقليمي في حين عبرت الحكومة اليمنية عن ترحيبها بالاتفاق على استئناف العلاقات بين السعودية وإيران واستدركت في بيان للخارجية بأنها “مستمرة بالتعامل الحذر مع طهران حتى نلمس تغييراً حقيقياً في سلوكها”.
حضور لافت
لعل اللافت في هذا التقارب أنه جرى برعاية بكين التي استقبلت الشهر الماضي الرئيس الإيراني الراديكالي إبراهيم رئيسي، في حين زار رئيسها الرياض في ديسمبر (كانون الأول) وعقد اجتماعات مع قادة السعودية ودول الخليج العربي التي تعد حيوية لإمدادات الصين من الطاقة، مما يشير، وفقاً لمراقبين، إلى تزايد الحضور الصيني على حساب الولايات المتحدة.
يقول العبسي إن دور الصين بارز ومؤثر في المنطقة وترجم خلال زيارة رئيسها إلى الرياض نهاية العام الماضي ويرى أن بكين “أفضل وسيط ممكن لايجاد صيغة تفاهم بدلاً من حال العداء التي نشبت بين البلدين عقب نشر إيران أذرعها المسلحة في المنطقة وتهديدها الأمن والسلم الدوليين، مما يضعها (إيران) على محك الالتزام الدولي أو خسارة حلفائها (الصين) الذين يحرصون بقوة على علاقات متطورة مع السعودية ودول المنطقة”.
ويتوقع أن الصين “ستضع ضمانات للدفع بتنفيذ الاتفاق وعودة العلاقات لمستوى معقول وهو خيار تسعى إليه إيران قبل غيرها”.
اختراق كبير
تقرير “أسوشييتد برس” وصف الخطوة بـ”الاختراق الدبلوماسي الكبير” الذي تم التفاوض عليه مع الصين، معتبراً أنه يقلل من فرص نشوب نزاع مسلح بين الخصمين في الشرق الأوسط، سواء بشكل مباشر أو في النزاعات بالوكالة حول المنطقة.
وبحسب التقرير، تمثل الصفقة “التي أبرمت في بكين هذا الأسبوع، انتصاراً دبلوماسياً كبيراً للصين بحيث ترى دول الخليج العربية أن الولايات المتحدة تنسحب ببطء من الشرق الأوسط الأوسع، كما تأتي في وقت يحاول الدبلوماسيون إنهاء حرب طويلة في اليمن”.
وعلى رغم انتهاء الهدنة إلا أن الحكومة اليمنية والتحالف العربي لم يخترقا وقف إطلاق النار ولم تتوقف رحلات صنعاء ولا تدفق الوقود إلى الحديدة، بينما ارتكب الحوثيون جملة انتهاكات بعضها تمثل في هجمات صنفها مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأوروبي والخارجية الأميركية بهجمات إرهابية، وهي تلك العمليات التي طاولت موانئ تصدير النفط واستيرداه.
المصدر: اندبندنت عربية