هل تحل الهيئة مكان البرلمان اليمني؟ خلافات حول مخرجات هيئة التشاور تعكس أزمة ثقة مزمنة بين مكونات الشرعية في اليمن
عدن اوبزيرفر-العرب: أثارت اجتماعات لهيئة التشاور والمصالحة في العاصمة عدن، وما تمخض عنها من مخرجات تم تسريبها إلى وسائل الإعلام اليمنية، ضجة واسعة؛ حيث كشفت تلك المخرجات عن تمش نحو تمكين الهيئة، وهو ما تعترض عليه قوى من داخل السلطة الشرعية.
ويرى متابعون أن الأزمة المثارة حول مخرجات الهيئة تعكس أزمة ثقة مزمنة بين مكونات السلطة الشرعية، التي يتبنى كل منها أجندات مختلفة، وهذا يشكل أحد التحديات التي تواجه التحالف العربي الذي تقوده السعودية.
وهيئة التشاور والمصالحة هي هيئة يمنية تشكلت بموجب إعلان الرئيس السابق عبدربه منصور هادي تشكيل مجلس القيادة الرئاسي في السابع من أبريل 2022.
وتعمل الهيئة، التي تضم خمسين عضوا، على جمع مختلف المكونات لدعم ومساندة مجلس القيادة الرئاسي والعمل على توحيد وجمع القوى اليمنية بما يعزز جهود المجلس وتهيئة الظروف المناسبة لوقف الاقتتال والصراعات بين كافة القوى والتوصل إلى سلام في اليمن.
ويملك رئيس مجلس القيادة صلاحيات واسعة في هذه الهيئة، حيث يتمتع بأحقية تعيين أعضائها، وهو ما يجعل البعض يتحفظ على أي خطوة نحو المزيد من تمكينها أو أن تتحول إلى برلمان مواز.
وأنهت هيئة التشاور والمصالحة سلسلة اجتماعات عقدت في العاصمة المؤقتة، أقرت خلالها وثيقة اللائحة الداخلية ووثيقة الإطار العام للرؤية السياسية لعملية السلام الشاملة (لم تتضمن أي إشارة إلى القضية الجنوبية)، ووثيقة مبادئ المصالحة بين القوى والمكونات السياسية الشرعية.
وقرر أعضاء هيئة التشاور خلال الاجتماعات تشكيل خمس لجان للهيئة هي: لجنة سياسية، ولجنة ثقافية وإعلامية، ولجنة للمصالحة والعدالة الانتقالية، ولجنة اجتماعية، ولجنة للحقوق والحريات.
وأثار إقرار تشكيل تلك اللجان نقاط استفهام كبرى، خصوصا مع استمرار تعثر انعقاد مجلس النواب في عدن العاصمة المؤقتة للبلاد، وسط شكوك متزايدة في أن يكون هناك توجه فعلي لأن تتولى الهيئة المهام التشريعية. واتهم نائب رئيس مجلس الشورى اليمني وحي أمان هيئة التشاور والمصالحة بأنها “تشرع لنفسها مهام السلطة التشريعية في البلاد”.
وقال أمان في تغريدة عبر حسابه على تويتر “هيئة التشاور والتصالح وجدت في ظرف تاريخي مرتبط بعمل مجلس القيادة الرئاسي وأطرافه المختلفة، ولا يحق أن تشرع لنفسها مهام السلطة التشريعية في البلاد”.
وأضاف “وجودها مرتبط بوجود المجلس الرئاسي فقط، أما مجلسي النواب والشورى بقاؤهما مرتبط ببقاء الدستور والحكومة والقوانين الدستورية للدولة”.
ولم تستفز مخرجات الهيئة فقط مجلسي الشورى والنواب بل أيضا قوى جنوبية اعتبرت أن المخرجات التي جرى تسريبها تعكس توجها لتعزيز وضع مكونات سياسية (شمالية) دون غيرها، فضلا عن كونها تقفز على قضية الجنوب.
وفي محاولة لاستيعاب ردود الفعل سارع رئيس الهيئة محمد الغيثي، المحسوب على المجلس الانتقالي الجنوبي، إلى نفي أن يكون جرى إقرار تلك المخرجات، معتبرا أنها مجرد مقترحات من المشاركين.
وقال الغيثي في منشور على صفحته بفيسبوك “بعد أن قررنا العمل على إقرار ثلاث وثائق في إطار مهام الهيئة بعد النظر فيما يطرحه الأعضاء في الهيئة العامة، يتم وبكل أسف تسريب هذه المسودات، وتصويرها في وسائل الإعلام على أنها وثائق اتفاقات سياسية بين قوى الشرعية”.
وأضاف “هذا لا أساس له من الصحة، بل هي مسودات تم رفعها من اللجان، وعرضت في الهيئة العامة، واستلمنا في رئاسة الهيئة كتابيا ملاحظات واعتراضات وإضافات أعضاء الهيئة المنتمين إلى مختلف القوى السياسية”.
وتابع “لم يتم النظر فيها (المسودات) إلى الآن، من قبلنا، ولم نقر شيئا، أو نرفعه لمجلس القيادة، ولن نرفع شيئا قبل الاتفاق أو التوافق عليه”.
ومضى قائلا “نحن هيئة تشاور ولسنا هيئة لإقرار قوانين أو اتفاقات سياسية، بل مهمتنا تكمن في فهم وتشخيص الحالة السياسية، وتطلعات واشتراطات ومطالبات القوى السياسية، والتشاور بشأن ذلك”.
ويأتي انعقاد هيئة التشاور والمصالحة على وقع توترات داخل الشرعية، ويرى متابعون أن الضجة المثارة بشأن مخرجات الاجتماعات تعكس حالة من انعدام الثقة بين مكونات السلطة اليمنية.
واندلعت مؤخرا أزمة بين المجلس الانتقالي الجنوبي ورئيس مجلس القيادة رشاد العليمي، على خلفية تصريحات للأخير قال فيها إن الوقت حاليا غير مناسب لإثارة قضية الجنوب.
وسارع المجلس الانتقالي إلى انتقاد العليمي، متهما إياه بعدم الجدية في تحقيق الشراكة والتوافق، وملوحا بالذهاب نحو تشكيل وفد تفاوضي منفصل لفرض قضية الجنوب.
وكشفت مصادر مطلعة عن تدخل قوى التحالف العربي لنزع فتيل التوتر بين الطرفين، خشية أن يقود إلى تفكك مجلس القيادة في الوقت الذي تمر فيه الأزمة اليمنية بمرحلة حساسة على وقع المفاوضات الدائرة بشأن تجديد الهدنة والتي هي أقرب إلى اتفاق سلام.
وخلال اجتماعات هيئة التشاور توجه العليمي برسالة إلى أعضاء الهيئة للتأكيد على العهد الذي قطعه وأعضاء المجلس لأبناء الشعب اليمني بالسير على قاعدة الشراكة والتوافق الوطني نحو تحقيق الأهداف المشتركة للمرحلة الانتقالية.
وقال رئيس مجلس القيادة في كلمة مسجلة “إن القسم الدستوري، والعهد الذي قطعناه مع إخواني أعضاء مجلس القيادة الرئاسي لأبناء شعبنا شمالا وجنوبا بالسير على قاعدة الشراكة والتوافق الوطني، ما يزال ثابتًا ولن نحيد عنه مهما كانت التحديات”.
وأضاف رئيس مجلس القيادة “ها نحن اليوم نتحدث إليكم لنؤكد ثقتنا المتزايدة بقوة تحالفنا الإستراتيجي، والتفافه حول أهدافه المشتركة للمرحلة الانتقالية”.
وقال “لعل اجتماعاتكم الموسعة في العاصمة عدن تؤكد عزمنا جميعا على تحسين الظروف وتهيئة الأوضاع المناسبة للعمل من الداخل، وإعادة بناء مؤسساتنا الوطنية، وفقا لإعلان نقل السلطة واتفاق ومشاورات الرياض، وعلى أساس مبادئ الحكم الرشيد والعدالة والتسامح وتكافؤ الفرص”.
وأوضح أنه “خلال الفترة المقبلة ستزداد اجتماعاتنا التشاورية على هذا النحو البناء بين مستويات الحكم المختلفة، في هذه المدينة الوفية، وكافة المحافظات المحررة”.
وقال “سنجتمع في نهاية المطاف بعون الله على أرض صنعاء، نصرة لأهلنا المقهورين هناك تحت نير الميليشيات، ووفاء بوعد السلام، وإنهاء الانقلاب، وإعادة الاعتبار للهوية الوطنية، وترسيخ انتماء بلدنا وشعبنا إلى حاضنته العربية”.
وكان العليمي غادر العاصمة عدن متوجها مجددا إلى الرياض على إثر الأزمة مع المجلس الانتقالي الجنوبي.