8 مارس بين معاناة مغيبة وتغييب سياسي
د. ضياء خالد محيرز
يوافق اليوم الثامن من مارس يوم المرأة العالمي، وهو اليوم الذي كرسه المجتمع الدولي كمناسبة رمزية إجلالاً للنساء عبر أنحاء العالم، وتكريماً لمواقفهن واسهاماتهن الحياتية إلى جانب الرجل وشجاعتهن وثباتهن في أداء أدوار استثنائية في تاريخ بلدانهن ومجتمعاتهن، ولدعم نضال المرأة من اجل العدالة والمساواة وإلغاء التمييز.
وإذا كانت نساء العالم يحتفلن باليوم الدولي للمرأة مستعرضات الإنجازات التي حققت والآمال والطموحات التي تصبو إليها، نرى في الزاوية الأخرى المرأة اليمنية تعيش معاناة مغيبة، فهي تواجه ظروفا بالغة القسوة والسوء بفعل الحرب الممتدة نحو ثمان سنوات وتداعياتها الإنسانية؛ حيث شكلت النزاعات المسلحة انتكاسات غير عادية للمرأة اليمنية، وحدث تراجع عن بعض المنجزات التي حققتها تكليلاً لنضالها على مدار عقود في مجال المساواة على أساس النوع الاجتماعي، والتحاق الفتيات بالمدارس والتحصيل التعليمي خاصة في المناطق الريفية، وعدم تلبية الكثير من احتياجات الصحة الإنجابية وصحة الطفل ومعالجة العنف الأسري، الذي مازال يعد أمراً شديد الخصوصية ومصدر خزي بالنسبة للمرأة، ناهيك عن العوائق الاجتماعية والاقتصادية من ارتفاع معدلات البطالة وقلة فرص العمل التي تحول بشكل مباشر دون قدرة النساء على الوصول إلى الفرص الاقتصادية ؛على الرغم من الاحتياجات المالية الكبيرة لأسرهن.
فقد أوقعت الحرب آلاف النساء اليمنيات في خانة الأرامل وهن في مقتبل العمر بعد مقتل أزواجهن، كما نالت الغصّة منهن بعد مقتل فلذات أكبادهن سواء كضحايا مدنيين للصراع، أو تجنيدهم إجباريا والزج بهم في محارق الموت.
ووجدت المرأة نفسها عائلاً للأسرة، كنتيجة لذهاب الرجال إلى ساحات الحرب، في ظرف اقتصادي صعب، يصل إلى حد المجاعة. ولم تقتصر معاناة النساء على أعمال القتل التي طالتهن وأفراد عائلاتهن خاصة في المناطق الشمالية، فقد ازدادت معاناتهن نتيجة تهجيرهن قسرا عن منازلهن أو اضطرارهن إلى اللجوء هربا من جحيم الحرب إلى مناطق أكثر امانا وإلى مراكز الإيواء، وسط ظروف إنسانية بائسة تفتقر لأدنى الخدمات الأساسية الضرورية، بما في ذلك انعدام المياه والخدمات الصحية وظروف بيئية قاسية، وفي غياب تام للخصوصية وحالة من الاكتظاظ في أماكن النوم المخصصة في تلك المراكز.
وفي ظل الوضع الأمني المتردي والانتهاكات التي طالتهن من قتل و احتجاز تعسفي واعاقات بسبب الألغام والعبوات الناسفة وخطر العنف الجنسي، فضلاً عن القيود الشديدة على حرية التنقل والحركة، بسبب الحواجز الأمنية، زاد حجم مسؤوليتهن إزاء من يعولون عليهن وتضاعفت معاناتهن وأثر ذلك بشكل كبير على حياتهن. كما انتشرت ظاهرة الزواج المبكر، وأصبح تعليم المرأة ثانويا وليس من الأولويات.
وعلى الرغم من مرور عقود من التأكيد على المساواة، والشواهد التي تؤكد حجم الدور الكبير الذي تقدمه المرأة في كل مناحي الحياة في اليمن ، إلا انها أصبحت الأقل حضورا في مراكز اتخاذ القرار واستبعدن من طاولة المفاوضات والتمثيل السياسي في المواقع القيادية في الدولة والأحزاب السياسية وتراجع تمكينها اقتصاديا، وأصبح موضوع مشاركة المرأة اليمنية في صنع القرار السياسي موضوعا جدليا يصل إلى حد التهميش السياسي والمنهجي ويحرمها من المشاركة بفعالية في الاقتصاد الوطني وفي عملية البناء والتنمية، وخير شاهد على ذلك غيابها عن التشكيل الحكومي الأخير، وإهدار مكاسب مخرجات مؤتمر الحوار الوطني فيما يتعلق بضمان تمثيل المرأة بنسبة 30% كحد ادني في المناصب العامة.
علما بأن النساء ما برحن يدفعن الأثمان الإنسانية الباهظة للنزاعات المسلحة في اليمن والتي أشعلت بقرار من الرجال، وفقدانها لإمكانية التأثير الفاعل في مجريات الأحداث في ظل التطرف الفكري نحوها.
وما يدعو للأسف أنه أصبح الاحتفال بـ “اليوم الدولي للمرأة”، فلكلوريًا يهتم بالمظاهر الاحتفالية السطحية وعبارات الاشادة الرنانة والمكرّرة للتعبير عن حبّ المرأة وتقديرها وإنجازاتها، والتي فقدت قيمتها ودلالاتها في ظلّ تكرارها كلّ عام مع تقديم الورود للنساء والتقاط الصور معهن ومباركتهن بهذا اليوم، وتقديم وعود قديمة جديدة بتحسين أوضاعهن، وكان الأحرى هو تكريس الجهود دفاعًا عن المساواة التامة بين المرأة والرجل في كلّ المجالات فعلًا لا قولًا في إطار الأدوار الاجتماعية لكلا منهما. والواقعُ حافلٌ بالأدلةِ على أن الانتقاصَ من حقوق المرأة ينعكس خسائرهَ على المجتمع بأسره.
“ماذا بعد؟”.. لا نريد وعودا ولا ورودا … بل نريد حقوقا
نريد أن توضع المرأة على نفس الدرجة من الأحقية تُجاه فرص الحياة والتواجد في كل مناحيها، وذلك يحتاج إلى إرادة سياسية حقيقية تتصرف على نحو حاسم لوقف الانتكاسات ومؤازرة الحقوق الإنسانية للنساء والفتيات وتمكين المرأة على كافة الاصعدة عبر فرض آليات فعلية تطبّق من خلالها القوانين والتشريعات التي تحمي المرأة وتصون حقوقها وحرياتها.
وما أردناه لليوم العالمي لهذا العام، ليس طموحاً ولا حلماً فحسب، بل انطلاقةٌ قوية لتحقيق الكثير من الرؤى لمستقبل مجتمع آمن ومزدهر تكون فيه المرأة شريكةً كاملةَ بالحقوقِ والواجبات في بنائها والعيش فيها والتمتع بحقوقها المكفولة بموجب المعايير والقوانين الدولية.
وختاما، نؤكد أنه لا يمكن للمجتمع أن يحقق التنمية الشاملة ويصنع فارق حقيقي يسهم ببناء مجتمع جديد و؛ إلا على أساس المشاركة والفرص المتساوية للجنسين وإرساء أسس دولة ومجتمع يقوم على إدماج كافة أفراده. ولا يجوز لأي مجتمع أن يتسامح إزاء هذا التهميش لمن يزيد اعدادهن على نصف تعداد سكانه.
المجد للمرأة الأم والأخت والزوجة والأبنة .. المجد للمرأة صانعة السلام وزهرة الأوطان.
كل عام و انتن بخير .. كل عام وأنتن ومضات في زمن العتمة.. إننا نستشرف الامل الجديد القادم والحياة الافضل منكن.
د. ضياء خالد محيرز
أستاذ مساعد في كلية الحقوق- جامعة عدن
عضو اللجنة الوطنية للتحقيق في انتهاكات حقوق الانسان