“داونتاون” تدوّي في جزيرة العرب
دارت في الآونةِ الأخيرة جدليات لغويّة انطلقت شرارتُها حينا أُطلق مسمى “داونتاون” ضمنَ حملة إطلاق مشروع “المكعب الكبير” في الرياض وتجاوزَت فيما أثارته من ضجيج جغرافية السعودية وديمغرافيا العرب.
بنكين أحمد سوريٌّ كرديّ، جنّدَ الكثير من وقته ليبحث في معركة حفظ اللغة العربية، من خلال تصديه لترجمة المصطلحات التقنية الجديدة إلى العربية.
وبنكين ليس حالةً فريدةً لناحية كونه حارساً للعربية من غير العرب، فقائمة الأكراد والفرس والشركس الذين أثروا الكتابات العربية طويلة.
يؤكد بنكين على أن أهمية هذه اللغة شأن يتجاوز العرب، وينبغي على الجميع الدفاع عنها لتفرُّدِ مكانتها بالمقارنة مع أي لغة أخرى، خصوصاً حين نظلمها بتسمياتٍ مستعارة تملكُ معادِلها.
يختم بنكين مرافعته، مفنداً حجةَ رهن التقدمِ بالخضوع اللغويّ، مع طرح أمثلةٍ كالصين وتركيا، اللتينِ تصدران بلغتيهما كل شيء، وينسحبُ المثالُ على دراسة الطب في سوريا، وهو ما لم يجعل الأطباء السوريين أقلَّ كفاءةً من أندادهم الدراسين للطبّ باللغة الإنجليزية أو الفرنسية، ولم يكن صعباً أن يتقنوا كل مفرداته حين انتقلوا للعيش في الغرب.
شاعرٌ ولغويّ سوري رد على ذاك المقام، متسائلاً عن أبطالٍ سينمائيين بملامحَ صينيةِ ما كنّا رأيناها لولا أنها نطقت بالإنجليزية، ويقول ساخراً: هاتوا لنا منتجا صينيا بلا كاتالوغ إنجليزي!
أما تركيا فمثال أشدُّ نفوراً بالنسبة إليه، فقد بنى أتاتورك دولته الحديثة مستعيراً الحرف اللاتيني، ولم يعاتبه الترك وهو أبوهم – كما يسمونه – بل اطمأنوا لخياره ثم تبنوه واعتبروه جالب النهضة.
ومن المجادلين من تجاوز كل ذلك، وأرجع الأمر إلى التطرف في نبذ الانفتاح، فمبالغة حد الراديكالية أن يتهم مشروع عظيم من هكذا زاوية خصوصاً أن التسمية “داونتاون” ليست جديدة على العرب وما من داع لجعل القضية رهاناً على الوجود أو العدمية.
وفعلاً حريّ بالقول إن إقناع الخائف صعب، والخوف الهوياتي هو الأشد والأحدّ، كما أن وهم القدسية للغة في غير محله فقد أسهم القرآن في حفظ لغتنا لكنه لم يتحرّج من بابلية اسم ابراهيم، وعبرية لفظة تابوت وجالوت وهذه كلمات على وزن فاعول، وهي صيغة لا ميزان صرفيا لها في العربية، ناهيك عن غربةِ جذر كلمة يأجوج والأمثلة كثيرة.
في مدينة عالمية كدبي مثال كامل، يساهم أولو الأمر فيها على الدوام بأن تظل العربية حاضرة، ومن المعتاد أن تسمع الهندي يلفظ أسماء الأشياء بالعربية كما هي، كما لا يحرج العربي أن يقول أنا ذاهب إلى المارينا أو الداونتاون.
ومع أن أيّ باحث لغوي وبأقل مجهود يستطيع الجزم بأن اللغة العصية على التلاقح والاستعارة لغة بائدة فإن الطريق طويل وصعب والعثرات جاهزة، وستحضر على الدوام تلك القدسيات الاستنسابية مرة عن جهل ومرة عن قصد، والمفارقة أن حرب “الدوانتاون” قائمة فيما نتسامح يومياً مع دينارِ ودرهمِ الإغريق، وريال الإسبان وليرة الطليان والكثير الكثير.
آسيا هشام
إعلامية في قناة العربية